«من تلاتين سنة»: فيلم مصري يجرح ويفضح ولا يجامل!

الاثنين 24 أبريل 2017 11:04 ص

جاءت هزيمة 1967م بالأفلام المُسماة بـ«أفلام النكسة» لتعزز فترة إنتاج أفلام مصرية وعربية بالغة السوء مادة ومضمونًا!

فيلم «من تلاتين سنة» للمُخرج «عمرو عرفة» كان اسمة الأصلي «هتقتل تسعة» لولا تدخل بطله «أحمد السقا» وتغييره الاسم؛ وتم طرح الفيلم  في 6 من يوليو/تموز الماضي في قرابة 146 دقيقة من بطولة نخبة من الفنانين من أجيال متعاقبة فمن الجيل الماضي: «ميرفت أمين»، «محمود الجندي»، «صلاح عبد الله»، «أحمد فؤاد سليم»، «رجاء الجداوي»، و«محمود البزاوي»..ومن الجيل التالي المُسن نسبيًا الآن: «أحمد السقا»، «منى زكي»، «شريف منير»، و«سليمان عيد»..مع تشكيلة من الوجوه الجديدة حفظًا لماء وجه المُسنين الذي ظهروا كصغار للسن في الفيلم.

وفيلم «من تلاتين سنة» لا يقدم عملًا سينمائيًا يمثل إضافة بالمعنى المعروف لا على مستوى الشكل أو المضمون؛ بل إن العمل الذي حقق 19 مليون جنيه مصري (قرابة مليون دولار أمريكي) قبل مرور شهر على عرضه..هو عبارة عن «قص ولزق» أو إعادة صياغة بحرفية نفعية عالية لفيلم «عمارة يعقوبيان» عن قصة لـ«علاء الأسواني» (تردد بقوة أنه سرقها عن أبيه الراحل عباس الأسواني)، من إخراج «مروان حامد» في 2006م؛ وفيلم «عسل أسود» للمخرج «خالد مرعي» (إنتاج 2010م)؛بالإضافة إلى تجميع لمشاهد أخرى من أدوار لأبطاله (أبو علي لمنى زكي، ولاد العم لشريف منير ومنى زكي، فضلًا عن أسوار القمر لمنى زكي من إخراج طارق العريان في عام 2015م) مع رتوش مضمونة الجذب الجماهيري من إشراك وجوه سينمائية عتيقة إلى جوار أخرى أقل سنًا والجميع يتنكر لعمره ويؤدي أدوارًا أصغر، مع إضافة أغنية «اللقا» لـ«محمد حماقي» أو إقحامها على موسيقى «هشام نزيه» التصويرية كما في فيلم «مافيا» لـ«أحمد السقا» وغيره.

والرابط المشترك بين كل هذا وتأليف «أيمن بهجت قمر» للفيلم؛ وهو الشاعر العامي نجل الشاعر العامي هو الانتهازية واستغلال الحالة الرخوة التي تعيشها مصر اقتصاديًا واجتماعيًا وأمنيًا لتقديم مسخٍ يُداعب خيال المُقبلين على الحياة ويمعن في خداعهم لإفراغ جيوبهم.

المصريون الوقحون

بحسب الفيلم فإنه لا يوجد نموذج لمصري مُشرف سواء من الأبطال الكبار والكبار بشرطة أو الأقل سنًا من متجاوزي الأربعين، على الأقل، ويؤدون أدوارًا لشباب، أو حتى الكومبارس أو الجموع التي تندفع للمساعدة أحيانًا بلا وعي وكأنها تود ان تسرق، أو لا تستطيع الدفاع عن اندفاع أبطال الفيلم وعدوانيتهم أحيانًا.

يبدأ الفيلم بطريقة «الفلاش باك» لتبرير اسمه؛ وببدو أن مونتاج «معتز الكاتب» ألصق مشاهد أولية بالفيلم في غير مكانها لتبرير اسمه مع كون طولها زاد من ترهل مساحته.

عمل «عبد التواب الطيب» أو المُمثل «جميل برسوم» تاجرًا للسلاح في المنيا (وسط مصر)، وتزوج 3 مرات في حياته إحداها من راقصة؛ بالإضافة إلى سيدة فقيرة، والزوجة الأولى، ثم نقل تجارته إلى حي العتبة التجاري المعروف في القاهرة في 1958م، وهناك توسعت تجارة القتل على يديه حتى لفظ أنفاسه في عام 1985م موصيًا ابنته الكبرى «نبيلة» بإخوتها الأشقاء وغيرهم.

يُسقط الفيلم 30 عامًا من سياق الأحداث ليوجد مبررًا لاسمه وليبدأ لعبة خداع المُشاهد؛ المُتجاوزة لجميع الحدود المُتعارف عليها، من إبقاء خيط يحترم عقله ويؤكد له أن الأحداث التي يراها لها سياق آخر سيتم الرجوع إليه؛ فيعود «عمر» في بداية الفيلم من بريطانيا مصطحبًا ثروة عريضة ورثها عن ثري اسمه «آرنست»؛ ويوزعها على الباقين من العائلة 9 أفراد عبارة عن من الأعمام وأبنائهم؛ ويُلاحظ أن الجميع فاسد ساقط بين القتل والجنس والمخدرات(!)، فعمته «نجوى» «ميرفت آمين» أقامت علاقة آثمة مع «بسام» صديق ابنها لتدفع الأخير إلى الإدمان، وعمه «حسن» «صلاح عبد الله» قاتل سابق لعدد غير معروف من المُتعاملين معه؛ بالإضافة إلى تزويجه «نها» و«سليم» ابنيه من فاسدين دمرا حياتيهما.

وهكذا لا أحد شريف في الأسرة أو في دائرة المعارف أو حتى في الشارع الذي يمرون فيه؛ فحتى «المجذوب» «محمد البزاوي» يُطارد «عمر» ليخبره أنه سيقتل تسعة.

وتتوالى حوادث القتل المُفتعلة أمام المُشاهد وكأنه في فيلم رعب مع رفع لافتة أن مال «عمر» ملعون؛ حتى لايبقى في النهاية من العائلة سوى «عمر» الثري العائد بالمال و«عماد».

في خط متوازٍ كان «عماد» الروائي تعرف إلى «حنان البغدادي» «منى زكي» الشاعرة الشابة القادمة من الإسكندرية إلى أضواء القاهرة بلا عمل أو مأوى (!) فاستضافها في الفندق الرخيص وأحبها في سياق مُفتعل لتحب «عمر» لماله.

أما الحقيقة فنعرفها على مرحلتين بعد نحو ساعتين من عمر الفيلم؛ في الأولى يخبر «عماد» «منى»  أن زوجها «عمر»  قتل 8 من أهله عبر قصص مفتعلة ليرثهم؛ وإنه لم يكن يعمل في بريطانيا بل كان مسجونًا في العراق بعد سرقة 50 ألف دولار من رب عمله؛ أي إنه لم يكن يملك مالًا من الأساس يكفي لإدارة رؤوس أعمامه!

ثم تخبر «حنان» «عماد» ليلة زفافهما بعد قتل «المجذوب» لـ«عمر» زوجها السابق أنها كشفته على حقيقته وأنه الذي دبر قتل 8 من أفراد العائلة مع زوجها الراحل وتتواطأ مع الشرطة للقبض عليه مُعترفًا بعد أن أوهمته أنها سقته سُمًّا.

هل أعجبك النظام؟

طرفة مصرية تقول أن رجلًا أراد شراء دجاجة فذهب لمحل فخم من 6 أدوار في كل دور يتم سؤاله عن نوعية أو طريقة تجهيز الدجاجة التي يريدها؛ وفي الأخير يخبرونه بألا دجاج لديهم في المحل ويسألونه:

ـ لكن هل أعجبك النظام؟!

وعلى طريقة السؤال الأخير قدم المُنتج «وليد منصور» فيلمه الأول الذي هو عبارة عن مونولوج من «العك المتواصل» على مدار قرابة ساعتين ونصف بلا مضمون؛ بل لقطات من وسط البلد القاهري وتمثال طلعت حرب على طريقة فيلم «يعقوبيان»؛ ومحاولات لـ«منى زكي» التي بلغ بها الكبر حد تغير ملامح الوجه من الفنانة التي نعرفها، وهي تطارد شبح دورها في فيلم «أبوعلي»؛ فيما يُطارد «شريف منير» شبح دوره في «مافيا» وغيره، وكذلك يفعل «السقا»؛ وحاولت «ميرفت أمين» والممثلة اللبنانية «نور».

وتبدو مصر في الفيلم عقابًا لأهلها؛ ويسيئ صناعه لكل جميل فيها؛ فيما لا أمن جنائي يدقق وراء قتل 8 في جرائم واضحة، بل يشترك الضابط مع الشاعرة «نجوى» في محاكمة وإعدام «عماد» بعد زواجه منها؛ وهي تعترف له في «قسم الشرطة» وتحت سمع المباحث بأنه تزوجت «عماد» لترثه بعد إعدامه مثلما ورث وزوجها السابق عائلتهما.

بدا الفيلم في النهاية منظومة إساءة لم تجامل ولم تحاب ولم تحافظ على الوطن وكان صُناعه؛ بلا استثناء، يُشاركون الانقلابيين في ذلك ..حتى أن المأذون الذي عقد على «نجوى» و«عماد» في نهاية الفيلم كان يرتدي «العمامة الأزهرية» المعهودة في مواجهة الخادم الذي يرتدي «عبده» أو «سليمان عيد»؛ «نفس العمامة» في لقطة واحدة تختصر قدر الاستهزاء من الدين ورموزه في مصر الآن..بنفس القدر الذي سخر به الفيلم من أسماء جميع أبطاله بمخالفة فعالهم لها؛ مثلما سخر «أيمن قمر» من الشعراء الذين يمثلهم عبر «نجوى» البطلة الانتهازية التي تشكر الجميع طوال الوقت، مُبالغة في طريقة الراحل كابتن «لطيف»، وفي نهاية الفيلم تُضيف الخادم الذي جعلته يأكل فحل البصل على مائدة عائلة «الطيب» الراحلة!

أما قمة السخرية من المُشاهد نفسه فحكي «عماد» أو «أحمد السقا» لبقية احداث الفيلم من البداية للنهاية على طريقة «الفلاش باك» بعد إعدامه(!) فالبطل المُطلق في إسفاف سينما اليوم لا يموت وإن أُعدمَ..وكأنه يقرأ من رواية كان يكتبها في حياته بالقرب من تمثال طلعت حرب الذي لم يسلم هو الآخر من تشويه الفيلم بدس صور له في أحداثه بلا سبب منطقي!

المصدر | الـخليــــج الجــديــد

  كلمات مفتاحية

فيلم مصري يفضح يجرح لا يجامل