بالفيديو..كيف قتلت حفلة قارئة الفنجان «عبد الحليم حافظ»؟ (1ـ 2)

الثلاثاء 18 أبريل 2017 09:04 ص

 في مثل هذه الأيام من واحد وأربعين عامًا كان لـ«شم النسيم» رونق خاص في مصر، بخاصة مع «حفلات الربيع» التي كان يتسابق لإحيائها المطرب الراحل اللبناني الأصل «فريد الأطرش» مع المُطرب الراحل «عبد الحليم حافظ» صاحب تقريرنا المُكون من جزئين أولهما نعرض له اليوم.

وفي احتفالات مصر، شبه الرسمية بـ«شم النسيم» و«أعياد الربيع»، في عهد الرئيس الراحل «أنور السادات»، في أبريل/نيسان 1976م، كان «فريد الأطرش» قد رحل قبلها في 26 من مارس/أذار 1974م، ومن قبل كان مرض «أم 

كلثوم »يمنعها من الغناء، وكانت المُنافسة الأشرس لـ«عبد الحليم حافظ» حتى توفيت في 3 من فبراير/شباط 1975م، وخلا الميدان الفني والسياسي لـ«حافظ»، فيما كانت «فايزة أحمد» تُلمم أغانيها ما تزال لهذه الاحتفالات.

لكن الحفل الأخير (العام) لـ«حافظ» في مصر شهد قمة الشجارات بينه وبين جمهوره؛ وحتى بينه وبين «مفيد فوزي» أخلص المُقربين من أصدقائه الإعلاميين؛ فكما كان النظام المصري يحرص على تلميع حافظ منذ الرئيس الراحل «جمال عبد الناصر» كان «حافظ» يحرص على تلميع نفسه عبر طبقة أثيرة من الإعلاميين مسموح لها بالقرب منه بلا حدود كتلك التي كانت تحرص عليها؛ بل تفتعلها «أم كلثوم» للحد من تدخل الصحافة بل الإعلام في حياتها.

ابن القدر

وُلِدَ «عبد الحليم علي شبانة»؛ وسمح له الإذاعي الراحل «حافظ عبد الوهاب» باستخدام اسمه كاسم شهرة عوضًا عن اسم أبيه، ونستخدم الاسم هنا عوضًا عن اسم «حليم» الذي عُرف به الراحل إعلاميًا في مصر والوطن العربي، وفي قرية الحلوات التابعة إلى مركز الإبراهيمية في الشرقية في 21 من يونيو/حزيران 1929م لأسرة بالغة الفقر لا تبتعد كثيرًا عن أسرة «أم كلثوم» المُولودة في الشرقية أيضًا لكن في مركز السنبلاوين في عام 1898م على أرجح الآراء.

لا تؤكد المصادر على عمل والد «حافظ»؛ وإنما تؤكد على الجانب الإنساني من حياة أسطورة الغناء والحزن المصري؛ كما أراد أن يجعل الإعلام من «عبد الحليم» على مدار 41 عامًا.

كآلاف المواليد المصريين الذين تُوفيت أمهاتهم عقب ولادتهم بأيام لملابسات الفقر وقلة العناية الصحية في حقبة العشرينيات وما سبقها وتلاها من القرن الماضي، ماتت الأم تاركة 3 أطفال بالإضافة إلى الرضيع؛ وبعد عام تُوفي أبوه لتكتمل المأساة التي سيروي «حافظ» عنها طويلًا في حياته من نشأته في بيت خاله «متولي عماشة» وشعوره بـ«اليتم» الذي كان يدفعه لحسد أي أسرة تسير مع أبنائها في الشارع؛ كما قال من بعد في لقاء إذاعي.

لكن التاريخ الحقيقي لملحمة «حافظ» البطولية التي لم يكن الإعلام المصري في الأعوام المُتبقية من عصر «السادات» يُمرر ذكراه دون احتفال باهظ برحيل المغني الفتى الأسمر «عندليب الغناء العربي والسينما»؛ بالإضافة إلى إعلام المخلوع «حسني مبارك» الذي ما كان يُفوت فرصة في 30 من مارس/أذار من كل عام منذ عام 1982 حتى عام 2010م دون تمجيد في آلام الراحل وبطولاته حتى أن كاتبًا قال في خضم مواسم الاحتفالات ( عام 2000م):

ـ «والله لن نموت لأن (عبد الحليم) غادر عالمنا نحن جيل الشباب قبل أن يتفتح وعينا على الحياة..هناك بدائل ومآس سياسية واجتماعية كافية لإلهائنا عنه!

تراجع ذكر «عبد الحليم» في مصر بعد ثورة يناير/كانون 2011م لكنه لم ينته!

كان «حافظ»، كما عرف باسم الشهرة يقول عن نفسه أنه ابن القدر مع أنه باعترافه كان ابنًا للسياسة بجدارة بل للثورة!

ابن الثورة

يقول الناقد «طارق الشناوي» في جريدة «القاهرة» أن «حافظ» لم يكن لا أقوى الأصوات الرجالية المصرية ولا أرهفها ولا حتى أنعمها؛ ولكن كان أذكى أصحابها على الإطلاق؛ وأنه لولا الخمر والنساء لكان الراحل «محرم فؤاد» سبقه إلى الشهرة بمراحل.

لكن أبرز مواهب «حافظ» كانت في القرب من الأنظمة السياسية منذ نعومة أظفاره الطربية، فقد تخرج من معهد الموسيقى العربية قسم التلحين في عام 1948م، وعمل مدرسًا في المعهد الموسيقي في طنطا وقدم استقالته ليعزف على آلة «الأبواء» في الإذاعة عام 1950م، ورغم غنائه «صافيني مرة» في الإسكندرية في أغسطس/أب 1952م إلا أن الجمهور رفضها ورفضه، ولكنه غناها في يونيو/حزيران 1953م يوم إعلان الجمهورية على يد «جمال عبد الناصر»؛ لينال محبة الجماهير المفتونة آنذاك بلقب الثورة وألقاب أصحابها، بالإضافة إلى جودة صوت «حافظ».

وعلى أرجح الآراء لم يلبث «عبد الحليم» إلا أن قدم «على قد الشوق» في يوليو/تموز 1954م في حفلة ثورية أخرى ليقترن اسمه بـ«عبد الناصر» ثم يستدر شفقة الناس بمأساته ليرتفع فوق هامة جميع مطربي عصره سوى منافسته المُجيدة للعبة الطرب والسياسة «أم كلثوم»؛ بخاصة لما طرق أبواب السينما مثلها وقدم «على قد الشوق» في فيلم «لحن الوفاء» عام 1955م.

مع «قارئة الفنجان» و«أم كلثوم»

في مستشفاه في لندن رُريَ أنه كان يحرص على سماع الأغنية في آخر أيام حياته، وكان يُعالج من تليف الكبد من آثار سباحته في الترعة صغيرًا ومرض البلهاريسيا الذي أودى بحياة مئات الآلاف من المصريين من قبله؛ بالإضافة إلى تلوث بالدماء بفعل فيروس سي.

قبل الوفاة بأقل من 11 شهرًا كان تألق 

«حافظ» وصل إلى منتهاه فصعد مسرح نادي الترسانة ليغني «عاش» في البداية، كعادته في مدح الحكام قبل أن يغني؛ والأغنية خاصة بالرئيس الراحل أنور «السادات»؛ وطالما جر عليه المدح هذا الوبال بخاصة مع الحكاية الأشهر من خلافه مع «أم كلثوم» في (أعياد ثورة )1964م، إذ كانت الهزيمة على الأبواب؛ و«عبد الناصر» يسهر للصباح مع الغناء والطرب؛ وهناك وقف «عبد الحليم» بعد الساعة 2 فجرًا ليغني فقال جملته الأشهر:

ـ «إن أم كلثوم وعبدالوهاب أصرا أن أغنى في هذا الموعد، وماعرفش إذا كان ده شرف لي وألا مقلب».

وهي الكلمة التي كلفته ألا يغني في أعياد الثورة لمدة 3 سنوات، فيحضر في صالون الحفل ويتصل بمتعهده «علي شفيق» فيتصل بـ«عبد الحكيم عامر» فلا يوافق فقط لأن «الست زعلانة» وقد طلبت من «عبد الناصر» ألا يغني «حافظ» معها، فوافق الرئيس على الفور.

ويوم حفل 1964 كان «حافظ» بكى لـ«عبد الناصر» لكيلا يُغادر الحفل؛ فوعده  بتوديع أحد الضيوف ثم العودة، وكان «حافظ» قال إنه «ابن الثورة» من غيرها يموت ولا يعرف كيف يغني!

لكن «أم كلثوم» لقنته درسًا في أنها أسبق باعاً منه في التزلف والقرب من «عبد الناصر»؛ ورفضت مجرد أن يفتح لها أحد سيرة «حافظ».

ولم تتم المصالحة بينهما إلا أثناء حفل خطبة ابنة الرئيس الراحل «أنور السادات»، والذي أقيم في القناطر عام 1970 وكانت رغبة «السادات» ففكر أن الحل الأمثل هو أن يلتقيا مصادفة وعندما دخل «عبد الحليم» الحفل اقترب من «أم كلثوم» وقبّل يدها، فقالت له:

ـ «أنت عقلت ولا لسه؟!».

وقيل إنها بادرته قائلة ومادة يدها:

ـ «بوس يا ولد».

هكذا كانت تدار مصر.. وبمثل هذا المنطق صعد «حافظ» مسرح نادي الترسانة وقد تمكن الكبد منه فلم يعد يحتجز السموم، وايضًا تمكنت الشهرة من جانب آخر من نفسه فلم يعد يرى نفسه إلا ملكًا على عرش الغناء والطرب؛ وربما أغرى هذا أعداءه به بعمل «زفة فل» بالمعنى البلدي؛ أو ما كان يُعرف بدس جمهوره عليه لإحداث شغب في الحفل.

 

المصدر | الـخليــــج الجــديــد

  كلمات مفتاحية

عبد الحليم حافظ قتل حفلة قارئة الفنجان