«الغارديان»: لماذا قرر النظام السوري استخدام الأسلحة الكيميائية في إدلب؟ وما دلالات رد الفعل الأمريكي؟

الأحد 9 أبريل 2017 09:04 ص

لم يتضح بعد ما إذا كان رد الفعل الأمريكى على الهجمات الكيماوية سيستمر إلى أبعد مما حدث، ولكن هناك قوى أخرى داخل المنطقة وخارجها قد تضطر الآن إلى مراجعة استراتيجياتها طويلة الأجل.

سيتحول قرار الولايات المتحدة الأخير بمعاقبة «بشار الأسد» على استخدام الأسلحة الكيميائية ضد المدنيين سيتحول دون شك إلى عامل محفز نحو فصل جديد في الصراع السوري.

وعلى الرغم من أن المسؤولين الأمريكيين أكدوا مرارا أن الضربات الصاروخية على مطار الشعيرات كانت تدبيرا عقابيا لمرة واحدة، فإن هذه الخطوة غير المسبوقة تأتي وسط مجموعة من نقاط التحول في أجزاء مختلفة من سوريا وفي الطريقة التي تعمل بها الجهات الأجنبية الفاعلة هناك. وعلى خلفية هذه التغييرات ينبغي النظر إلى منطق النظام وراء استخدام الأسلحة الكيميائية.

قبل أسبوع واحد بالضبط من الهجوم الصاروخي، أعطى المسؤولون الأمريكيون «الأسد» شيئا يريده منذ فترة طويلة، وهو السياسة الجديدة المعلنة بأن إزالته لم تعد هدفا أمريكيا. جاء ذلك على شكل تصريحات رفيعة المستوى من «ريكس تيلرسون»، وزير الخارجية، و«نيكي هالي»، السفير الأمريكي لدى الأمم المتحدة، و«شون سبيسر»، السكرتير الصحفي للبيت الأبيض، مشيرين إلى أن وضع «الأسد» على المدى الطويل سيكون بيد الشعب السوري. وكانت الرسالة سببا للاحتفال في دمشق، خاصة مع تحول اتجاهات المعارضين الإقليميين.

على سبيل المثال، حولت تركيا اهتمامها بالكامل إلى حملة درع الفرات التي تقوم بها من أجل منع توسع وحدات حماية الشعب الكردية التي تعتبرها أنقرة منظمة إرهابية وكذلك ركزت على قتال الدولة الإسلامية. ومنذ بدء الحملة في آب/أغسطس، عملت أنقرة عن كثب مع روسيا لضمان حرية العمل، وكثيرا ما ذكر العديد من المسؤولين أن إزالة «الأسد» لم تعد هدفا تركيا. وقد ذهب «بينالي يلديريم»، رئيس الوزراء، إلى حد أن يشير إلى أن أنقرة تفضل لو سيطر النظام السوري على منبج، معقل تنظيم الدولة السابق الذي تسيطر عليه وحدات حماية الشعب.

كما خفضت دول الخليج مشاركتها في النزاع السوري إلى أدنى حد ممكن. كما أن قطر، التي تعتبر أكثر دول الخليج التزاما، هي أقل قدرة على زيادة دعمها أو حتى الحفاظ عليه، خاصة منذ التقارب التركي الروسي، حيث أن المساعدات تذهب عادة عبر تركيا. وما زالت السعودية، التي تواصل دعم الثوار من خلال مركز العمليات العسكرية الذي تديره الولايات المتحدة في الأردن، تعمل عبر مشاركة ضئيلة جدا في الدعم العسكري. وفي الوقت نفسه، يبدو أن الإمارات العربية المتحدة قد انسحبت تماما من أي دعم يقدم للثوار.

وقال قائد الجيش الأردني الجنرال «محمود فريحات» لوكالة الأنباء الكويتية ديسمبر/كانون الأول الماضي أن عمان ستفتح الحدود إذا سيطر النظام على الجانب السوري.

وفي الوقت نفسه، واصلت الولايات المتحدة التركيز على جهودها في مكافحة تنظيم الدولة والقاعدة. في الأسابيع الأخيرة، بدأ هذا التركيز على المتطرفين يقدم أرباحا مباشرة للأسد. في الشهر الماضي، على سبيل المثال، ساعدت الولايات المتحدة النظام وحلفاءه الروس والإيرانيين في حملتهم لطرد تنظيم الدولة من تدمر من خلال شن غارات جوية ضد المجموعة هناك. كما أن العملية الأمريكية المزمعة لطرد التنظيم من الرقة ستعتمد على قوات سوريا الديمقراطية التي تقودها وحدات حماية الشعب، والتي لا تشعر بالقلق من التعاون مع دمشق وموسكو، بدلا من الثوار المدعومين من تركيا والذين يسعون إلى إسقاط «الأسد».

مقامرة النظام

السؤال إذن هو لماذا سوف يقامر النظام بكل هذه المكاسب؟ إن ما يلقي ظلالا من الشك على مسؤولية النظام في الهجوم الكيميائي في خان شيخون، في محافظة إدلب الشمالية الغربية، يجادل بأن السلوك يبدو غير منطقي حيث أن هذا العمل يؤدي لخسارة النظام ولا يوجد إلا القليل سيكسبه من هذا العمل. ومن ناحية أخرى، ما الذي دفع الولايات المتحدة لتغيير موقفها من «الأسد» خلال أسبوع واحد بالضبط، تلا إعلان موقفها أن إزالته أو بقاءه ليست من أعمال الولايات المتحدة؟

أحد التفسيرات التي قدمها المحللون، مثل «فيصل عيتاني» من المجلس الأطلسي، حول دافع النظام هو أن استخدام الأسلحة الكيميائية في إدلب يأتي تمهيدا لجهود دمشق لاستعادة هذه المقاطعة التي يسيطر عليها الثوار. وتعتبر إدلب، المركز الإقليمي الوحيد الذي يسيطر عليه الثوار، ويعد السيطرة عليها أمرا حيويا في خطة النظام طويلة الأجل للسيطرة على كل أنحاء البلاد. إن استخدام الأسلحة الكيميائية سيزعزع السكان المحليين ويضعف عزم الثوار هناك.

وكما أوضح «عيتاني»، فإن استخدام الأسلحة الكيماوية هو في بعض الأحيان ضرورة تكتيكية للجيش السوري. لقد ابتعد النظام عن الهجمات الكيميائية عشرات المرات من قبل، وربما لم يكن يتوقع رد فعل أمريكي.

ولكن ماذا لو كانت استجابة الولايات المتحدة جزءا من عملية حسابية؟ وأعتقد أن هذا أمر ممكن، استنادا إلى المحادثات السابقة مع أنصار النظام.

إذا أكدت دمشق استخدام الغاز السام في إدلب، فمن المرجح أنها تتوقع سيناريوهين: إما أن تستجيب الولايات المتحدة بتدابير عقابية أو تقوم بتجاهل هذه الهجمات. يعرف النظام أن عواقب السيناريو الأول، وإن كانت حقيقية، فهي محدودة. ويعترف النظام، ومؤيدوه، وكذلك خصومه، بأن الولايات المتحدة ليس لديها مصلحة على الإطلاق في زعزعة استقراره، على الأقل في حين لا تزال تهديدات تنظيم القاعدة والقاعدة موجودة. وخلافا للرواية الشعبية، فإن الداعمين الإقليميين للمعارضة ليس لديهم مصلحة في سقوط النظام بشكل غير نظامي.

هنا، ربما، كان التفكير قبل الهجوم: إذا كانت الولايات المتحدة ستختار التقاعس، كالمعتاد، فمن الواضح أن النظام سيستفيد من هذا الوضع. وعلى الرغم من تغيير الخطاب في واشنطن قبل أسبوع، إلا أن الوضع في سوريا ما زال سائلا، ويعتقد النظام أن له نفوذ كبير في الوقت الذي تستعد فيه الولايات المتحدة للقتال في الرقة.

وتصر روسيا على أنها تعارض أي هجوم في الرقة لا يمر عبر دمشق وموسكو. وعلى عكس الهجمات التي قادتها الولايات المتحدة ضد تنظيم الدولة، وضع النظام قواته بالقرب من الخطوط الأمامية في الرقة، وكذلك بين الرقة والمناطق التي يسيطر عليها الثوار المدعومون من تركيا في ريف حلب الشرقي. لذلك، في هذا السيناريو، رأى النظام أن الوقت قد حان للعب مع الأميركيين وأن استخدام الأسلحة الكيميائية سيكون أداة للتحدي.

توسيع الهوة بين موسكو وواشنطن

وماذا لو كانت الولايات المتحدة سترد، كما فعلت؟ إن مثل هذا السيناريو يخدم بشكل غير مقصود غرضا أساسيا للنظام، وهو يمتد إلى قلب مخاوف محددة من دمشق وطهران. وتنشأ هذه المخاوف من الخطة المعلنة من قبل إدارة «ترامب»، لدق إسفين بين روسيا وإيران كوسيلة لردع النفوذ الإيراني في المنطقة.

إن تصعيد الولايات المتحدة ضد النظام سيوسع المسافة بين موسكو وواشنطن. وقال مسؤول سابق في النظام: «لا نستبعد احتمال ان تكون هذه رسالة من النظام إلى روسيا نفسها».

وأضاف: «إنهم قلقون من أن السياسة الروسية في سوريا لا تخدم مصالحهم ويريد النظام أن يظهر للروس أنه يمكن أن يفسد الأمر عليهم».

إن نهج روسيا في سوريا لا يتوافق مع نهج دمشق وطهران، حتى لو كانوا جميعا يعملون من أجل الهدف نفسه، وهو الحفاظ على النظام. إن سماح موسكو بانتشار بعض القوات المتمردة، العاملة مع تركيا والولايات المتحدة يتعارض مع النهج الذي تقوده إيران قبل التدخل الروسي في سبتمبر/أيلول 2015. وعلى الأقل فإن بعض الدوائر السورية والإيرانية ترى مخاطر كبيرة في التفاهم الأمريكي الروسي في سوريا وإمكانية فرض تسوية عليها في المستقبل. وبدلا من فصل روسيا عن إيران، فإن الرد الأمريكي يقربهما ويزيد المسافة بين روسيا والولايات المتحدة. وكانت روسيا قد أعلنت بالفعل أنها علقت اتفاقا مع الولايات المتحدة لتجنب وقوع حوادث جوية في سوريا.

قد يستغرب البعيدون عن تفكير النظام أن يضع النظام نفسه في خطر، ولكن أولئك الذين يعرفونه من الداخل يفهمون منطقه. ومن المستحيل التحقق مما إذا كان النظام ينظر في مثل هذا السيناريو، ولكن لا ينبغي أن يكون هناك شك في أن دمشق وطهران على وعي بخطة فريق «ترامب». وبصرف النظر عن تفكير النظام، فإن الضربات الصاروخية كان لها حتى الآن هذا الأثر.

إن الاختلاف مع روسياقد يصبح أكثر واقعية إذا زادت الولايات المتحدة فعلها في سوريا. وبالنسبة لإيران، فإن خطة واشنطن تؤثر عليها في ثلاثة بلدان، في سوريا والعراق واليمن، حيث زادت الولايات المتحدة بشكل كبير دعمها لدول الخليج في حملتها ضد الحوثيين المدعومين من إيران. وفي العراق وسوريا،ستكون عملية تراجع هيمنة إيران أكثر عمقا وأطول أمدا.

وبعد الضربات الصاروخية يوم الخميس، وضعت الولايات المتحدة معيارا جديدا للرد على استخدام الهجمات الكيماوية. ومن المحتمل أن تحتوي روسيا والولايات المتحدة تداعيات ذلك وان تكون المشاركة بين البلدين أكثر عمقا، كما حدث بين تركيا وروسيا بعد أن اسقطت طائرة روسية فى نوفمبر/تشرين الثاني عام 2015.

لن تكون النتيجة استمرارا للديناميات الحالية في سوريا، ولكن بداية لفصل جديد. وسيكون الأمر متروكا لواشنطن وقدرتها على الحفاظ على النفوذ الذي ولدته بعد الضربات الصاروخية في تشكيل النتيجة.

المصدر | الغارديان

  كلمات مفتاحية

ترامب النظام السوري روسيا الدولة الإسلامية