الطموح العسكري لـ«إسبرطة الخليج»: الإمارات تملأ فمها بأكثر مما يمكنها مضغه

السبت 22 أبريل 2017 01:04 ص

ترغب الإمارات العربية المتحدة في أن ينظر إليها كبلدٍ لديه كل شيء، بما في ذلك وزارة للسعادة. وكما قال حاكم دبي ورئيس الوزراء الإماراتي الشيخ «محمد بن راشد آل مكتوم»: «السعادة ليست مجرد أمنية، وستؤكد الخطط والمشاريع والبرامج والمؤشرات عمل وزاراتنا لتحقيق السعادة».

وتعني السعادة بطبيعة الحال أشياء مختلفة للأشخاص المختلفين، وبينما يحول الشيخ «محمد» طاقاته نحو جعل دبي سعيدة كنقطة ساخنة للسياحة والأعمال العالمية، يرى نظيره «خليفة بن زايد بن سلطان آل نهيان» رئيس دولة الإمارات العربية المتحدة، حاكم أبوظبي والقائد الأعلى للقوات المسلحة الإماراتية، السعادة شيئا آخر. وبالنسبة للشيخ «خليفة»، وهو خريج أكاديمية ساندهيرست العسكرية، تعني السعادة، على حد تعبير البيتلز (فرقة غنائية بريطانية)، بندقية دافئة.

وقد يساعد ذلك في تفسير الحماس الذي ألقت به دولة الإمارات نفسها في عددٍ كبير من المواجهات في المنطقة وخارجها، الأمر الذي أدى إلى سعادة الجيش الأمريكي. وفي عام 2014، وصف الجنرال الأمريكي المتقاعد «جيمس ماتيس»، وهو الآن وزير الدفاع في إدارة «دونالد ترامب»، الإمارات بـ «إسبرطة الصغيرة»، مضيفًا:«إنّهم ليسوا على استعداد للقتال فحسب، بل إنهم محاربون عظماء».

السباحة برفقة السمك الكبير

شارك «محاربو ماتيس العظماء» في وقتٍ مبكر جدًا من الحرب الأمريكية ضد تنظيم الدولة الإسلامية في سوريا. وتضم قاعدة الظفرة الجوية، التي تبعد حوالي 20 ميلًا (30 كلم) جنوب أبوظبي، ما يقرب من 3500 جندي أمريكي. وقد استُخدمت القاعدة بشكلٍ كبير من قبل الأمريكيين في تنفيذ الغارات، ونفذ سلاح الجو الإماراتي عددًا كبيرًا من الهجمات.

ووفقًا لـ«واشنطن بوست»، وباستثناء الولايات المتحدة، «أجرى المقاتلون الإماراتيون مهامًا ضد تنظيم الدولة الإسلامية منذ بدء الحرب الجوية أكثر من أي عضوٍ آخر في التحالف متعدد الجنسيات».

وقد التزمت الإمارات بشدة بالحرب التي تقودها السعودية في اليمن سواء في الجو أو البر. واستُخدمت القوات الإماراتية لإخراج قوات المتمردين من عدن والمكلا في جنوب اليمن. وكان الإماراتيون مشغولين في ليبيا بدعم الجنرال «خليفة حفتر»، كما دعموا الأمريكيين في أفغانستان.

وكانت الخطوة الأخيرة توقيع الإماراتيين على عقود اتفاق مع صوماليلاند (أرض الصومال) وبونتلاند (أرض النبط) في القرن الأفريقي لبناء موانئ مياه عميقة وقاعدة عسكرية. وتتيح تلك الصفقات التي تقدر قيمتها بمئات الملايين من الدولارات للإماراتيين وجودًا كبيرًا في المنطقة، والتي شهدت بالفعل حشودًا عسكرية ضخمة، بما في ذلك قاعدة أمريكية ضخمة في جيبوتي، فضلًا عن قوات من فرنسا واليابان وألمانيا، والصين الآن. وبذلك، تسبح «إسبرطة الصغيرة» مع الأسماك الكبيرة.

وحصلت الإمارات على أفضل الأسلحة والتكنولوجيا الأكثر تطورًا التي يمكن أن يشتريها المال، ولكن كيف يمكن لبلدٍ يبلغ عدد سكانه الأصليين أكثر قليلًا من مليون شخص، نحو 90% من مجموع السكان البالغ عددهم 9 ملايين هم من المغتربين والعمالة المهاجرة، أن يكون لديه مثل هذه البصمة العسكرية؟

قنوات الاتصال الخلفية

«إريك برنس» هو شقيق «بيتسي ديفوس»، وزيرة التعليم المثيرة للجدل في إدارة «دونالد ترامب». وهو أيضًا مؤسس شركة بلاك ووتر، وهي شركة جنود مرتزقة أصبحت سيئة السمعة بسبب عمليات القتل الوحشية للمدنيين العراقيين عام 2007. وأخرج «برنس» نفسه من بلاك ووتر بعد فضيحة كبيرة أثيرت حول الشركة.

لكنّه ظهر في الإمارات عام 2011، ووقّع عقدًا ضخمًا بقيمة 529 مليون دولار من أجل تزويد الإماراتيين بقوة مرتزقة قادرة على تنفيذ عمليات خاصة وحماية المنشآت الأساسية من الهجمات الإرهابية.

واجتمع «برنس» في 11 يناير/كانون الثاني في سيشل مع شخص روسي مقرب من «فلاديمير بوتين». وكان الهدف من الاجتماع هو إقامة قناة اتصال خلفية بين إدارة «ترامب» وروسيا.

وقالت صحيفة «واشنطن بوست» أنّ الاجتماع قد تم تنظيمه من قبل الإمارات. وقد يكون اجتماعًا يرغب «برنس» لو كان لم يتم، حيث أفادت الأنباء أنّ مكتب التحقيقات الفيدرالي يحقق في ذلك كجزءٍ من تحقيقٍ أوسع حول التدخل الروسي في الانتخابات الرئاسية عام 2016.

وفي الوقت نفسه، يتغاضى الإماراتيون عن عدد المرتزقة الذين يقاتلون لأجلهم. وبالتأكيد، عندما قتل 45 جنديًا في هجومٍ صاروخي جنوب اليمن عام 2015، بقيت جنسيات كل من ماتوا، في أحسن الأحوال، مبهمة في وسائل الإعلام الإماراتية. ومع ذلك، فمن المرجح أنّ العديد من الضحايا هم من أمريكا اللاتينية أو إريتريا.

واشترى الإماراتيون أيضًا خدمات ضباط أستراليين متقاعدين رفيعي المستوى للإشراف على الحرس الرئاسي، وهو ما كشف عنه «روري دوناغي» من «ميدل إيست آي» في ديسمبر/كانون الأول عام 2015. وكما قال خبيرٌ عسكريٌ في المقال: «لا نشتري فقط أفضل المعدات، بل أفضل المواهب أيضًا».

الجانب المظلم

هذا ما فعلته «إسبرطة الصغيرة»، ولكن يوجد في الأمر جانبٌ مظلم. فبجانب الصورة المرموقة للإمارات، ودبي والرياض بشكلٍ خاص، كواحة متسامحة سياحية وبيئة ودية لرجال الأعمال مع توقعات كبيرة بالنجاح، تبرز الوحشية العسكرية والاستبداد كأساس للبلاد.

ولقد سحقت الإمارات حقوق الإنسان، بلا هوادة، في محاولة لإسكات المعارضة وإلغاء ما تعتبره التأثير الخبيث لجماعة الإخوان المسلمين. وتحقيقًا لهذه الغاية، حُكم على عشرات الأشخاص بالسجن لفتراتٍ طويلة بوجود أدلة ضعيفة ينظر إليها، على نطاقٍ واسع، على أنّها معيبة، وكثيرٌ منها تم استخراجه من خلال الإكراه والتعذيب.

وحُكم على الدكتور «ناصر بن غيث»، وهو أكاديمي واقتصادي بارز، بالسجن لمدة 10 سنوات، بسبب انتقاده لحكومة «السيسي» في مصر، في حين اعتُقل «أحمد منصور»، الفائز بجائزة مارتن إينالز المرموقة لعام 2015 للمدافعين عن حقوق الإنسان، وذلك في شهر مارس/آذار، بانتظار المحاكمة بتهمٍ غير محددة.

ولا يبدو أنّ أيًا من هذا قد أزعج أصدقاء الإمارات في الغرب. فبوجود المبيعات الكبيرة من المعدات العسكرية، والالتزام القوي بالعمل العسكري المشترك من الإماراتيين، لماذا يتعين عليهم ذلك إذًا؟

اختيار اللعبة الصعبة

وبطبيعة الحال، هناك احتمالٌ بأنّ الإمارات قد ملأت فمها بأكثر مما يمكنها مضغه. ويمكننا النظر إلى عضو آخر بمجلس التعاون الخليجي وهو قطر كمثال على ذلك. في ظل رئيس الوزراء آنذاك ووزير الخارجية «حمد بن جاسم»، أدخلت قطر نفسها في جميع أنواع المبادرات الدبلوماسية المتشابكة والمستحيلة.

وقد نُحيَ «حميد بن جاسم» جانبًا بشكلٍ سريع حين وصل أميرٌ جديد إلى السلطة عام 2013. وتراجعت طموحات قطر الإقليمية بشكلٍ كبير في حين تقاعد «حمد بن جاسم» للإشراف على مصالحه التجارية الكبيرة في لندن وأماكن أخرى. وتخلت قطر عن دورها الكبير، حيث تضررت سمعتها إلى حدٍ ما، ولكن ليس بشكلٍ لا رجعة فيه.

على الجانب الآخر، يلعب الإماراتيون اللعبة الصعبة، بأسلحة عالية التقنية يحملها المرتزقة. وأعلنت «إسبرطة الصغيرة» تفضيلها للقنابل عن الكلمات، وفي منطقة مليئة بالفعل بالاضطرابات، تعد هذه لعبةً خطيرة للغاية.

المصدر | ميدل إيست آي

  كلمات مفتاحية

الإمارات طموحات عسكرية أرض الصومال حرب اليمن إريتريا