استطلاع رأي

أي من هذه الدول تمارس الدور الأكثر إيجابية في حرب غزة؟

السعودية

مصر

قطر

إيران

تركيا

أهم الموضوعات

طبقات اليمين الإسرائيلي وبصيرة دا سيلفا

عن أوهام التفاؤل الأميركي

أزمة اقتصاد مصر وانتظار الفرج من الخارج

نحو وقف الحرب على غزة

سيناريو اليوم التالي للحرب

عن هذا العالم وأزمته الحضارية

الجمعة 31 مارس 2017 01:03 ص

يعيش العالم اليوم أزمة حضارية تهدد الأمن والسلم الدوليين، وتنذر بعواقب خطيرة، تتمثل في قضايا عدة، منها ثلاث لها تداعيات سلبية على مجمل العلاقات الدولية، وهي: الممارسات السياسية المخالفة للقانون الدولي، التي تقوم بها بعض القوى الكبرى التي من المفترض أن تكون داعمة للاستقرار، وبانية للسلام العالمي، والنزاعات المسلحة الناشبة في مناطق شتى من العالم، خصوصاً في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، والإرهاب المتعدد الأشكال الذي يستجلب موجات الكراهية والعنصرية والتمييز العرقي والديني والثقافي في العالم.

ويشكل إخفاق الأمم المتحدة في القيام بمهامها لحفظ الأمن والسلم الدوليين، عاملاً مهماً في تفاقم هذه الأزمة الحضارية، حيث لم يعد للقوانين الدولية أي فاعلية في ردع المنتهكين لها، وعاجزة عن محاكمة مرتكبي جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية، وعن إلزام المجتمع الدولي باحترام حقوق الإنسان، وحق تقرير المصير للشعوب على النحو الذي نعلم جميعاً، مما يظهر بالوضوح الكامل في الانتكاسات التي تُصاب بها الجهود المبذولة على أكثر من صعيد لإيجاد تسويات عادلة للأزمات القائمة.

وليس من شك في أن العلة في هذا الإخفاق تكمن في ضعف فعالية الأمم المتحدة وضآلة تأثير دورها في الأوضاع العالمية، وقلة الاحتفاء به من طرف القوى النافذة ذات السطوة والهيمنة والقدرة على تطويع القانون لمصلحتها، ليكون في خدمة مصالحها الاستراتيجية، ومتوافقاً مع أهدافها الحيوية التي تبني عليها السياسات التي تعتمدها. فهذه هي الحالة التي تحرف فيها هذه الهيئة عن مهامها الأساس ويفرغ القانونُ فيها من مضمونه ويفقد هيبته، فيصبح غير ذي جدوى، مما يجعل المجتمع الدولي يخضع لقانون الغاب، الذي هو الفوضى والانهيار والإفلات من العقاب.

فلم يسبق للعالم أن دخل منطقة عدم اليقين كما هو الوضع اليوم، منذ فترة الحرب العالمية الثانية، نظراً إلى هذا الكم من التهديدات الخطيرة المتصاعدة للأمن وللسلم الدوليين، من جراء تَفَاقُم الأخطار الأمنية والسياسية والاقتصادية والثقافية، التي تشكل جميعُها تحدياتٍ بالغة القسوة للإنسانية جمعاء التي أصبحت تعيش أوضاعاً مضطربة قلقة للغاية، جعلتها تقف في مفترق الطرق، وتتطلع نحو آفاق ليست واضحة المعالم، لأنها مغلفة بسحب متراكمة من التوترات الاجتماعية، والصراعات السياسية، والنزاعات المسلحة التي تحجب الرؤية السليمة إلى الغد، وتخلق حالةً من القلق الوجودي الذي يُفقد الإنسانَ الشعورَ بالأمان والاطمئنان، ويعكر الأجواء الدولية بالتلوث الفكري والارتباك النفسي اللذين يشجعان على التطرف المادي والمعنوي الذي لا تُؤمن عواقبُه.

إن معالجة هذه المشكلات الدولية العويصة التي تواجه الإنسانية اليوم، لن تكون ذات فعالية ومردودية ولها التأثيرُ القويُّ في بناء السلام العالمي، إلا إذا جرت في نطاق ميثاق الأمم المتحدة، وبدافع من روح القوانين الدولية، ومن منطلق الوفاء بالمسؤولية الأخلاقية والقانونية والسياسية التي ينهض بها صانعو القرار من القيادات السياسية والمشرعين، ويؤازرهم فيها النخبُ الفكرية والأكاديمية والثقافية، والإعلام بكل مجالاته، كل من موقعه ووفقاً لإمكاناته وقدراته، ضمن حراك إنساني واسع النطاق.

ينخرط فيه هؤلاء جميعاً، فيمضون نحو تسوية الأزمات العالمية التي تنعكس آثارها المدمرة على الإنسانية في أوضاعها السياسية، وأحوالها الاقتصادية، ومناخاتها الثقافية والدينية، فتصفو الأجواء المكدرة، وتتبدد السحب الداكنة التي تحول دون مواصلة السير في الاتجاه السليم الذي يخدم أهداف السلم والتنمية الشاملة المستدامة في جميع ربوع العالم.

ويتطلع عالمنا اليوم، في ظل هذه الأزمات التي تَتَزَايَدُ حدتُها باستمرار وتَتَفَاقَمُ أخطارها على الدوام، إلى مبادرات شجاعة من الحكماء والعقلاء الذين يمثلون الضميرَ الإنسانيَّ الحر، تدفع المجتمع الدولي في اتجاه فضّ النزاعات، وتسوية الأزمات، ومعالجة المشكلات الكبرى، ومن أجل إعادة الثقة في قدرة الإنسان على أن يجدد حاضرَه، ويطور أوضاعه، ويبني مستقبله، ويصنع السلام في الأرض.

وإذا كان المجتمع الدولي يواجه اليوم التهديدات المتفاقمة والخطيرة من جراء استفحال ظاهرة الإرهاب الذي أصبح، لكثرة تشعباته واتساع امتداداته، إرهاباً عالمياً، وتعجز دول العالم حتى الآن عن القضاء عليه في شكل نهائي، فلأن السياسة الدولية المعتمدة في هذا المجال، تتسم بقدر كبير من الغموض وبعدم الحسم وبالازدواجية في المعايير.

وفي ضوء المعطيات الحالية، فإن التحالف الحقيقي والفاعل والمقتدر لمحاربة الإرهاب لم يتأسَّس بعدُ، على رغم هذه الأصوات التي ترتفع لتوهمنا أن التحالف الدولي مصمم على محاربة الإرهاب، مما يتطلب صدور قرار من مجلس الأمن بتأسيس تحالف بديل، يعمل تحت مظلة الأمم المتحدة، حتى يكون له النفوذ الواسع والتفويض الكامل لممارسة المهمة المنوطة به، ومن أجل أن تنخرط الدول التي تتحالف وتَتَضَافَرُ جهودها لمحاربة الإرهاب، في عمل جماعي يكتسب الصفة الدولية بحق، ويكون تفويضاً من الأمم المتحدة.

ولا يمكن أن تنفصل محاربة المظالم والاعتداءات على حقوق الإنسان والانتهاكات للقوانين الدولية، عن التصدّي للإرهاب، بل هذه هي الوسيلة الأكثر أهميةً والأشد تأثيراً للوصول إلى هذا الهدف الذي ينبغي أن يكون موضعَ توافق دولي لا يُنازع فيه، ولبناء القواعد الراسخة لنظام عالمي جديد يَتَجَاوَزُ رواسب الماضي المتراكمة، ويتخطى إخفاقات النظام العالمي الحالي، ويخفف من حدة التوترات التي تطبع العلاقات الدولية خلال هذه المرحلة.

ومن المؤكد أن بناء السلام العالمي مسؤولية عظيمة الثقل جليلة القدر مشتركة بين مكونات المجتمع الدولي. وأن التغلب على الأزمة الحضارية البشرية اليوم، يتوقف على تفعيل التحالف الحضاري المبني على الحوار بين الثقافات والحضارات وأتباع الأديان من جهة، وعلى تعزيز الحضور الفعلي للقانون الدولي في السياسة العالمية، من جهة أخرى، مع مراعاة القيام بالمبادرات المطلوبة لتعديل ميثاق الأمم المتحدة، بما يحقق المساواة الكاملة بين الدول الأعضاء ويكفل الاحترام اللازم لسيادتها.

وحين نلتفت حولنا باحثين عن بصيص أمل في تحقيق هذا المطلب الإنساني الملح، لا نرى سوى التطرف يحكم السياسة الدولية، والتعصب ينخر جسد المجتمع الدولي، فتضيع أصوات العقلاء في ضجيج صيحات الجهلاء.

وقديماً قيل عن من يطلب الإصلاح في زمن الفساد، أنه كمن يؤذن في مالطة.

* د. عبد العزيز التويجري أكاديمي سعودي الأمين العام للمنظمة الإسلامية للتربية والثقافة والعلوم (إيسيسكو).

  كلمات مفتاحية

العالم أزمة الحضارة العالمية مشكلات الإنسانية التطرف السياسة الدولية التعصب المجتمع الدولي السلام العالمي