اليمين يفرض أجندته على الانتخابات الفرنسية والمسلمون يخشون مزيدا من التمييز

الأحد 16 أبريل 2017 11:04 ص

تتصدر مكافحة الإرهاب والتطرف برامج مرشحي انتخابات الرئاسة الفرنسية المقررة في 23 أبريل/ نيسان الجاري، حيث طرح المرشحون خططا تتعلق بالتعامل مع الإسلام فى فرنسا، والعلمانية، والحرب على الإرهاب، وغلق باب الهجرة إلى فرنسا، وسط ترقب وقلق المسلمين من وصول رئيس يميني لقصر الإليزيه وما يتبعه من تجدد الجدل حول الإسلام في البلاد، وتزايد أعمال الإسلاموفوبيا التي ذاق منها المسلمون والمهاجرون الكثير في الفترة الأخيرة.

وتغلب القضايا الأمنية خاصة الإرهاب على حملات المرشحين ويتسابق المرشحون في من يتكلم أكثر عن الإسلام، وتكون له الحزم في ما يتعلق بالأمور الأمنية، خاصة مرشحي اليمين الذين يتكلمون بصرامة عن الإرهاب ومكافحة التطرف والتأكيد على علمانية فرنسا.

وتقيم في فرنسا أكبر جالية مسلمة في أوروبا، وتقدر بنحو خمسة ملايين مسلم، واقترع غالبيتهم في الانتخابات الرئاسية الماضية لمرشح الحزب الاشتراكي، الرئيس الفرنسي فرانسوا أولاند، حيث صوت 86% من المسلمين فى الانتخابات الرئاسية السابقة لصالحه فى الدورة الثانية من الاقتراع (ضمن 51.6% حصل عليها بشكل عام).

ويقر «أنور كبيبش»، رئيس المجلس الفرنسي للديانة الإسلامية، ورئيس تجمع مسلمي فرنسا، بأن قضية الإسلام والمسلمين من بين الأولويات التي يعالجها المرشحون في برامجهم، منهم مارين لوبان»، زعيمة الجبهة الوطنية، (يمين متطرف)، التي تتبنى موقفًا واضحًا معاديًا للمهاجرين والمسلمين.

وفيما يلي أبرز مرشحي الرئاسة وموقفهم من المسلمين:

لوبان

وترفض لوبان بناء المساجد، وهي معروفة بعدائها التاريخي للمسلمين، وترى أنه لا يجب أن يكون هناك بروزٌ لرموز دينية أخرى غير المسيحية في تصور كان يطال اليهود والمسلمين وأرساه مؤسس حزب الجبهة الوطنية جان ماري لوبان، لكن مارين لوبان تميّزت عن والدها اليوم باستثناء الرموز اليهودية والتركيز على قضية الإسلام على خلفية أزمة الهجرة والتطرف.

وصرحت في أكثر من مناسبة بأن الخطر الأول الذي يهدد هوية فرنسا هو الإسلام والمسلمين، ولم تتردد في الخلط المتعمد بين الإرهاب والإسلام، أو ما تسميه هي الفاشية الإسلامية.

وتعهدت «لوبان» بأكبر زيادة في عدد رجال الشرطة والدرك (15 ألفا)، كما تعهدت بحل كل الجمعيات التي لديها ارتباطات بالتطرف وإغلاق المساجد التي تصفها بالمتطرفة، ومنع التمويل الحكومي والأجنبي لدور العبادة.

وتنفرد «لوبان» بإعلانها الصريح نيتها توقيف الهجرة، وقالت في آخر مناظرة رئاسية (أريد، وأنا هنا أتحمل تماما مسؤولية كلامي، أن أوقف الهجرة الشرعية وغير الشرعية. منذ 10 سنوات، يدخل إلى فرنسا 200 ألف مهاجر سنويا، دون احتساب غير الشرعيين».

وقالت لوبان، إن استراتيجيتها لمحاربة التطرف تتمثل فى حل اتحاد المنظمات الإسلامية فى فرنسا، وتضمين قانون العمل بندا يلزم باحترام قواعد الحياد الديني والعلمانية، كما تطالب بإلقاء الخطب فى المساجد باللغة الفرنسية وإغلاق المساجد التابعة للتيار السلفى.

فيون

أما بالنسبة للمرشحين الآخرين، فتختلف مواقفهم نسبيًا مثلًا فرانسوا فيون، مرشح الحزب الجمهوري (يميني) الذي يطالب بوضع الديانة الإسلامية تحت رقابة إدارية صارمة ومتشددة وأصدر كتابًا حمل عنوان محاربة الديكتاتورية الإسلامية، لا يتكلم فيه عن الإسلاميين والإرهابيين، بل عن الإسلام بطريقة مباشرة، حيث يتضمن أفكارًا تحارب وجود المسلمين والهيئات المنظمة لهم في فرنسا، لكن عصفت به وبحملته الانتخابية فضائح فساد مالي ألغت تقريبا كل حظوظ له في الفوز بالرئاسيات.

ويقترح فيون إعادة تأهيل أجهزة الأمن والاستخبارات. وتعهد بتوظيف 5 آلاف شرطي جديد، وتشديد مراقبة الحدود، وتقوية التعاون الأوروبي في مجال مكافحة الإرهاب.

 علاوة على ذلك، يؤكد فيون أنه سيعمل على مضاعفة عقوبات السجن الخاصة بجرائم المس بالأمن القومي، كما سيمنح الولاة صلاحية إغلاق أماكن العبادة التي تسبب خطرا على النظام العام.

هامون

ويطرح «بنوا هامون»، مرشح الحزب الاشتراكي إلى الرئاسة، مقاربة تصالحية بين مختلف مكونات المجتمع الفرنسي، فهو لا يريد أن يفرض منع الحجاب لكنه يرى أن على الدولة التدخل إن لاحظت وجود مجموعات معينة تريد أن تفرض طقوسها الدينية على المواطنين، ويدعو إلى التمييز بين ما هو مفروض وحرية شخصية، ورحب مسلمو فرنسا بهذه المقاربة التي تترك لهم حرية الاختيار.

ويتعهد هامون أيضا بتعزيز أجهزة الأمن والمخابرات بتوظيف 9000 شرطي ودركي جديد، وإحداث منصب منسق وطني مكلف بالإرهاب مرتبط برئيس الوزراء، إضافة إلى العمل على تأسيس وكالة استخباراتية أوروبية.

ويتعهد مرشح الحزب الاشتراكي بمقاضاة من التحقوا بمواقع القتال في الخارج، وبمنع المشتبه بارتباطهم بالإرهاب من دخول التراب الفرنسي، وبتشديد العقوبات الجنائية. لكنه في المقابل يعلن أنه سيدعو البرلمان لمناقشة حالة الطوارئ، كما أنه يرفض نزع الجنسية عن ثنائي الجنسية المدانين بأعمال إرهابية.

ويفتخر «بنوا هامون» بدفاعه عن المهاجرين مصرحا بأنه يفتخر بأن يسميه منافسوه (بلال هامون) بسبب ميوله للعرب والمهاجرين.

ويرى مسلمو فرنسا ضالتهم في المرشح الاشتراكي هامون، لكن حظوظه في الفوز بالرئاسيات ضئيلة.

ماكرون

«إيمانويل ماكرون» المرشح إلى انتخابات الرئاسة، وزير الاقتصاد السابق وزعيم الحركة السياسية الجديدة (السير إلى الأمام)، لم يعبر عن مواقف واضحة تجاه الإسلام، لكنه كان من رافضي التعديل الدستوري الذي أراده أولاند ورئيس وزرائه مانويل فالس بإسقاط الجنسية عن مرتكبي الأعمال الإرهابية، قبل أن يتراجع عنه أولاند.

واعتبر «ماكرون» أنه لا جدوى من التعديل الدستوري، لأنه سيخلق نوعين من الفرنسيين، ويؤدي إلى تفرقة تحت سقف الجمهورية الضامنة لحقوق المواطن الفرنسي على اختلاف انتماءاته.

وقد أظهر موقفا وسطيا من المهاجرين، رغم تصريحاته القوية بشأن الاستعمار الفرنسي للجزائر، والتي أثارت ضجة كبيرة خاصة في الأوساط اليمينية التقليدية الفرنسية.

ويؤكد «ماكرون»، الذي فضل الترشح مستقلا وعدم خوض سباق الانتخابات الأولية للحزب الاشتراكي، أنه سيوظف 10 آلاف شرطي ودركي جديد، كما يتوعد بمعاقبة الملتحقين بجماعية إرهابية.

لكنه في المقابل، يتعهد بمحاربة جذور الإرهاب الاجتماعية ورفع حالة الاستثناء عندما تسمح بذلك الأوضاع (يراها ضرورية في الوقت الراهن).

خارجيا، يخطط ماكرون للاستمرار في محاربة الإرهاب في سوريا والعراق من داخل التحالف الدولي، والعمل على إيجاد حل سياسي للأزمة في سوريا.

ميلونشون

ويدافع «جان لوك ميلونشون»، مرشح اليسار الراديكالي، عن الجالية المسلمة المضطهدة سياسيًا واجتماعيًا في فرنسا، ويتحدث عن ذلك من منطلق شيوعي ملحد. فحزب اليسار الراديكالي تأسس على أنقاض الحزب الشيوعي، الذي لا يعترف بالديانة.

وعلى غرار باقي المرشحين، يتعهد «ميلونشون» برفع عدد أفراد رجال الأمن، مؤكدا أنه سيعود بأعداد رجال الشرطة والدرك إلى المستويات التي كانت عليها سنة 2007 (250 ألف حينها مقابل حوالي 240 ألف حاليا).

لكن مرشح يسار اليسار يتعهد، في المقابل، بوضع حد لحالة الطوارئ وبإجراء تقييم لقوانين مكافحة الإرهاب وبمعالجة الأسباب المجتمعية للإرهاب عبر مزيد من العدالة الاجتماعية.

وعلى المستوى الدولي، يدعو ميلونشون إلى تحالف عالمي، تحت مظلة الأمم المتحدة، ويضم المقاتلين الأكراد، لمحاربة تنظيم الدولة الإسلامية في سوريا والعراق.

عزوف عن الحياة السياسية

ويتحدث المراقبون عن عزوف المسلمين والمهاجرين عن المشاركة في الحياة السياسية بشكل عام بسبب الوضع الاجتماعي والاقتصادي للجاليات المهاجرة الذي لا يوفر الإطار القادر على تشجيع المهاجرين من أصول عربية مسلمة على المشاركة بكثافة في الحياة السياسية.

ويعيش المهاجرون عامة في أحياء شعبية تتكدس فيها العائلات الفقيرة والمتوسطة الدخل، فيما يسمى "الغيتو" المغلق والمخصص لطبقة اجتماعية بعينها، مما يمنعهم من الاختلاط الحقيقي بالآخرين ويساهم بشكل كبير في تغييبهم عن المشهد السياسي الفرنسي.

كما أن سياسة التمييز الاجتماعي في السكن والتعليم وفرص العمل التي يعاني منها المهاجرون عامة والعرب والمسلمون بشكل خاص، تعمق هذا الإحساس بعدم الانتماء الذي يظهر في العزوف الكلي عن مجمل أشكال المشاركة سياسية كانت أو ثقافية أو اجتماعية.

المستجدات الدولية التي طرأت على العالم عمقت عزلة المهاجر العربي والمسلم خاصة ما سمي الحرب على الإرهاب" بعد هجمات 11 سبتمبر/أيلول 2001 التي ركّزت بشكل مريب على العرب والمسلمين دون غيرهم.

ويعتبر استهداف الجالية العربية المسلمة في الإعلام المحلي والدولي وخطاب التصعيد ضدها خاصة من جانب اليمين المتطرف من الأسباب التي عمّقت عزلتها وانطواءها.

أما أكثر العناصر التي عمّقت حالة الانزواء التي تعاني منها الجالية فهي الهجمات الدامية التي استهدفت فرنسا، خلال السنوات الماضية.

ثاني أكبر ديانة

ووفقًا للإحصائيات الأخيرة التى أعدتها وزارة الداخلية الفرنسية صعدت الديانة الإسلامية فى فرنسا إلى المركز الثانى كثانى أكبر ديانة فى الدولة منذ ستينيات القرن الماضى، حيث أشارت الإحصائية إلى أن 3600 فرنسى يعتنقون الإسلام سنوياً.

وأكدت الدراسة أن المسلمين الفرنسيين أكثر التزاماً من الناحية الدينية، وتندر الجريمة فى أوساطهم، فيما أكدت الإحصائية أن فرنسا بها 2300 مسجد و7 ملايين مسلم، ليصبح الإسلام الدين الثانى بعد المسيحية بفرنسا، وهناك توقعات بأن يمثل المسلمون ربع سكان فرنسا بحلول عام 2025.

ومع الانتشار المتزايد للديانة زادت الخطابات ضد التطرف فى الخطب السياسية ووسائل الإعلام الفرنسية، مما تسبب فى قلق متزايد للمسلمين هناك.

وبحسب التقرير السنوى الصادرعن المجلس الفرنسى للديانة الإسلامية وهو منظمة تعنى بتمثيل المسلمين فى فرنسا، فإنه مع بداية 2013 ازدادت الأعمال المعادية للإسلام والمسلمين بنسبة 25% وتعرض حوالى 12 مسجدًا للتدنيس عبر رسومات معادية على جدرانها، وفى 2015، بلغ عدد الأعمال المعادية للمسلمين 429 حادثا، مرتفعًا بنسبة 223% مقارنة مع 2014.

وأشار التقرير إلى أن اضطهاد المسلمين سلوك صادر من الشعب الفرنسى والإعلام، وليس صادراً من الحكومة الفرنسية، إلا أن قانون حظر الرموز الدينية الواضحة الذى اعتمدته الحكومة عام 2004، بالإضافة إلى اعتماد قانون بحظر ارتداء النقاب والبرقع فى الأماكن العامة عام 2010، أكد أن هناك تضييقا تمارسه الحكومة على المسلمين فى فرنسا بشكل ما.

وبعد الهجمات الدامية التى تعرضت لها العاصمة الفرنسية باريس، بدأت ملامح الحركات المعادية للمسلمين تنشط بشكل واضح، من خلال كتابة شعارات على جدران المساجد وتوجيه الإهانات للنساء المحجبات، ورفع لافتات تربط الإسلام بالإرهاب.

وقرر عدد من المسؤولين الفرنسيين إغلاق أى مسجد «يثبت إيواؤه إرهابيين أو متطرفين، أو ضلوع المشرفين من عاملين فيه أو أئمته فى بث خطاب الكراهية».

الأغلبية الساحقة لأعمال الإسلاموفوبيا المرتكبة فى 2015، حدثت داخل المؤسسات الحكومة، تتقدّمها فى ذلك المدارس، فمن أصل 905 أعمال معادية للمسلمين، وقعت 64% منها فى المؤسسات الحكومية، بينها 177 فى المدارس الابتدائية والثانوية، حيث تعتبر النساء المحجبات ممن يرغبن فى مرافقة أبنائهن فى الرحلات المدرسية الهدف الأول للتمييز، يليهن الطلاب المسلمون، بحسب منظمات إسلامية فرنسية.

وعن دور المسلمين في انتخابات الرئاسة، أكد «آلان جريش» رئيس التحرير السابق لجريدة لوموند لبوتيك الفرنسية في حديثه مع صحيفة «المصري اليوم»، أهمية الدور الذى يلعبه المسلمون والعرب فى الحياة السياسية بفرنسا مستشهدًا بقول رئيس الوزراء الفرنسى «إن الإسلام سيؤثر بشكل كبير على الانتخابات الرئاسية، مضيفًا أنه أصبح من أهم القضايا الثقافية فى فرنسا.

وأضاف أن فرنسا تُعد من أكثر الدول الأوروبية المنتشر بين ربوعها عرب ومسلمون، وأن استمرار اضطهاد العرب والمسلمين فى فرنسا مشكلة ذات عواقب وخيمة على المجتمع الفرنسى، لأنها سوف تساعد على خلق مناخ جيد للقوى المتطرفة، خاصة الجبهة الوطنية ومن مبادئه القائم عليها إيقاف المزيد من الهجرة من البلدان غير الأوروبية، وتعسير إجراءات الحصول على الجنسية الفرنسية، خاصة للعرب والمسلمين.

ويؤكد «جريش» أن انتشار هذه الأفكار سوف يؤدى إلى مزيد من العنصرية فى فرنسا لا محالة، مشيرا إلى أن هناك اعتقاد سائد داخل الحكومة بأن أصوات المنتمين إلى الحزب اليمينى المتطرف سترجح الرئيس المقبل لفرنسا.

وتُظهر استطلاعات الرأى الأخيرة- وفقا لـ«موقع قناة 24 فرنسا»- أن رئيس الوزراء السابق، آلان جوبيه، من حزب الجمهوريين، الذى ينتمى لتيار يمين الوسط، هو المرشح الأوفر حظا فى السباق.

  كلمات مفتاحية

فرنسا انتخابات الرئاسة مسلمين يمين

الحرب على الإرهاب.. وتأجيج «الإسلاموفوبيا»!