«واشنطن بوست»: ديكتاتور «ترامب» المفضّل يسجن مواطنين أمريكيين

السبت 1 أبريل 2017 07:04 ص

«أحمد مصطفى» هو شاب من ولاية نيوجيرسي يبلغ من العمر 18 عامًا يحب كرة السلة، وحدث أن كان في المكان الخطأ في الوقت الخطأ. وكان في مصر مع عائلته قبل خمسة أشهر عندما اقتحمت الشّرطة المنزل للقبض على عمّه بتهمٍ ملفّقة. وتبادل «أحمد»، البالغ من العمر 17 عامًا في ذلك الوقت، الكلمات مع الضّباط، واعتقلوه هو الآخر على إثر ذلك. واتّصل بي والده، وهو أمريكي مصري، الشهر الماضي ليخبرني القصّة، وأرسل إليّ مقطع فيديو من كاميرات المراقبة والتي أظهرت لحظات الاعتقال حتّى أستطيع أن أرى بنفسي وحشية التّعامل مع ابنه

وانتهى الأمر بـ«أحمد» في زنزانة ليس لسببٍ آخر سوى الإعراب عن استيائه من الطّريقة الوحشية التي اعتقلت قوّات الأمن المصرية بها عمه. وكان صوته مجرد مظهرٍ من مظاهر كلّ القيم التي تربّى عليها، العدالة وسيادة القانون والديمقراطية وحقوق الإنسان. وفي صدمةٍ شديدة، أُلقِيَ بها جميعًا عرض الحائط.

أنا أشعر بذلك. ففي عام 2013، أطلقت السّلطات المصرية الرصاص عليّ من أجل بثٍّ مباشر للتفريق العنيف للاحتجاجات السلمية. ومع كوني مواطنٍ أمريكي، اعتُقلت بعد ذلك من منزل عائلتي في مصر مع ثلاثة صحفيين. ولقد سجنت ظلمًا وحكمَ عليّ بالسّجن المؤبّد بتهمٍ مسيّسة. ولمدّة 22 شهرًا، تمّ وضعي في زنزاناتٍ مكتظّة تحت الأرض في أكثر الظروف لا إنسانية. وبقيت معصوب العينين وتعرّضت للتّعذيب طوال فترة احتجازي لكوني مواطنًا صحفيًا بحكمِ الأمرِ الواقع. ولا يزال لديّ ندبة نتيجة حرق السّجائر في الجزء الخلفي من رقبتي. وحتّى يومنا هذا، ما زلت أستيقظ مرتعبًا على أصوات اهتزاز المفاتيح وصوت ارتطام الأبواب أو الصراخ بصوتٍ عالٍ. لقد كنتُ على وشك الموتِ أكثر من اثنتي عشرة مرّة. لكنّي محظوظٌ لأنّني نجوت من المصير المظلم والمروّع الذي لا يزال يواجهه أكثر من 60 ألف شابٍ مصري.

هل تتساءل كيف حدث كلّ هذا لمواطنٍ أمريكيٍ قاصر، والداه أيضًا مواطنان أمريكيان، في بلدٍ يعتبر حليفًا مقربًا يحصل على ثاني أكبر مبلغ من المساعدات الخارجية الأمريكية (حوالي 1.5 مليار دولار سنويًا من جيوب دافعي الضرائب)؟ إذًا ستجد ما يلي أكثر إذهالًا للعقل. تحتجز مصر سبعة مواطنين أمريكيين على الأقل بتهمٍ مسيّسة. «آية حجازي»، على سبيل المثال، هي خريجة جامعة جورج ميسون، وقد تزوّجت واستخدمت أموال زفافها لإنشاء منظّمةٍ غير حكومية لأطفال الشّوارع، ثمّ وجدت نفسها وزوجها يقبعان في السّجن لأكثر من ثلاث سنوات. ويقضي اثنان من مواطني نيويورك، مصطفى قاسم (52 عامًا)، والطالب أحمد عطوي (26 عامًا) عامهما الرّابع في السّجن بتهمة التّظاهر.

«آية» و«مصطفى» و«الأحمدان» هم من بين عشرات الآلاف من سجناء الرّأي في مصر، الذين تمّ نسيانهم وسط الجو السياسي السّام. وفي مقطع فيديو على موقع فاين (محذوف الآن) في عام 2013، اقترح الرئيس «ترامب» أن تستفيد الولايات المتّحدة من 1.5 مليار دولار تُمنح سنويًا لمصر في إعادة بناء أمريكا أولًا. لكنّ «ترامب» غيّر خطابه أثناء حملته الانتخابية الرئاسية. واحتضن «ترامب» بحرارة ديكتاتور مصر، الرئيس المصري «عبد الفتّاح السيسي»، وأشاد به علنًا. وينبغي للرّئيس أن يستغلّ فرصة زيارة «السيسي» المتوقّعة إلى واشنطن في شهر أبريل/نيسان للمطالبة بإطلاق سراح الأمريكيين المحتجزين بشكلٍ غير عادلٍ أولًا. وكان الرّئيس «باراك أوباما» قد كافح للضّغط على المصريّين لإطلاق سراح أمريكيٍ واحد (أنا). فهل يمكن لرئيسنا الجديد أن يفعل الأفضل؟

وحتّى اليوم، ما زلت أتلقّى المكالمات ورسائل البريد الإلكتروني ورسائل من أسر السّجناء السياسيّين، وفي بعض الأحيان من السّجناء أنفسهم، على أمل تسليط الضّوء على محنتهم. لقد كنتُ طفلًا ساذجًا من الغّرب الأوسط والذي وجد نفسه يغطي الاحتجاجات ويبثّ تغريدات مباشرة حول تفريق المظاهرات بعنف في مصر، في محاولةٍ لإظهار قسوة النّظام المصري ضدّ مواطنيه للعالم. وقد دفعت ثمنًا باهظًا لتلك السّذاجة.

وكانت آخر تلك المكالمات مؤلمة بشكلٍ خاص. هاتفني رجلٌ من هاتفٍ محمول كان قد استطاع تهريبه إلى السّجن. وقال لي أنّه قد اعتُقل في عملية تمشيط للمارّة بالقرب من مظاهرةٍ في أحد الشّوارع. وسرد كيف تلقّى أخبارًا عن مقتل أطفاله الثلاثة في حريق اشتعل بمنزله في منتصف اللّيل. لقد تكلّم بهدوء، يشهق أحيانًا ويبكي أحيانًا.

استيقظت على المكالمة ولم أستطع النّوم لليلة كاملة منذ تخيّلت قدر الغضب الذي كنت لأشعر به إذا سلبني السّجن الظّالم لحظات العيش مع أطفالي في العامين الأخيرين من حياتهم. ومن يدري ربما ليكونوا لا يزالون على قيد الحياة إذا كان معهم في المنزل. ولم أستطع أن أواسيه سوى بقول «إنّا لله وإنّا إليه راجعون».

  كلمات مفتاحية

مصر السيسي ترامب العلاقات المصرية الأمريكية