«إيكونوميست»: «دونالد ترامب» يضرب «سوريا الأسد».. ما الذي يعنيه ذلك؟

السبت 8 أبريل 2017 03:04 ص

لا شك في أنّ «دونالد ترامب» كان حريصًا على تأكيد حسمه للأمور، على النقيض من التردّد الذي كان سمة سلفه. وكانت هناك تلميحات في وقتٍ سابقٍ من الأسبوع أنّ الرئيس يفكر في القيام بشيءٍ ما. وبعد الهجوم الذي شنته القوات الجوية السورية باستخدام غاز الأعصاب، والذي تسبّب في قتل أكثر من 85 شخصًا في مدينة خان شيخون التي يسيطر عليها المعارضون في 4 أبريل/نيسان، قال الرئيس أنّ «بشار الأسد»، الديكتاتور السوري، قد تجاوز «العديد من الخطوط الحمراء». وفي الساعات الأولى من يوم الجمعة 7 أبريل/نيسان، جاء أوّل ردٍ عملي من «ترامب».

وقد أطلقت السفن الأمريكية 59 صاروخا من نوع كروز على مطار الشعيرات، التي يُعتقد أنّ الطائرات التي حملت القنابل الكيميائية التي ضرب خان شيخون قد انطلقت منه. وكانت الضربة محدودة وموجهة. وعلى الرغم من ذلك، فقد أزالت فكرة أنّ استخدام أي نوع من القوة ردًا على السلوك البربري لـ«نظام الأسد» لم يعد ممكنا بسبب مخاوف المواجهة مع حليفه الروسي، والذي يعمل في سوريا منذ سبتمبر/أيلول عام 2015، وتمّ إبلاغ الروس بالضربة مسبقًا، لكن لم يتم استشارتهم على ما يبدو. وليس من الواضح ما إذا كان الروس قد كانوا متواجدين فى القاعدة. لكنّ التحذير، الذي لا شك في أنّه قد نُقِلَ إلى السوريين، يبدو أنّه قد أعطاهم الوقت الكافي لإخلاء بعض طائراتهم على الأقل. علاوة على ذلك، من الناحية العسكرية، لن تحدث العملية فرقًا يذكر في قدرات «نظام الأسد».

وسيحظى السيد «ترامب» بالثناء بسبب رغبته في تقديم أكثر من مجرد بيان حول انتهاك النظام السوري للمعايير الدولية والتزاماتها، وهو الذي يحدث منذ توقيعه عام 2013 على اتفاقية مكافحة استخدام الأسلحة الكيميائية. وفي الماضي، بدا السيد «ترامب» غير مبالٍ بفكرة التدخل الإنساني. ولكن في مواجهة مثل هذا العمل الاستفزازي الذي ارتكب خلال فترته الرئاسية، فإنه سأل جنرالاته عن الرد المناسب، وقد أشاروا عليه. ويستحق فريق الأمن القومي المحترف الذي أصبح الآن مكونًا من وزير دفاعه، «جيمس ماتيس»، ومستشاره لشؤون الأمن القومي، «هربرت رايموند ماكماستر»، الثناء على ذلك، لكنّ القرار النهائي كان بالطبع للرئيس.

ويأسف العديد من مسؤولي حقبة «أوباما» لأنّ إدارتهم لم تقدم شيئًا مماثلًا. ولا يزال «أوباما» يؤكد أنه فخور بالاتفاق الذي تم التوصل إليه مع روسيا عام 2013، في أعقاب هجومٍ أكثر خطورة، لتجريد «الأسد» من أسلحته الكيميائية مقابل منع الضربات الجوية التي كان «أوباما» قد هدد بها من قبل. ومن الواضح الآن أنه حتى على الرغم من الجهود الكبيرة التي بذلها مفتشو الأسلحة، فقد أخفى «الأسد» بعض ترسانته الكيميائية الضخمة بقصد استخدامها مرة أخرى في حين اعتقد أنّه يمكنه الإفلات هذه المرة.

والسؤال الآن هو ماذا سيحدث بعد ذلك. ومن المقرر أن يلتقي «ريكس تيلرسون»، وزير «ترامب» الذي لم يكن في الصورة تقريبًا، بالرئيس الروسي «فلاديمير بوتين» في موسكو الأسبوع القادم. واتهم السيد «تيلرسون» روسيا إما بأنّها «"متواطئة» في الهجوم أو «غير كفؤة» بسبب عدم قدرتها على كبح جماح حليفها. وقبل أيامٍ قليلة فقط، كان مسؤولو «ترامب» يشيرون إلى أنّه لم يعد هدفًا للإدارة إزالة «الأسد» من السلطة كشرطٍ مسبق للوصول إلى إلى اتفاقٍ حول إنهاء الحرب في سوريا، وهي الحرب التي أودت، على الأرجح، بحياة نصف مليون شخص. فهل غير «ترامب» رأيه؟ أو هل هي مجرد صفعة للأسد وتحذير للروس من أنّه لن يسمح للأسد أن يفعل الأمور دون عقاب؟ وهل تواصل أمريكا تجنب مسار مفاوضات السلام؟ من المؤسف أنّ «تيلرسون» قد صرّح بعد الهجوم بأنّ السياسة تجاه سوريا لم تتغير.

وتوجد شكوك أخرى أيضًا. فماذا لو تخلى «الأسد» عن الأسلحة الكيميائية لكنّه واصل إسقاط البراميل المتفجرة على المدنيين، فهل سيرغب «ترامب» في إيقافه؟ أم أنّ ذلك سيكون مسموحًا به كما كان قبل أيامٍ قليلة فقط؟ إذا كانت الأولى، فما هي مخاطر التصعيد التي يمكن أن تؤدي إلى مواجهةٍ أكبر بكثير مع روسيا وحليف «الأسد» الآخر، إيران، خاصةً إذا انزلق التصعيد العسكري إلى جعل تغيير النظام كهدفٍ له؟ حتى الآن، ليس هناك ما يدل على أنّ الهجوم بصواريخ كروز سيتكرر مرة أخرى، لكنّ هذا بالطبع من الممكن أن يتغير.

على أي حال، كانت آفاق التعاون مع موسكو في حملتها على (الدولة الإسلامية) في سوريا ضئيلة بالفعل، وربما أصبحت الآن محكوم عليها بالموت. هل سيصعب ذلك الموقف على أميركا وحلفائها إكمال مهمة طرد تنظيم الدولة من عاصمته الرقة وأماكن أخرى في سوريا؟ وهل هناك الآن خطر أكبر من أن تتحول الميليشيات الشيعية المدعومة من إيران في العراق، والتي تقاتل إلى حدٍ ما إلى جانب الأمريكيين في معركة استعادة الموصل، لتصبح ضدهم في وقتٍ ما؟

سيكون من المثير للاهتمام أيضًا أن نرى ما يعنيه هذا بالنسبة للعلاقة الأوسع مع روسيا، والتي كان «ترامب» حريصًا على تطويرها. ولن يتجاوز الرد الروسي على الضربة الصاروخية القول. وكان رد الفعل الأولي من الكرملين هو وصف العمل الأمريكي بأنّه انتهاك للقانون الدولي، لكن قد يقرر «بوتين»، البراغماتي، أنّه لا شيء يحتاج إلى مزيدٍ من العمل. وفي إطار تحذير روسيا من الهجوم، قد تكون بعض النقاط قد خضعت بالفعل للاتفاق، وخاصةً إذا أشار «بوتين» إلى استعداده لمزيد من كبح جماح «الأسد» في المستقبل. وعلى الرغم من نبرة «تيلرسون» القاسية في وصف دور روسيا، كان «ترامب» أكثر اعتدالًا، ووصف الهجوم الكيميائي بأنّه «يومٌ حزينٌ جدًا بالنسبة لروسيا».

وفي الداخل، سيجني «ترامب» على الأقل بعض الفوائد قصيرة الأجل. فالطريقة السريعة التي نفّذ بها العمل تخلق فرضية مضادة حول صورة التشوش والارتباك التي تظهر عليها إدارته عادةً، وخاصة في التوتّر الأخير حول الرعاية الصحية. وقد تستغرق حقيقة استعداد الرئيس لخطر المواجهة مع روسيا بعض الوقت والقليل من التكهنات في ظلّ الحديث عن علاقته بالكرملين وتدخّل روسيا لدعمه في الانتخابات. وقد يبدأ بعض الصقور الجمهوريين، مثل السيناتور «جون ماكين»، الذي كان ينتقد الدّور السلبي لأمريكا في سوريا، وكذلك تقارب «ترامب» مع «بوتين»، في رؤيته الآن بصورةٍ جديدة وأكثر احترامًا. وكذلك عند بعض الديمقراطيين.

أيًا كان ما حدث، فقد أظهر السيد «ترامب» قدرته على المفاجأة.

المصدر | إيكونوميست

  كلمات مفتاحية

ترامب سوريا روسيا بشار الأسد خان شيخون