مع تباطؤ نمو الاستيطان الإسرائيلي..البعض يهجر مستوطنات الضفة الغربية

الثلاثاء 4 أبريل 2017 03:04 ص

الضفة الغربية المحتلة - بعد خمسة أعوام لم تعد باتشيفا ريباك تتحمل العيش داخل مستوطنة إسرائيلية في الضفة الغربية المحتلة رغم أن تكلفة استئجار منزل بحديقة أقل بكثير مما يمكن أن تكون في إسرائيل نفسها.

وربما تكون شقتها الجديدة في إسرائيل صغيرة لكنها، خلافا للمكان الذي اعتادت العيش فيه، تقع بالقرب من متجر كبير وعيادة طبية وباتت تصل إلى عملها بشكل أسرع وتشعر بأن أطفالها أكثر أمنا.

وقالت المعلمة في رياض الأطفال البالغة من العمر 26 عاما "من الأسهل انجاز الأشياء" مضيفة أن القرار لا يتعلق بالمنفعة فقط.

"بدأت أشعر بأن الحياة غير مريحة في مستوطنة. لا أعتقد شخصيا أن بناء المزيد والمزيد من المستوطنات سيساهم في إحلال السلام."

وبالنسبة للعالم فإن الحديث بشأن المستوطنات كثيرا ما يقرأ من ناحية واحدة: بناء المزيد من المستوطنات وانتقال المزيد من المستوطنين إليها. لكن الصورة غير مكتملة والدليل على أن وجهة نظر ريباك باتت مألوفة هو أن المستوطنين بدأوا يسأمون.

وتشير الإحصائيات إلى أن عدد السكان في تزايد ويصل حاليا إلى نحو 400 ألف شخص في الضفة الغربية و200 ألف في القدس الشرقية.

لكن خلف هذه الأعداد تكمن قصة أخرى. فبالرغم من أن عدد السكان ربما تزايد بحوالي الثلثين على مدى السنوات العشر الماضية إلا أن معدل الزيادة تباطأ على نحو حاد حسبما أفاد مكتب الإحصاء المركزي في إسرائيل.

وقبل عشر سنوات كان لكل ألف مستوطن يعيشون بالفعل في أراض محتلة 20 مستوطنا جديدا يصلون كل عام. والآن تقلصت النسبة وأصبحت ستة أشخاص لكل ألف.

وقال شاؤول أريلي المحلل في مؤسسة التعاون الاقتصادي البحثية التي تؤيد حل الدولتين لإنهاء الصراع الإسرائيلي الفلسطيني "المشروع الاستيطاني يتراجع وما تبقى منه مستمر فقط بشكل مصطنع بفضل الأموال التي تضخها الحكومة."

ومنذ احتلال الضفة الغربية في حرب 1967 ساعدت الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة في إقامة أكثر من 120 مستوطنة وأنفقت مليارات الدولارات على بناء عشرات الآلاف من المنازل والبنية التحتية لدعمها: طرق وكهرباء وغاز ومياه ومواصلات.

وتوجد أيضا عشرات من النقاط الاستيطانية غير الرسمية والتي يتلقى بعضها إعانات حكومية.

وفي حين تجري الحكومة اليمينية في إسرائيل محادثات مع إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بشأن الحد من التوسع فإنها وعدت أيضا ببناء آلاف الوحدات السكنية الأخرى هذا العام لاستيعاب ما تسميه "النمو الطبيعي" في إشارة إلى إنجاب العائلات لمزيد من الأطفال.

ورغم أن النمو السكاني في المستوطنات أعلى من المتوسط القومي إلا أن معدله يتراجع أيضا: ففي عام 1995 بلغ 10 في المئة. وبحلول 2015 تراجع إلى 4 في المئة.

ويعترف زعماء حركة المستوطنين بهذا الانخفاض لكنهم يقولون إنه لا يعكس تراجعا في التأييد. ويقولون إن التراجع يبعث على القلق لكنه ناجم عن القيود التي تفرضها الحكومة على البناء: الأشخاص لا ينتقلون إلى المستوطنات بسبب عدم وجود منازل كافية لإيوائهم.

وقال ييجال ديلموني نائب رئيس مجلس يشع وهو الهيئة الرئيسية التي تمثل المستوطنين "روح الاستيطان الرائدة والرغبة في العودة إلى الأماكن التي دائما ما تواجد فيها شعب إسرائيل تزداد قوة."

وهذا ما يقلق المجتمع الدولي الذي يعتبر المستوطنات المقامة على أراض محتلة انتهاكا للقانون الدولي وعقبة أمام السلام بين الإسرائيليين والفلسطينيين الذين يسعون لإقامة دولة تضم الضفة الغربية والقدس الشرقية وقطاع غزة.

وترفض إسرائيل فكرة عدم شرعية المستوطنات وتقول إن علاقتها بالأرض تاريخية ومنصوص عليها في التوراة. ويرغب بعض أعضاء الجناح اليميني بالحكومة الإسرائيلية في ضم ما يصل إلى 60 بالمئة من الضفة الغربية وزيادة الاستيطان بشكل كبير.

 

القدرة على تحمل التكاليف

يرى الفلسطينيون أن أي توسيع للمستوطنات يندرج ضمن مشروع إسرائيلي لحرمانهم من إقامة دولة.

وقال خافيير أبو عيد المتحدث باسم إدارة شؤون المفاوضات بالسلطة الفلسطينية إن الإسرائيليين يبنون المستوطنات بمعدل للتشييد له دوافع سياسية. وأضاف أن المستوطنات والمزايا التي تمنح للمستوطنين هي جزء من جدول أعمال الحكومة الإسرائيلية الذي من الواضح أنه لا يتضمن حل الدولتين.

والنمو السكاني في المستوطنات تقوده الآن إلى حد كبير حفنة من المستوطنات التي تم تشييدها لليهود الأصوليين الذين يكون لعائلاتهم ستة أطفال في المتوسط.

وعلى مدار العقدين الماضيين شهدت المستوطنتان الرئيسيتان لليهود الأصوليين، بيتار عيليت ومودين عيليت، نموا من نحو عشرة في المئة من سكان مستوطنات الضفة الغربية لتشكل قرابة ثلث هذا العدد.

وخلافا لكثير من المستوطنات الأيدلوجية المتشددة الممتدة في عمق الضفة الغربية فإن بيتار عيليت ومودين عيليت متاخمتان لإسرائيل ومن المرجح دمجهما في أي اتفاق سلام مع الفلسطينيين. وتقف الكتل السكانية الضيقة فيها على النقيض من المنازل الرحبة ذات الأسطح الحمراء والحدائق والتي تميز معظم المستوطنات المشيدة على تلال الضفة الغربية.

ويقول السكان من اليهود الأصوليين إنهم انتقلوا إلى هنا لأن الأسعار رخيصة. ولا يشغل بالهم الصراع مع الفلسطينيين وتسوية النزاع بشأن الأرض. وبالنسبة لهم فإن أي مكان يمّكن طائفتهم الفقيرة والمترابطة من العيش سويا فهو محل ترحيب.

 

الخـروج

وفي حين تتراجع نسبة الأشخاص الذين ينتقلون للعيش في المستوطنات وكذلك النمو السكاني داخلها فهناك أيضا دلائل على تغير في الأجيال في بعض المستوطنات الأيدلوجية الأكثر رسوخا والتي قادت الحركة في سبعينات القرن الماضي.

وقال اسحق فيلجر وهو وكيل عقاري في مستوطنة بيت إيل إن الجيل المؤسس بدأ يطعن في السن كما أن أبناءهم كبروا ورحل بعضهم.

وظلت روتشي أفيتال في مداولات على مدى عامين قبل أن تغادر مستوطنة عوفرا لتكون قريبة من أبنائها الذين غادروا جميعا الضفة الغربية. وعاشت أفيتال في المستوطنة 30 عاما ولا تزال من المؤيدين بقوة للمشروع الاستيطاني لكن الرغبة في أن تكون قريبة من أبنائها طغت على أيدلوجيتها.

وتضع أفيتال صور منزلها السابق المؤلف من طابقين وحديقة على الثلاجة (البراد) في شقتها الجديدة بالقدس والتي تقول إنها ضعف الثمن ونصف الحجم.

ورغم أن مستوطنة عوفرا تشهد في السنوات الأخيرة زيادة في عدد الأشخاص الراحلين مقارنة بعدد القادمين فإن أفيتال (64 عاما) تعتقد أنها لا تزال لديها مستقبل.

وقالت "وصلت (المستوطنة) إلى كتلة حرجة. أصبحت الآن ناضجة بما يكفي للتعامل مع الأشخاص القادمين والمغادرين" مضيفة أن عائلة بأطفالها انتقلت للعيش في منزلها القديم.

ويقول أريلي المحلل بمؤسسة التعاون الاقتصادي إن الواقع مختلف. ففي حين أن المستوطنات كثيرة وتدعمها بنية تحتية واسعة فإن المشروع ليس كبيرا بما يكفي للحفاظ على نفسه.

وقال "لم تتمكن الحركة الاستيطانية من تهيئة الظروف المادية للضم" مشيرا إلى المساعي لضم المنطقة التي توجد بها كل المستوطنات تقريبا.

وتابع قائلا "حل الدولتين لا يزال قويا وتتوافر له مقومات البقاء".

المصدر | رويترز

  كلمات مفتاحية

الاستيطان الإسرائيلي فلسطين المحتلة الضفة الغربية المستوطنون ضم الضفة الغربية حل الدولتين