كوباني أكثر من معركة عسكرية

الأحد 7 ديسمبر 2014 08:12 ص

كان هجوم تنظيم «الدولة الإسلامية في العراق والشام» («داعش»)، أو «الدولة الإسلامية» على مدينة عين العرب (كوباني) السورية الكردية في شمال سوريا بمثابة مصيدة أوقع نفسه فيها مما سهّل من مهمة التحالف الدولي في تحقيق ضربات موجعة له.

لكن تصميم تنظيم «داعش» على السيطرة على عين العرب (كوباني) الواقعة على حدود تركيا هو بمثابة انتحار، ودعم سياسي غير مباشر للأكراد كونهم يحاربون الإرهاب وهو الأمر الذي أكسبهم تعاطفاً دولياً وإقليمياً مع حقهم في تحقيق المصير. لكن معركة كوباني ليست معركة عسكرية فحسب وإنما هي حرب سياسية باردة بين أطراف ثلاثة: تركيا والأكراد وواشنطن.  

تركيا التي هي دولة عضو في حلف "الناتو"، اتخذت موقف المتفرج والمتورط في دعم تنظيم «الدولة الإسلامية»، كما كانت هناك محاولة من قبل الرئيس التركي، رجب طيب اردوغان، لمسك خيوط اللعبة في سوريا خشية الخروج من اللعبة في ظل التقارب الأمريكي- الإيراني، وبسبب قلقه من أن تتخذ واشنطن الأكراد كحلفاء لها في الحرب ضد الإرهاب.

لكن المثير للجدل هو منح واشنطن دوراً لـ "حزب العمال الكردستاني" وفرعه السوري ("حزب الاتحاد الديمقراطي" ) في معركة كوباني وشنكال والتعاون مع "حكومة إقليم كردستان العراق" في قتال تنظيم «داعش»، رغم أن أربيل هي حليف أنقرة السياسي

أن تورط تركيا في دعم تنظيم «الدولة الإسلامية» وكتائب إسلامية في سوريا، هو ورقة ضغط وتعبير عن غضبها من تهميش دورها في سوريا والعراق بعد الحوارات السياسية بين واشنطن والرياض وطهران. فأنقرة تخلت عن حليفها رئيس "إقليم كردستان" ،مسعود البرزاني، حين قام التنظيم الإرهابي بمهاجمة "إقليم كردستان العراق" ولم تقدم له الدعم العسكري، كما رفضت أن تكون شريكة في الحرب على تنظيم «داعش»، الأمر الذي حوّلها إلى دولة تلعب بالنار وتسيء للمصالح الأمريكية في المنطقة. ولهذا أظهرت إدارة الرئيس باراك أوباما موقفاً حاسماً حين دعمت البيشمركة والمقاتلين الأكراد في كوباني.

وفي الواقع، لا تريد تركيا أن تصبح الورقة الكردية السورية في سلّة العمال الكردستاني، ولهذا ترغب أن يكون كل شيء عبر "إقليم كردستان" الراعي لعملية السلام الجارية بين الزعيم الكردي المسجون، عبد الله أوجلان، وتركيا. والحرب السياسية التي يشنها أردوغان على أمريكا تعكس الغضب التركي من حوارات دخلتها الخارجية الأمريكية مع فرع "حزب العمال الكردستاني" في سوريا ومساعدتها لهم في معركة كوباني. 

وهناك أصوات داخل واشنطن تطالب بإزالة "حزب العمال الكردستاني" من قائمة الإرهاب لسببين : أولاً كون "حزب العمال الكردستاني" وفروعه والبيشمركة يقاتلون تنظيم «الدولة الإسلامية»، وثانياً لمعاقبة تركيا والضغط عليها عبر الورقة الكردية، وانعكاساتها على مستقبل أردوغان وحزبه في الداخل التركي قد تنتهي في المستقبل إلى فقدان السلطة التي اكتسبها أردوغان بأصوات الناخبين الأكراد.

لكن ليس من السهولة أن تتخلى واشنطن عن تركيا و"حكومة إقليم كردستان" لأجل "حزب العمال الكردستاني" وخاصة أن الحزب ما زال على قائمة الإرهاب وله علاقات مع دمشق وموسكو. 

وتدرك واشنطن أن جمع "حزب العمال الكردستاني" و"إقليم كردستان العراق" وتركيا في سلة واحدة أمر صعب جداً، ولهذا نجد أن "حزب العمال الكردستاني" قدم تنازلات كبيرة لتركيا واستنجد بها في معركة كوباني، كما قدم تنازلات لواشنطن كي يضمن حصته من الكعكة السورية في المستقبل. كذلك ستتبنى تركيا خطاباً مختلفاً وأكثر مرونة مع واشنطن مع إبقاء أربيل مرجعية سياسية لها في الملف الكردي في سوريا، وهذا ما يتقاطع مع سياسة الولايات المتحدة التي تعتبر البرزاني الحليف الرئيسي. لهذا ما زالت المعارك العسكرية في كوباني مستمرة لحين تحقيق واشنطن لتوافقات سياسية بين الفرقاء الذين يستخدمون كوباني كساحة معارك سياسية غير متكافئة. لكن الجميع يدرك أن إدارة الرئيس أوباما هي التي تملك المفاتيح وتستطيع أن تحسم معركة كوباني

 

* جان صالح صحفي كردي سوري مقيم في العاصمة الأمريكية، واشنطن

 

المصدر | جان صالح، معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى

  كلمات مفتاحية

كوباني عين العرب أمريكا العراق سوريا حزب العمال الكردستاني إقليم كردستان العراق تركيا حزب الاتحاد الديمقراطي

المرصد السوري: الأكراد يستعيدون السيطرة على 70% من «كوباني»