قلعة الرمل..و«هوليود المذهلة»: هل روت أمريكا «عطش العراق» في 2003؟

الخميس 27 أبريل 2017 07:04 ص

جملة في هذا الفيلم، الذي بدأ عرضه في دور السينما الأمريكية يوم السبت الماضي (21 من أبريل/نيسان الجاري) لو أن بطله «مات أوكر» أو المُمثل البريطاني «نيكولاس هولت» قالها في نهايته لكان الفيلم على مستوى المضمون والشكل أقرب إلى الدراما، قال «أوكر» لنفسه باسلوب الناريشين ( التعليق الصوتي):

ـ «لا يمكن وصف الحرب دون الشعور بالذنب..!».

من هذه الجملة انطلق الفيلم؛ الأعلى ميزانية في تاريخ الأفلام الأمريكية المُتناولة لحرب العراق حتى الآن؛ حتى وإن لم يُعلن صناعه عنها، وفيلم «Sand Castle» أو «قلعة الرمل» للمخرج البرازيلي  «فرناندو كويمبرا» يُصنف على أنه حربي درامي؛ ولو أنصف المُصنفون لجعلوه وثائقيًا مُعبرًا عن وجهة نظر «هوليود» الأمريكية في حرب العراق ولِمَ قالوا عنه أنه درامي؛ رغم الزج بمشاهد حتى النهاية تدل على ندم مشاركين من مُختلف الرتب العسكرية بل القس على المُشاركة في الحرب؛ ولو أن جملة الافتتاح جاءت في النهاية لكانت دليلًا، في رأينا، على رغبة صناعه ومنتجوه وموزعه الكثيرين، للحقيقة، في صناعة فيلم درامي متكامل غير منحاز!

السينما المستديرة

نشات أجيال عربية على جملة الراحل كابتن «لطيف» «الكرة مستديرة» أي أن كرة القدم تدور فتجعل الفريق المهزوم مُنتصرًا والنقيض بالنقيض؛ لكن هذه الأجيال من دول مختلفة، لما تعمقت في الحياة وجدت أن السينما الأمريكية هي المستديرة؛ فالمظلوم بداية من أهل أمريكا الحقيقيين «الهنود الحُمر» وأفلام «الكاوبوي» الشهيرة نهاية بأفلام الرعب و«حرب النجوم» الأشهر، مرورًا بأفلام «حرب العراق»؛ وفي جميع الأحوال فإن الأمريكي «السوبرمان» قادر على «لي عنق» الحقائق وإثبات أنه مظلوم من الجميع حتى القوى المجهولة الهوية، غير الموجودة إلا في خياله المريض، بالإضافة إلى مظلوميته من العراق التي أفنى الأمريكيون منه قرابة المليون ونصف المليون..وما تزال «هوليود» تدافع عن نفسها!

قصة حقيقية

كاتب الفيلم «كريس رويسنر»، في الواقع؛ هو بطله «مات أوكر» في الفيلم؛ ولكن عبر رؤية تجامل وتحابي وتظلم ولا تُنصف؛ يلتحق بطل الفيلم بفرقة المشاة الأمريكية متطوعًا في 11 من يوليو/تموز عام 2001م قبل أحداث 11 من سبتمبر/أيلول بأسابيع قليلة، وكانت رغبته أن يجد المال الكافي لإكمال تعليمه الجامعي؛ وحينما يؤمر بالذهاب إلى الكويت تمهيدًا للهجوم على العراق يشعر بأنه سيجلب معه الديمقراطية والحرية إلى أرض الرافدين.

لكن زملاءه في الكويت الذين يستعدون للهجوم على العراق يُعلمونه أنهم ذاهبون لتفريغ شحنة انفعالية غاضبة في بغداد حتى إن قادتهم يهدؤونهم قائلين:

ـ «إن لم تكونوا خائفين ..فستخافون..!».

يحاول «أوكر» في بداية الفيلم كسر يده بغلق باب السيارة «الهمر» العسكرية عليها مرات ليُستبعد من المشاركة فلا ينجح؛ وتبدأ رحلته مع فريق من المُشاة بقيادة الرقيب «هاربر باكر» المُمثل الامريكي «لوغان مارشال-غرين»، وبمشاركة 

عدد من الشباب الراغببين في العودة السريعة لإكمال حياة العربدة في (ديارهم)؛ وفي البداية يحاربون المجموعات المُسلحة العراقية في بغداد ويحزنون لعدم قدرتهم على قصف المسجد بلا سبب(!)؛ وحينما يأسرون مُقاومًا يذهبون به إلى المدافن قبل أن يلفظ أنفاسه..وحينما يكتشفون أنه حي يهمُّون بإطلاق النار عليه؛ بعد أخذ صور معه..ثم يتركونه ليذوب بفعل الحمى حتى الموت؛ وفي قصر «صدام حسين» تعجز الفرقة وفرق أخرى في الحصول على دليل واحد لإدانته رغم بقائهم فيه من مارس/أذار حتى يونيه/حزيران 2003م.

عطش «بعقوبة»

وفي خضم مسار الأحداث المنطقي عن فرقة تُحارب في العراق وترتكب الفظائع في حق «المقاومة المشروعة» للدفاع عن بلد لا ترحمه أمريكا؛ (بعيدًا عن الحكم عن غزو العراق للكويت أو إمكانية معالجة الأمر بطرق غير عسكرية)؛ وفي أجواء وثائقية تمامًا حتى أننا لا نلمح ظلًا لامرأة أمريكية لقرابة 100 دقيقة من فيلم مدته قرابة 105 دقيقة..وحينما يظهرن يكن كـ«كومبارس» لتسلية الجنود خلف الخط الاخضر في بغداد..

ولأسباب غير مبررة درامية يتم أخذ قرار بذهاب طرف من فرقة المُشاة المُشارك البطل وقائده فيها إلى ضواحي بعقوبة (50 كيلومترًا من الشمال الشرقي للعاصمة بغداد) وذلك للمشاركة مع القوات الخاصة لـ«سيفيرسون» أو «هنري كافيل» في مهمة إعادة المياه لقرية من ضواحي المدينة بعد قصف القوات الأمريكية لخطوط الإمداد.

من لحظة ذهاب الفريق بالإضافة إلى النقطة الأمريكية المُقيمة ينقلب الفيلم رأسًا على عقب فيصبح الأمريكيون ملائكة رحمة؛ وإن ارتكبوا فظائع فهم يعالجونها..وهم معذرون بسبب روح الخوف التي تتملكهم.

وهناك يتم لمز البنية التحتية العراقية المُتهالكة؛ والشعب الغارق في محبة حزب «البعث» وقهر الراحل «صدام حسين»؛ والكسالى العرب غير المُنظمين الراغبين في الحصول على الماء دون تفكير في إصلاح خطوط الإمدادات؛ وحين يقوم الأمريكيون الرحماء بدورهم..يُمعن المُقاومون في التقتيل فيهم..حتى ينقلب الجندي المتطوع المُسالم «أوكر» إلى «مصاص للدماء»، بخاصة بعد قتل المقاومة لـ«قادر» «نافيد نيغابان» لمجرد مساعدة القوات الأمريكية في نقل المياه للبلدة عبر مواسير جديدة نظيفة!

إشكاليات الغياب

لم يعد العرب غائبون عن المشهد العالمي بامتياز كقوة فاعلة بل صارت السينما الأمريكية تتعمد الإساءة إليهم عبر التصوير في بلادهم للأفلام المُسيئة؛ وفيلم الليلة تم تصويره بالكامل في الأردن للأسف..

أما المُخرج البرازيلي «فرناندو كويمبرا» فقال عن عمله الأول أنه مستوحىً من فيلم فيتنامي؛ وهو يقصد التمويه لا أكثر؛ مثلما تعمد دس مشهد هنا وهناك من مثل (البطل يستحم خلف الخط الأخضر الآمن في بغداد وهو يستمع صدى صوت العراقيين المُطالبين بالمياه في بعقوبة بعد ترك القرية ينهبها العطش وتقتل المقاومة أبطالها المُقاومين للعطش، من مثل مدير المدرسة قدير ـ المُتعاون مع الأمريكيين ـ ويُعلقونه عاريًا في سارية العَلم بعد حرقه).

ساهمت الموسيقى التصويرية لـ«آدم بيترس» في التشويق بخاصة عير الوتريات وإيهام المُشاهد أنه أمام فيلم درامي لا وثائقي؛ وأيضًا بث روح الرعب في داخله من المُقاومة العراقية وكانت لقطات ظهورها يُصاحبها إيقاع شجي كمؤثر صوتي خاص بظلمها للأبطال الأمريكيين الفاتحين المجددين للبنية العراقية التحتية المهترأة!

أما المونتاج فشابته أخطاء البداية من مخرج غير ملم بقواعده يُجاهد لجعل فيلمه منتصرًا للذات الأمريكية الممتلئة بالأنانية المُفرطة؛ ثم يتحدث عن أجواء فيتنام وكأن الفيلم هو اللقطة الأبرز للطفلة «نيك أوت» في 8 من يوليو/تموز 1972م وقد ساهمت الصورة في إنهاء الحرب..فيما الفيلم يمضي في الاتجاه المُكرس للكراهية للعرب والحث على مزيد من القتل وألامبالاة بهم..!

المصدر | الـخليــــج الجــديــد

  كلمات مفتاحية

هوليود أمريكا عطش العراق