الرياض لا ترفض شخصية علوية محل الأسد .. وموسكو: إنه رئيس دستوري وشرعي

الاثنين 8 ديسمبر 2014 07:12 ص

كانت بيروت مؤخرا على موعد مع كلام روسي في محطات متتالية، حول إيران وفلسطين وسوريا: هذا ما حصل بين طهران والغرب. لهذا بلغت واشنطن المأزق الفلسطيني. وهذا هو موقفنا من التطورات السورية. اللافت أن الضيف الروسي لم يتطرق كثيراً في حديثه أمس إلى الملفات اللبنانية العالقة والشائكة. لكن زيارته لم تنته بعد، وموعد الكلام اللبناني لم يفت بعد.

عادت روسيا تتصرف بنيوياً كدولة عظمى.

هذا هو أبرز انطباع تركه الموفد الرئاسي الروسي نائب وزير الخارجية الروسية لشؤون الشرق الأوسط ميخائيل بوغدانوف، لدى كل من التقاه في بيروت أمس. لا كلام على صعوبات موسكو الاقتصادية. لا حديث عن تراجع سعر صرف الروبل، ولا عن أزمة انخفاض أسعار النفط، ولا عن الركود الاقتصادي الناتج منها في القيصرية الجديدة. تلك الدولة المشاكسة، التي لا يزال بعض الغرب يعيّرها بأنها لم تتخطّ خلال عقد ونيف من «عهود» القيصر بوتين، صفة «محطة وقود»، لتتحول إلى دولة تقود... لكن رغم ذلك كله، كان تصرف بوغدانوف وكلامه أمس في العاصمة اللبنانية، كناظر فعلي كامل لسياسة بلاده حيال قضايا المنطقة التي يختص بمتابعتها.

ثلاثة محاور حرص الضيف الروسي على الإحاطة بها في مختلف محطاته اللبنانية: إيران، فلسطين، وطبعاً وأخيراً سوريا.

الملف الإيراني

في الملف الإيراني أكد بوغدانوف لمضيفيه اللبنانيين أن العقدة الوحيدة التي لا تزال عالقة، والتي أخّرت إعلان الاتفاق بين طهران ومجموعة الخمس زائداً واحداً، هي مسألة الجدول التزامني بين توقيع الاتفاق ورفع العقوبات. الإيرانيون يريدون التخلص من العقوبات فوراً. الأميركيون في شكل خاص، من الطرف الآخر، يريدون فترة زمنية بين التوقيع والتطبيع.

فتوقفت ماكينة الحلحلة والتوافق عند هذه النقطة. الباقي كله متفق عليه، يقول بوغدانوف، من دون أن يفصح عمّا إذا كان الباقي المقصود في الاتفاق بين الطرفين، محصوراً في الشق النووي التقني، من نسب تخصيب وكميات يورانيوم وأعداد أجهزة طرد مركزي وسوى ذلك من تفاصيل، أو إذا كان الباقي المتفق عليه كذلك، يشمل الملفات السياسية والنفوذية ومناطق الصراع والتنافس بين طهران والغرب، التي تشكل موسكو موقعاً مفصلياً في معظمها.

غير أن المسؤول الروسي لم يتردد في الإعراب عن اعتقاد إدارته بأن العقدة الفعلية كانت في العمق، نتيجة تحوّل الفريقين المفاوضين، أسرى السياسات الداخلية للبلدين. فهم الروسي بسرعة، أن فريق أوباما – كيري لا يمكنه العودة إلى واشنطن، في لحظة تنافس أميركي انتخابي داخلي شديد، ليقول لرأيه العام إنه رفع العقوبات عن إيران، لأن خطوة كهذه تطيح آخر ما بقي من تأييد شعبي لإدارة تستعد بعد أسابيع لخوض امتحان صعب، عنوانه الحكم في ظل كونغرس معارض بمجلسيه. 

في المقابل، لم يكن موقف فريق روحاني–ظريف أفضل. ذلك أن عودة مفاوضيه إلى طهران بورقة من نوع «وقّعنا اتفاقاً مع الأميركيين ولم تزل العقوبات الغربية مفروضة علينا»، كانت ستؤدي إلى تغيير حكومي فوري في تركيبة السلطة الإيرانية، رغم كل الدعم العلني الذي قدمه المرشد علي خامنئي للمفاوضين، وهو ما تمثل في ظهوره العلني ثلاث مرات في خلال أيام، لمواكبة المفاوضات.

هكذا بدا أن الطرفين أسيرا مواقف المتشددين في كل من بلديهما. لكن هذه الصورة ساعدت الفريقين في الوقت نفسه على التوصل إلى اتفاق. إذ كأنهما أدركا معاً أنهما يشكلان معسكري الاعتدال في عاصمتيهما، رغم كل الفوارق المعروفة. المهم أن تفاهماً موضوعياً أدى إلى الإخراج الذي أعلن، على قاعدة حاجة الطرفين إلى الوقت. فالوقت وحده يعالج مشكلتي المتشددين في المعسكرين. 

فلسطين 

المحور الثاني فلسطين. هنا يتحدث الروسي بواقعية كاملة: مستوى التدهور في علاقة أوباما – نتنياهو أطاح كل شيء. الإسرائيلي قرر ألا يسهل مهمة الأميركي، لا بل أن يحبط كل مساعيه. الباقي يصير تلقائياً في قضية مزمنة وشديدة التعقيد. يعترف المسؤول الروسي بأنّ ثنائي أوباما ــــ كيري كان جدياً في محاولة تحقيق تقدم ما على هذا الصعيد. غير أن منطلقاته الأساسية لم تكن لتساعده.

مشروع حل الدولتين انهار فعلياً تحت وطأة السياسات الصهيونية، ولم يعد قابلاً للحياة. ولم يكن ينقص لدفنه غير مسألة إعلان يهودية الكيان الإسرائيلي وإحراج واشنطن بها، وسط مساعيها لإقناع محاورها الفلسطيني بأي مقترحات ممكنة.

الإسرائيليون قدّموا للأميركيين صيغة بسيطة مبسطة: يهودية الدولة جزء من مقررات الشرعية الأممية تجاه القضية الفلسطينية. وهي بحسب الصهاينة، مندرجة ضمن منطوق قرار تقسيم فلسطين الصادر عن مجلس الأمن الدولي بموجب القرار 181. لكن ما لم يقدر الأميركيون على مواجهة الاسرائيليين به، هو أن قرار التقسيم الأممي هذا كان يفرض حدوداً على الأرض مختلفة كلياً عمّا آلت إليه الأمور.

بالتالي يجب الاختيار بين أمر من اثنين: إما يهودية الكيان الإسرائيلي بحسب الشرعية الأممية، ضمن حدود تاريخ صدور القرار 181، وفي مقابل دولة فلسطينية كاملة السيادة ومكتملة الحدود، وإما في حال عدم الاعتراف بضرورة تصحيح الحدود، العودة إلى خيار حل الدولة الواحدة. طبعاً، لا تقدر واشنطن على إلزام تل أبيب بهذه المعادلة. فكانت النتيجة الوصول إلى المأزق فلسطينياً.

المأزق السوري

في المحور السوري تتحول اللغة الروسية أكثر سوفياتية. هنا الكلام لا يعود تحليلياً، بل أقرب إلى الموقف والتموضع والحسم: نحن ننسق مع واشنطن حيال دمشق، لكن وفق قراءتنا للممكن وغير الممكن في سوريا.

هدفنا المعلن هو جمع طرفي الحكم السوري والمعارضة السلمية في سوريا، حول طاولة حوار.

هنا برزت مشكلتان: من يمثل الحكم؟ ومن يمثل المعارضة؟ لجهة أطياف المعارضة كان رأينا واضحاً وحاسماً: مطلوب معارضة سلمية، وطنية، ممثلة وفاعلة. هكذا استقبلنا مراراً وتكراراً معارضين سوريين في موسكو. بعض الأطراف الإقليميين حاول فرض جهات معارضة أخرى. بعضهم دعم جهات متطرفة وإرهابية. لكننا رفضنا كل هذه.

وضعنا لأنفسنا هدفاً هو مساعدة السوريين على إصلاح نظامهم. الآخرون كانت أهدافهم مغايرة. يريدون إسقاط الأشخاص واستبدال بآخرين بهم موالين لهم. حتى ولو كانت السلطة المنبثقة من هذه التغيييرت أسوأ من النظام الحالي.

السعوديون جاؤوا إلينا مطالبين بإسقاط الرئيس بشار الأسد لا غير. قالوا لنا بوضوح وصراحة، إنه لا مشكلة لديهم حتى إذا تم استبدال رئيس علوي آخر. المهم أن يرحل الأسد. قالوا لنا إنهم كانوا يتعايشون مع الرئيس حافظ الأسد كعلوي. ولا مشكلة لديهم في ذلك. يسقط النظام، تتسلم السلطة جماعتهم، وليكن علوي آخر على رأس الدولة.

رفضنا هذا المنطق. في المقابل، البعض في الغرب يقول لنا إن الطرف المحاور من قبل النظام يجب ألا يتضمن الأسد. لكننا قلنا لهم إن الأسد هو الحاكم الفعلي لسوريا. ثم إنه رئيس سوريا الدستوري حتى اللحظة. وهو منتخب من قبل شعب سوريا. صحيح أن قسماً من السوريين لم يشاركوا في انتخابه. لكن ذلك حصل لأسباب أمنية. تماماً كما حصل في أوكرانيا.

هناك أيضاً حصلت انتخابات رئاسية، وبرعاية وإشراف غربيين، وجاءت بيتر بوروشنكو رئيساً. رغم أن كل شعب المناطق الشرقية من أوكرانيا لم يشارك في انتخابه. وها هو كل الغرب يعترف به رئيساً دستورياً وشرعياً. لذلك نقول إن الأسد رئيس دستوري وشرعي لسوريا، بقدر ما بوروشنكو رئيس لأوكرانيا. وفي الحالتين لا بد من حلول عبر الحوار لا غير.

 

المصدر | جان عزيز، الأخبار اللبنانية

  كلمات مفتاحية

فلسطين السعودية سوريا أوباما نتنياهو بشار الأسد روسيا المباحثات النووية

روسيا تسعى لاتفاق قريب مع إيران لمبادلة النفط بالسلع

السعودية تعلن حربا نفطية لتركيع وهزيمة إيران وروسيا .. هل ستنجح هذه المرة؟ وما ثمن النجاح؟

أمريكا تؤكد: «الأسد قاتل وفقد الشرعية» .. وروسيا تُجيب: «ندعم بشار لمحاربة الإرهاب»

إيران تتوقع اتفاقا قريبا مع روسيا لبناء مفاعلات نووية جديدة

التحول الروسي من دعم نظام «الأسد» إلى «التوسط بين الطرفين»