استطلاع رأي

أي من هذه الدول تمارس الدور الأكثر إيجابية في حرب غزة؟

السعودية

مصر

قطر

إيران

تركيا

أهم الموضوعات

طبقات اليمين الإسرائيلي وبصيرة دا سيلفا

عن أوهام التفاؤل الأميركي

أزمة اقتصاد مصر وانتظار الفرج من الخارج

نحو وقف الحرب على غزة

سيناريو اليوم التالي للحرب

الإمبراطورية الأمريكية وحدود القوة

الاثنين 10 أبريل 2017 03:04 ص

فتح الهجوم الأمريكي على مطار الشعيرات في سورية الباب أمام نقاش حول تغيير السلوك الأمريكي في سورية والمنطقة، وقيادة الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، نهجا جديدا أكثر حزما وإقداما من نهج سلفه باراك أوباما. انقسم الموالون للإمبراطورية الأمريكية وعشاق تدخلاتها في منطقتنا العربية، إثر هجوم الشعيرات، بين مؤيدين له، يحتفلون بجرأة الرئيس ترامب، وبداية عهد جديد في السلوك الأمريكي تجاه المنطقة، ومؤيدين للهجوم، يتحفظون في احتفالهم، ويرى بعض "حكمائهم" أن الضربة العسكرية لا تكفي للدلالة على تغيير حقيقي، خصوصا إذا لم تتبعها ضربات أخرى. 

يتفق الطرفان على توقهما لسياسات أمريكية هجومية، واشتياقهما لعهد الرئيس جورج بوش الابن، والمحافظين الجدد، كما يتفقان على تقييم سلبي لإدارة الرئيس أوباما، ويتهمونها بالتخاذل، وحتى التواطؤ، مع إيران وحلفائها في المنطقة، ويعتبرون أن سياسات أوباما أضرت بجبهتهم، وبهيبة أمريكا بوصفها "قائدة العالم الحر".

لم يكن أوباما متخاذلا، لكنه اعتمد سياسة الاحتواء لخصوم أمريكا، والتدخلات المحسوبة لتقليل الكلف المادية والبشرية، وهذه السياسة هي نتيجة مباشرة لإخفاق مغامرات بوش وغزواته، إذ اكتشفت الإمبراطورية الأمريكية مع إخفاقات بوش حدود القوة، وبات ضروريا التراجع جزئيا، وإعادة تفعيل أدوات مختلفة للحفاظ على الهيمنة.

أحجم أوباما عن التدخل العسكري المباشر في مواجهة النظام السوري، لكنه لم يغب عن جهود تمويل المعارضة السورية وتسليحها، بالشراكة مع حلفاء أمريكا في المنطقة، كما أن طائراته قدمت العمل الأبرز في توفير غطاء جوي لمقاتلي المعارضة الليبية، ضد نظام القذافي، وهذه الطائرات توجهت إلى قصف تنظيم داعش في العراق وسورية، ومعها قوات خاصة بمهام محددة، حين شعر أوباما بخطر التنظيم، وأراد تطويقه واحتواءه. الضغوط الدبلوماسية، وسلاح الجو، والاعتماد على مجموعات محلية، يتم تمويلها وتدريبها لخوض الحروب بالوكالة، هي وصفة أوباما لتقليل كلفة التدخلات، وقد أنتجت حروبا أهلية، واستنزافا أقل لأمريكا، في مقابل استنزاف قوى أخرى إقليمية ودولية.

لكن هذه السياسات لم تقنع المعتمدين على أمريكا عندنا، وهم يأملون بتدخلات أمريكية مباشرة، وقد أحيا ترامب آمالهم بضربه مطار الشعيرات. تتعدد التحليلات للضربة الأمريكية. لكن، من الممكن وضعها في سياق الضغط الذي تمارسه المؤسسة والإعلام الأمريكي على ترامب، كي لا يتسبب في مزيد من التراجع الأمريكي لصالح الروس، وظهر هذا في اتهام مسؤولين في إدارة ترامب بالتواصل مع روسيا، واتهامه هو بأنه أداة طيعة بيد الرئيس الروسي بوتين، واستغل الإعلام الأمريكي، والغربي عموما، حادثة خان شيخون، في محاولة استفزاز نرجسية ترامب وصلفه. 

تبدو الضربة هنا محاولة لامتصاص الضغوط، وقد أثمرت احتفالا لأول مرة بترامب في الإعلام الأمريكي، من محافظيه وليبرالييه على السواء، الراغبين جميعا في الحفاظ على النهج الإمبريالي للامبراطورية، كما كانت مناسبة ليثبت ترامب جرأته مقابل أوباما.

يمكن وضع الضربة ودوافعها أيضا في سياق مستمر، يتعلق بتثبيت الوجود الأمريكي في شرق سورية، ووقف اندفاعة النظام هناك، خصوصا بعد الإنزال الأمريكي في مطار الطبقة. طبعا هذا العمل الأمريكي في الشرق مستمر منذ عهد أوباما، وكذلك العمل ضد القاعدة في اليمن، وتنظيم داعش في العراق وسورية، وربما تكون هذه الضربة بدوافع متعددة، منها ما يتعلق بالخطة الأمريكية في شرق سورية، وما يتصل بالتنافضات الأمريكية الداخلية، بين الرئيس والمؤسسة، إضافة إلى اندفاعة ما عند الفريق العسكري للرئيس ترامب نحو استعراض القوة.

قد تؤثر شخصية ترامب الحادة، وتقلباته، على السياسة الخارجية الأمريكية، مثل تأثير حسابات المصالح الأمريكية، وهو أمر ليس جديدا في السياسة الأمريكية، إذ لم تكن تدار دائما بشكل عقلاني، لكن ترامب لم يذهب بالمغامرة إلى حدودها القصوى بعد. وعلى الرغم من أنه تصرف منفردا من دون الرجوع إلى مجلس الأمن، لكن هذا التصرف لم يكن مثل غزو العراق عام 2003، وإنما ضربة محددة. 

كذلك، لم يظهر ترامب انقلابا كاملا على شعاراته الانكفائية، لكن نزاعه مع المؤسسة يقلل من قدرته على تطبيقها، ما يجعل الأمور حتى الآن تراوح تقريبا في مستوى تدخلية أوباما. يخضع السلوك الأمريكي لتوازنات القوى القائمة في العالم، ولحسابات الأرباح والخسائر، وأي مغامرة من ترامب ستعيد اكتشاف حدود القوة الأمريكية مجددا، ليكتشف عرب الإمبراطورية الأمريكية أنها ليست قادرة على فعل كل شيء ببساطة، وأن القضية ليست في أنها لا تريد التدخل هنا أو هناك، بل إنها لا تقدر.

نعايش مخاضا لتشكل نظام إقليمي جديد، ونظام دولي جديد أيضا، وهذا يعني أن الأحادية القطبية في طريقها إلى النهاية، وحرية التصرف الأمريكية في العالم تتراجع، لكن أمريكا تبقى اللاعب الدولي الأقوى بين مجموعة اللاعبين الكبار، وفي رد الفعلين، الصيني والروسي، على الهجوم الأمريكي، ما يشير إلى حجم المبالغات في تعظيم قوة الطرفين مقابل أمريكا. 

يبقى القول إن هذا التعلق بعودة نهج بوش التدخلي يشي بعجز وفشل كبيرين، ولا داعي للقول إن الاعتقاد بقدرة هذا النهج على إيجاد حلول ينطوي على سذاجة كبيرة، بالنظر إلى حجم الكوارث التي تسبب بها على كل صعيد.

* بدر الإبراهيم - كاتب سعودي صدر له كتابان: «حديث الممانعة والحرية»؛ «الحراك الشيعي في السعودية»

المصدر | العربي الجديد

  كلمات مفتاحية

أمريكا إدارة ترامب المعارضة السورية الحروب الأهلية