الرهان الأمريكي الخاسر على «السيسي»

الجمعة 7 أبريل 2017 08:04 ص

يعتقد ترامب أن «عبد الفتاح السيسي» هو ذلك النوع من الحليف الذي يحتاجه. ولكن الأمر ليس كما يبدوا عليه.

«هل أنت مسيحي؟».. كانت هذه هي العبارة الوحيدة التي وجهها رجال ملثمون يحملون أسلحتهم، إلى «ميثاق»، 58 عاما، أحد العاملين في لمستشفيات المصرية.

قبل لحظات كانت سيارة الكهل القبطي و4 من زملائه المسلمين قد مرت عبر نقطة تفتيش عسكرية مصرية، فقد كانوا يمارسون حياتهم اليومية بالذهاب إلى مدينة العريش في شمال سيناء عائدين من المستشفى الحكومي الذي يعملون به حيث يوجد مسافة قصيرة بين نقطتي تفتيش رسميتين، ولم يحدث لهم أن قابلوا من قبل مقاتلين من ما يسمى الدولة الإسلامية. ولكنهم الآن كانوا ينظرون في فوهات بنادق مسلحي التنظيم.

«ميثاق»، قبطي متدين، رفض أن يكذب على الجهاديين، وربما تفاجأ الجهاديون من شجاعة الرجل، وطلبوا رؤية بطاقة الهوية، والتي أكدت الدين. حتى أنهم دققوا في وشم الصليب على معصمه، والذي يوجد لدى أكثر الأقباط المسيحيين في مصر.

قالوا له: «تحول عن الكفر وسوف تحافظ على حياتك». وسحبوه من السيارة وأجبروه أن يركع على ركبتيه. ولكن مرة أخرى رفض. لذا أطلقوا عليه النار 14 مرة وتركت جثته في الصحراء.

وقالت أرملة «ميثاق» الفقيرة، ماجدة (52 عاما)، إنهم يطاردوننا باستمرار. ووصفت عيش المسيحيين في العريش على أنه كابوس. والعريش هي أكبر مدينة في شمال سيناء، وهي المنطقة التي كانت ساحة معركة لمدة أربع سنوات بين الجيش والمتمردين.

و«ماجدة» هي واحدة من بين نحو 300 عائلة مسيحية فروا من مسقط رأسهم في فبراير/شباط، بعد قتلت ولاية سيناء الأقباط قبل أقل من شهر. الأغلبية، مثل «ماجدة»، هربوا إلى مدينة الإسماعيلية، بالقرب من قناة السويس حيث هم الآن في حالة اختباء جزئي في شقق متداعية.

«لقد ظهرت داعش في نقطة بين نقطتي تفتيش عسكريتين»، كما قيل لي. «الجنود يجب أن يكونوا سمعوا الطلقات. لديهم أبراج، وبسهولة كان يمكن أن ينظروا إلى ما يجري. زوجي كان يقود خلف سيارة عسكرية لكنها لم تعد إلى الوراء. لم يأت أحد لمساعدته».

لقد جاء النزوح الجماعي للمسيحيين من شبه الجزيرة المضطربة في فبراير/شباط ، بعد تبني ولاية سيناء لتفجير الكاتدرائية الكبرى بالقاهرة في ديسمبر/ كانون الأول، وهذا تذكير صارخ بأن الحكومة لم تنجح في توجيه ضربة قاضية ضد الإرهاب.

العديد من العائلات المسيحية الذين تحدثوا لصحيفة «ديلي بيست» صوتوا لصالح الرئيس «عبد الفتاح السيسي» الذي وعد بالاستقرار والأمن والازدهار لكنه خذلهم. قصص أخرى من أجزاء أخرى من الأراضي المصرية توافقت مع قصص العريش، في المنيا مثلا حيث أحرقت منازل المسيحيين وكثيرا ما تم اختطاف أفراد الأسر للحصول إلى فدية.

وكان دعم محاربة الإرهاب الذي يهدد سكان مصر البالغ عددهم 92 مليون، على أولوية جدول الأعمال خلال اجتماع الرئيس «السيسي» مع الرئيس الأمريكي «ترامب» في واشنطن هذا الأسبوع.

وقد تفاخر «السيسي» بكونه أول زعيم قام بالاتصال بـ«ترامب» بعد فوزه في الانتخابات ، وقام ببناء علاقة قوية مع نظيره القوي في واشنطن إلى حد كبير بسبب الموقف من الإرهاب، والكراهية لجماعة الإخوان المسلمين. ووصف «ترامب» القائد العسكري السابق بأنه «رجل رائع» في مقابلة مع شبكة فوكس نيوز في سبتمبر/أيلول.

وأضاف «ترامب» أن «الولايات المتحدة الأمريكية ستكون صديقا وفيا، وليس مجرد حليف، وأن مصر يمكنها الاعتماد عليها في الأيام والسنوات المقبلة».

وقد تم التأكيد على الاعتقاد الراسخ في أن «السيسي» والشركاء في المنطقة سيعملون على تحقيق الاستقرار وذلك في تصريحات من قبل المسؤولين في البيت الأبيض عن الزيارة، حيث يشير ذلك إلى تراجع عن سياسات إدارة «أوباما».

لقد جمد «أوباما» مؤقتا قطاعات من المساعدات العسكرية لمصر البالغة 1.3 مليار دولار و التي تعطي سنويا من الولايات المتحدة وذلك بسبب مخاوف من انتهاكات الحقوق بعد إطاحة «السيسي» بـ«محمد مرسي». وعلى الرغم من استعادة المساعدات العسكرية في عام 2015، فقد تم التشديد على أوضاع حقوق الإنسان. كما قال نواب مصريون أنهم لا يخفون حقيقة أنهم رغبوا في فوز «ترامب» على «كلينتون»، التي يعتقدون أنها امتداد «أوباما». وزعمت عدة مقالات أن مصر كانت الدولة الوحيدة في العالم التي توقعت فوز «ترامب».

وقال مسؤولون في البيت الأبيض الجمعة، من الذين يصفقون لنهج السيسي «الجريء» منذ توليه الرئاسة إن مصر هي واحدة من الركائز التقليدية للاستقرار في الشرق الأوسط، وهي من شركاء الولايات المتحدة التي يمكن الاعتماد عليها لعقود.

وتحدث المسؤولون مرارا وتكرارا عن الرغبة في تحسين العلاقة. وقد حصل «السيسي» على دعوة مبكرة إلى البيت الأبيض، وقد حظي بترحيب باعتباره المفتاح للسلام في منطقة الشرق الأوسط.

الأمور غير ما تبدو عليه

ولكن الاقتصاد المصري يمضي في السقوط الحر، والهجمات الإرهابية تزداد، وأقامت مصر علاقات مؤسفة مع عدو أميركا القديم روسيا، وربما هناك من يسأل إذا كانت مصر حقا هي العمود الفقري للاستقرار في الشرق الأوسط أم هي برميل بارود يمكن أن ينفجر حتى في وجه «ترامب»؟

صرح «توم مالينوفسكي»، وهو مساعد وزير الخارجية المسؤول عن قضايا حقوق الإنسان في عهد «أوباما»، صرح لصحيفة نيويورك تايمز، أن المساعدات الأمريكية لمصر لم تترجم أبدا إلى الدعم المتوقع الذي ترغب فيه الولايات المتحدة. وأضاف: «لقد أعطيت مصر 70 مليار دولار على مر السنين، في حين لا توجد طائرة مصرية قامت بمساعدتنا في الحرب على داعش في الرقة أو الموصل». وقال: «كل ما يحصل من المصريين هو القمع السياسي الذي يؤدي إلى تطرف الشباب ويعطي حياة جديدة للجماعات الإرهابية».

في هذه الأثناء، وبعد انتفاضتين وخمسة رؤساء منذ عام 2010، تواجه مصر شبح ارتفاع مزيد من الاضطرابات و أسوأ أزمة مالية منذ عقود.

تسبب نقص الدولار بالشلل، وقد أشعل فتيل ندرة الاستثمارات الأجنبية، ووقف المعونات الخليجية ورغبة يائسة من البنك المركزي على التشبث بقيمة الجنيه المصري أدت لتراجع كبير في اقتصاد البلاد.

وهذا اضطرت البلاد إلى تعويم الجنيه المصري في نوفمبر/تشرين الثاني لجذب تدفقات العملة الأجنبية. وفي الوقت نفسه، رفعت جزئيا دعم الوقود بشكل غير عملي، مما جعل أسعار البنزين تقفز وتم فرض 13% كضريبة قيمة مضافة لأول مرة.

لقد تم تعويم الجنيه وقد أقفل الاحتياطي النقدي عند 27.5 مليار دولار بعد الحصول على قرض صندوق النقد الدولي بقيمة 12 مليار دولار في نوفمبر/ تشرين الثاني، وغيره من القروض الصغيرة من البنك الدولي (3 مليار دولار )، ومن البنك الإفريقي للتنمية، الذي سلم للمرة الثانية 500 مليون دولار يوم السبت الماضي.

لقد أثر انخفاض الجنيه في جعل مصر أكثر جاذبية للمستثمرين الأجانب الذين بدؤوا في العودة، مع تدفقات كبيرة في سوق الأسهم. كما أشرقت الصورة مع اكتشافات جديدة للغاز في دلتا النيل.

ولكن «زياد بهاء الدين»، نائب رئيس الوزراء المصري السابق قال إن الأرقام لا تروي القصة بأكملها. الواقع الاقتصادي الذي يعيشه الناس كل يوم مختلف تماما عن تلك الفئات التي في الأعلى. «إنه أمر خطير عندما تحصل على فجوة واسعة».

ارتفع معدل التضخم إلى 30.2 في المائة، وهو أعلى مستوى له منذ 30 عاما. في حين أن التضخم في المواد الغذائية وصل إلى 40 في المائة. وجعل ارتفاع الأسعار والضرائب الجديدة الحياة لـ 25 مليون مصري يعيشون تحت خط الفقر شبه مستحيلة. وقد ساءت الأحوال مع محاولات الدولة المتخبطة لإصلاح برامج الإعانات التي تشتد الحاجة إليها.

عادت الاحتجاجات ضد نقص الخبز، التي تذكرنا بعام 1977 حيث اندلعت مظاهرات الخبز، في جميع أنحاء البلاد في أوائل مارس/أذار. وكانت الحكومة حاولت القضاء على التربح المستشري من قبل المخابز ولكن وزارة التموين اضطرت للتراجع عن التدابير خوفا من المزيد من الاضطرابات.

ومن المتوقع أن تقوم الحكومة تماشيا مع شروط القروض بزيادة خفض دعم الوقود هذا الشهر، كما أن تعريفة جديدة على الكهرباء من المرجح أن تفرض في يونيو/ حزيران أيضا.

وقال «سيف»، 40 عاما، وهو أب لطفلين إن راتبه شهد انخفاضا بنسبة مذهلة بلغت 90 في المائة منذ الربيع العربي في 2011. «إذا لم يتغير شيء، وإذا كانت الحكومات لن تدفع لنا، صدقوني سوف يكون هناك ثورة جياع».

خائفون من الكلام

وقال محامي يعمل لحسابه الخاص، و يقضي وقته يوميا في مشاهدة كرة القدم على التلفزيون في وسط القاهرة أن كيلو الطماطم كان يكلف 5 جنيهات ولكن الآن الكيلو يكلف 12 جنيها. وكيلو الليمون، تضاعفت تكلفته عدة مرات. وهناك نفقات أخرى ترتفع أيضا: ضاعفت الحكومة أسعار تذاكر مترو الأنفاق الأسبوع الماضي.

«إن الشركات الكبرى تستحوذ على المال، وإذا حاول الفقراء الحصول على شيء يتهمون بأنه إرهابين، والناس خائفون جدا من الكلام».

وأضاف أن الأسر تتأثر أيضا من نقص في السلع مثل الأدوية. وقد اضطرت وزارة الصحة لرفع أسعار الأدوية بنسبة تصل إلى 50 في المائة للحفاظ على إنتاج الأدوية. ولكن اختفت 3000 نوع من الأدوية عن الأرفف، وذلك وفقا لـ«لمحمود فؤاد»، مدير المركز المصري لحماية الحق في الطب، الذي يراقب عرض الأدوية في البلاد.

ومن بين الأدوية التي اختفت الأدوية المنقذة للحياة مثل العلاج الكيميائي وعلاج الأمراض العصبية والكبد والتصلب كما أن حبوب منع الحمل، والمحلول الملحي، والمحاقن، واللقاحات مفقودة أيضا.

وأدى هذا إلى إجبار المصريين إلى اللجوء إلى السوق السوداء، حيث ارتفعت الأسعار بنسبة 85 في المائة. يوجد بعض أولئك الذين يستطيعون السفر إلى الخارج وإعادة العلاجات في حقائبهم أما من هم أقل حظا فيموتون.

وقد قدم اختفاء الأدوية فرصة تجارية مربحة للجيش الذي أعلن أنه سيبدأ في بناء مصنع للعقاقير المضادة للسرطان، والمحاقن والمحلول الملحي.

سيطرة الجيش

ويقدر خبراء أن الجيش يسيطر على كل شيء بنسب تصل إلى 40% في المائة من الاقتصاد المدني والقطاع الخاص وهي قادرة على الفوز على منافسيها مع وجود القوى العاملة المجندة الرخيصة والوصول غير المقيد إلى العملة الأجنبية. في شهر مارس/أذار وحده، أعلنت وزارة قوية الإنتاج الحربي عقودا عسكرية منفصلة لتصنيع الألواح الشمسية، قطع غيار السيارات، والأدوات الزراعية، وصوامع القمح، وكذلك الحقن والأدوية السرطانية.

وفي ظل هذه الأزمة الاقتصادية، فإنه من المرجح أن يبحث الرئيس «السيسي» عن تأمين المزيد من الدعم المالي من الولايات المتحدة، ربما من خلال حزم المساعدات الاقتصادية الاستثمارات. وقال ثلاثة نواب إنهم يتوقعون أن يتم التوقيع في نهاية هذه الرحلة على العديد من الصفقات المربحة.

وقال «تيموثي كالداس»، وهو زميل غير مقيم في معهد سياسة الشرق الأوسط إن «الولايات تتطلع لعزل نفسها، فهي قد خفضت 28 مليار دولار من ميزانية المساعدات الخارجية، فهي تتحرك في اتجاه حيث المساعدات الخارجية ليست من أولويات الإدارة».

وتهرب المسؤولون في البيت الأبيض من هذه النقطة أثناء التعقيب على زيارة «السيسي» بالقول: «تقييم عملية الميزانية لا يزال جاريا».

إن علاقات «السيسي» الدافئة مع الرئيس «ترامب» قد ترى أيضا كفرصة للضغط من أجل الحصول على الأجهزة المتطورة، مثل ترقيةالطائرات المقاتلة وهو الطلب الذي رفض من إدارة «أوباما» مرارا وتكرارا. ولكن مرة أخرى من غير الواضح ما اذا كان «ترامب» سيدعم ذلك.

وتابع «كالداس»: «يبحث الجانبان عن بعضهم البعض وهناك مبالغة في تقدير مدى الفائدة المتوقعة حيث أن الفائدة من السيسي للولايات المتحدة محدودة جدا حيث انه قد اتضح ذلك في علاقاته مع السعودية ومع روسيا».

وقد توترت العلاقات بين القاهرة والرياض بسبب عدم رغبة القاهرة في ما يبدو للتصويت على قرارات مجلس الأمن الدولي ضد الرئيس السوري «بشار الأسد»، وتحسنت علاقات القاهرة مع موسكو. وقال مسؤولون أمريكيون ومصريون لرويترز في مارس/ أذار إن وحدات من القوات الخاصة الروسية وطائرتين قد تم نشرها في القواعد الجوية المصرية على الحدود مع ليبيا. يجري على ما يبدو عمليات دعم لـ«خليفة حفتر» العدو اللدود لحكومة الوحدة المختارة أمريكيا في طرابلس في ليبيا.

يقول «كالداس»: «يركز السيسي على القضايا الداخلية. وهو سيكون سعيدا لوجود العديد من الحلفاء سواء تعارضوا مع بعضهم البعض أم لا يتعارضوا». وأضاف: «لكنه لن يقوم بأي تضحية خطيرة لأي منهم، وهذا هو الأمر المرجح للغاية».

وبالعودة مرة أخرى إلى الإسماعيلية، فإن عائلة «ماجدة» تعيش في طبقات متعددة من البؤس في مصر والرعب موجود كل أسرة، وهي تقول أن ابنها على قائمة المستهدفين من تنظيم الدولة.

«ليس لدينا شيء، لا مال، و لا مستقبل لدينا. لقد أرسلت فاكسا إلى مكتب الرئاسة للحصول على مساعدة ». وقالت: «إذا لم نتمكن من العثور على أي مكان للعيش علينا أن نعود إلى العريش وهناك سنتعرض لخطر الموت».

  كلمات مفتاحية

السيسي ترامب مصر ولاية سيناء الاقتصاد المصري