الإمارات .. «إسبرطة» الصغيرة في الخليج

الأحد 9 أبريل 2017 08:04 ص

وراء صفوفٍ من أكواخ الصفيح وأشجار السنط غير المهذبة، ومجموعة من الفلل والمساجد وكنيس، تُستَحضر عظمة ميناء كان في وقتٍ سابقٍ رمزًا للجهة الجنوبية للإمبراطورية العثمانية. وقال «ريتشارد بيرتون»، وهو رحّالة بريطاني، عام 1855: «إنّ بربرة هو المفتاح الحقيقي للبحر الأحمر، ومركز حركة المرور في شرق أفريقيا، والمكان الآمن الوحيد للشحن على الساحل الغربي لإريتريا».

بعد البريطانيين، جاء الروس، وفي ثمانينات القرن الماضي أرادت وكالة الفضاء الأمريكية ناسا إنشاء مدرجها وهو واحد من أطول المدرجات في أفريقيا، كمحطة طوارئ لمكوكها الفضائي. والآن، جاء دور الإمارات العربية المتحدة كأحدث المهتمين بمنطقة بربرة.

وفي 1 مارس/آذار، بدأت شركة موانئ دبي العالمية، وهي مشغل موانئ يقع مقرها في دبي، العمل من فندق بربرة على شاطئ البحر. ولم يضع المسؤولون سوى القليل من الأعلام الإماراتية على مكاتبهم، ورتبوا خططهم لتشغيل ميناء يخدم جمهورية صوماليلاند (شمال الصومال) الانفصالية كبوابة لإثيوبيا ذات الـ 100 مليون شخص، وهي من أسرع الاقتصادات نموًا في أفريقيا.

وبعد ثلاثة أسابيع، كشفت الإمارات النقاب عن صفقة أخرى لاستئجار قاعدتين جوية وبحرية جنبًا إلى جنب بعقدٍ يمتد إلى 25 عامًا. وتسبب الاتفاق في سرور وزير من صوماليلاند فى مقهى الفندق، والذي اعتبر الصفقة أول اعترافٍ اقتصادي بالجمهورية الصغيرة. وسوف تمتلئ خزائن الحكومة بعائد الصفقة، وسيدعم ذلك جيشها الوليد. وجلس رجال الأعمال على مائدته لمناقشة محطات للطاقة الشمسية، وأسعار الأراضي المتزايدة وخطط لبناء فندق كمبنسكي.

وتعد بربرة أحدث سلسلة من الموانئ التي تستحوذ عليها دولة الإمارات بمحاذاة أكثر طرق الشحن ازدحامًا في العالم. ومن ميناء جبل علي في دبي، أكبر ميناء في الشرق الأوسط، يمتد نطاقه على طول الحافة الجنوبية من الجزيرة العربية، حتى القرن الأفريقي وإلى إريتريا (حيث يشارك جنود الإمارات وسربها من قاذفات ميراج في الحرب في اليمن)، واستمرارًا إلى ليماسول وبنغازي في البحر الأبيض المتوسط. ومع المخاوف من وصول إيران أو الجهاديين السنة أولًا إلى هناك، تسعى السعودية ومصر للتقدم ناحية المنطقة.

وقالت «ابتسام الكتبي» التي ترأس مركزًا للتفكير في أبوظبي: «إذا انتظرنا منع هذه التهديدات على حدودنا فقد يتم تجاوزنا». كما تشعر دولة الإمارات بالقلق من أنّ منافسيها قد يقومون بجذب التجارة بعيدًا عن جبل علي. ويشكل التوسع السريع لموانئ تشابهار في إيران والدقم في عمان ومدينة الملك عبد الله الاقتصادية في السعودية تحديًا.

لكن مع تسارع التوسع، يتساءل المراقبون عما إذا كانت الإمارات عازمة على «السعي لتحقيق النفوذ الإقليمي»، كما تقول السيدة «الكتبي»، من أجل مصالحها الخاصة. ويعزو معظم المحللين هذا السعي إلى ولي عهد أبوظبي، «محمد بن زايد»، البالغ من العمر 56 عامًا. وهو نائب قائد القوات المسلحة الإماراتية، والشقيق الأصغر لأمير أبوظبي، والذي هو أيضًا رئيس دولة الإمارات.

وخلال حقبة الأمير، تحولت الإمارات من تركيزها على أعمالها الخاصة لتصبح الأكثر تدخلًا في العالم العربي. ومع تدفقات البترودولار، تحولت الدولة الصغيرة التي يبلغ عدد سكان إماراتها السبعة نحو 10 ملايين (منهم حوالي 1 مليون نسمة فقط مواطنين أصليين) لتصبح ثالث أكبر مستورد للأسلحة في العالم. وقد جندت المئات من المرتزقة، بل وتحدثت حتى عن استعمار المريخ.

إعصار «محمد بن زايد»

في عام 2014، فرض «بن زايد» التجنيد العسكري على مواطنيه المدللين، وأرسل العشرات إلى حتفهم في الحملة التي تقودها السعودية ضد المتمردين الحوثيين في اليمن. وقبل أن يصبح الجنرال «جيمس ماتيس» وزيرا للدفاع في الولايات المتحدة، أطلق على الإمارات اسم «إسبرطة الصغيرة». وبضم نقاط جديدة إلى الموانئ التي تسيطر عليها، يرى البعض حتّى أنّ سلطنة عمان القديمة وزنجبار، والتي نشأت منها الإمارات، تنشأ من جديد.

وقد ربحت الإمارات قواعد بربرة وعصب في إريتريا بالاتفاق، ولكن في مكان آخر، قد تستخدم القوة. وفي يوليو/تموز عام 2015، تحدت الجميع، بما في ذلك السعودية، من خلال الاستيلاء على عدن، الذي كان في السابق أكثر الموانئ ازدحامًا في الإمبراطورية البريطانية. ويقول دبلوماسي غربي، مندهشًا من قدرات القوات الخاصة للإمارات، والتي استولت على عدن من الحوثيين: «هم الوحيدون الذين لديهم قدرة استطلاعية في المنطقة».

وبمساعدة القوات الأمريكية، استولى الجنود الإماراتيون على ميناءي المكلا والشحر، على بعد 500 كيلومتر (300 ميل) ناحية الشرق، وعلى جزيرتين يمنيتين في مضيق باب المندب، حيث تمر 4 ملايين برميل من النفط يوميًا. وقد رد ولي العهد على الاهتمام القطري بجزيرة سقطرى الاستراتيجية اليمنية من خلال إرسال المساعدات (بعد إعصار ضربها)، ثم شركات البناء التي يمكنه أن ينشئ من خلالها نسخةً إماراتية من دييغو غارسيا، الجزيرة المرجانية في المحيط الهندي، والتي يوجد قاعدة عسكرية أمريكية كبيرة. وبينما تكافح السعودية لتحقيق مكاسب في اليمن، سارت القوات التي تقودها الإمارات في وقت سابق من هذا العام إلى ميناء المخا وتضع أنظارها على الحديدة، أكبر ميناء في اليمن وآخر الموانئ خارج السيطرة الإماراتية.

وكذلك دعم الأمير الانفصاليين في الصومال، الأمر الذي ساعد على صمود كلٍ من بونتلاند، بتمويل قوات الشرطة البحرية التابعة لها، وصوماليلاند. وفي ليبيا، أرسل الدعم العسكري إلى الجيش الوطني الليبي بقيادة الجنرال «خليفة حفتر»، ويعتبر الجيش قوة ذاتية الحكم في شرق البلاد. ولإغضاب تركيا، فتحت دولة الإمارات سفارة في قبرص العام الماضي، وتشارك في مناورات عسكرية مع اليونان و(إسرائيل).

لكنّ المتشككين قلقون من مخاطر التوسع وإمكانية الاشتباك مع القوى الأكبر التي يزدحم بها البحر الأحمر. فعلى شواطئها الغربية، تملك (إسرائيل) وفرنسا والولايات المتحدة، بالفعل، قواعد كبيرة. وتقوم الصين ببناء ميناء في جيبوتي. ويتطلع الجنرالات الإيرانيون إلى إنشاء قواعدٍ بحريةٍ خاصة بهم على ساحل اليمن الذي يسيطر عليه المتمردون. وعلى الرغم من أنها عضو رسمي في التحالف الذي يحارب في اليمن، يتطلع بعض الأمراء السعوديين إلى شركائهم الصغار الطموحين. وفي فبراير/شباط، قاتلت القوات السعودية والإماراتية بعضها البعض للسيطرة على مطار عدن. كما استضاف الأمراء السعوديون رئيس الصومال الذي ينتقد قاعدة بربرة الخاصة بالإمارات واصفًا إياها بـ «غير الدستورية». ويتساءل البعض عما إذا كان والد الأمير ومؤسس دولة الإمارات الشيخ «زايد آل نهيان»، قد خطط لكل ذلك. وكان دائمًا ما يشير على أشقائه العرب حين يذهبون إلى الحرب: «كن مطيعًا لله، واستخدم ذكاءك بدلًا من اللجوء إلى السلاح».

  كلمات مفتاحية

الإمارات إريتريا البحر الأحمر باب المندب