هل تُغيّر ”خرائط السيادة“ من ”خرائط السياسة“ في دول الخليج ؟!

الثلاثاء 9 ديسمبر 2014 06:12 ص

عرف العرب لأول مرة مشكلات الحدود بين الدول في الأعوام التي تلت انهيار الدولة العثمانية وسقوط الخلافة الإسلامية التي ظلت مهيمنة على المنطقة لقرون طويلة حيث كانت حرية التنقل متاحة للجميع في إطار ما يعرف بـ«ديار الإسلام» ، ومع بداية الاستعمار والاحتلال الأوروبي للمنطقة ظهرت المنافذ الحدودية وتأشيرات الدخول المسبقة والهويات المحلية.

ورغم أن القوميين العرب الأوائل حاربوا الحدود بين الدول العربية فإن الأجيال التالية ساهمت في ترسيخ هذه الحدود الفاصلة بدعوى الوطنية والحفاظ على الثروات الطبيعية وأصبح التنقل بين أبناء القبائل العربية يتطلب الحصول على «تأشيرة مرور».

تاريخ من الخلافات  

ولا يتعلق الأمر بإرث الاستعمار فقط وإنما  بنشوء الهويات المحلية والوطنية التي دافعت عنها الدول العربية لدرجة بلغت نشوب الحروب بين الأشقاء حفاظاً عليها، بعد فشل كل محاولات الوحدة أو حتي إيجاد صيغ هادئة للتفاهم؛ وبسبب الأساليب التي اتبعت في رسم الحدود العربية، دون مراعاة لغياب الفواصل الطبيعية في الكثير من الأحيان وطبيعة السكان الرحّل في أحيان أخرى فإننا اليوم نكاد لا نجد دولة عربية لم تشهد خلافات حدودية .

وتحتفظ السعودية بنصيب الأسد بسبب خلافاتها مع جيرانها الكويت والعراق والإمارات واليمن وسلطنة عًمان وقطر والأردن.

ففي عام 1991، وصل الخلاف السعودي القطري إلى حد الاشتباك المسلح في «منطقة الخفوس»، ما أدى لسقوط قتلى من الجانبين، أما مع الكويت فقد استمر الخلاف لفترة طويلة حول ما يعرف بـ«المنطقة المحايدة» التي اتضح أنها غنية بالنفط، قبل توقيع اتفاق عام 1965 والذي لم يحل الخلافات في المياة الإقليمية حول عدة جزر تقع في هذه المنطقة.

وفي عام 1975، توصلت السعودية والعراق إلى اتفاق ينص على تقسيم «المنطقة المحايدة» بين البلدين، أما مع البحرين، فلم يبرز الخلاف إلا مطلع العقد الرابع من القرن الماضي، مع منح المنامة حقوق تنقيب في منطقة «فيشت أبو سعفة»، ولم يحل الخلاف إلا بعد عقدين عبر تقسيم المنطقة جغرافيا والاشتراك في منابع النفط فيها.

أما أبرز النزاعات الحدودية في الخليج فهو الخلاف الحدودي بين السعودية والإمارات، والذي أطلّ برأسه بعد استقلال دولة ‏الامارات في مطلع سبعينيات القرن الماضي. الخلاف كان حول« واحة البريمي»، التي كانت في الوقت ‏نفسه محل نزاع بين أبو ظبي وسلطنة عمان، والذي تم حسمه باقتسام المنطقة، ست قرى لإمارة ابوظبي ‏وثلاث لسلطنة عمان. وبعيداً عن منطق الحل بالتراضي، فرضت السعودية على الإمارات صفقة ‏مجحفة عندما تراجعت عن مطالبها في منطقة «العين» وصحراء «الظفرة» وفق اتفاقية جدة للحدود مع ‏الإمارات سنة 1974، مرفقة ذلك باعترافها بدولة الإمارات، وحصلت في المقابل على «سبخة مطي» ‏الغنية بالنفط و«خور العديد» وجزء من المثلث الجنوبي ، وطويت صفحة الخلاف على هذا الوضع قبل أن يعود للبروز من جديد مع احتجاج السعودية أخيراً على ظهور المنطقة في الهويات الإماراتية.

وبالنسبة للنزاع حول مناطق «الربع الخالي» بين سلطنة عُمان والسعودية فقد وضعت اتفاقية لتنظيمه عام 1990، تحفظ عليها اليمن التي كانت منقسمة آنذاك بدورها بين الشمال والجنوب. وفي الجنوب تبرز قضايا الحدود بين سلطنة عُمان واليمن، وفي الشرق بين قطر والبحرين،وهناك أيضاً قضايا الحدود بين الإمارات وسلطنة عمان

وبالنسبة لقطر والبحرين، فيعود الخلاف بينهما حول «جزر حوار »إلى العقد الثالث من القرن الماضي، ولم يحل حتى عام 2001 بقرار من محكمة العدل الدولية –أسوة بما فعلته في حل الخلاف بين اليمن وإريتريا في جزر حنيش بالبحر الأحمر- التي استجابت للكثير من المطالب البحرينية بعد أن فشلت جميع الوساطات بين البلدين، علماً أن البحرين ما زالت تشكو بين الفينة والأخرى من قضية ثانية تتمثل في الكتابات التي تظهر في إيران وتدّعي تبعية الجزيرة بكاملها لإيران.

أما الشكل الأكثر دموية للنزاعات في الخليج فكان الغزو العراقي للكويت، بعد أن وصفت بغداد الكويت بأنها المحافظة رقم 19 في العراق، وتبقى قضية الجزر الإماراتية الثلاثة «طنب الصغري» و«طنب الكبرى» و«أبوموسى» التي تحتلها إيران أحد أبرز قضايا النزاع على الأرض في المنطقة.

السعودية وجيرانها

ويسود اعتقاد بين المتابعين لتطور النزاع الحدودي في الجزيرة العربية إلى أن أصل المشاكل الحدودية يعود إلى الخرائط التي رسمها البريطانيون للمنطقة، لكن ‏الشراهة السعودية هي التي جعلت من هذه المسألة لغماً موقوتاً قابلاً للانفجار على الدوام. والسمة ‏العامة هي أن السعودية على خلاف حدودي مع كل دول المجلس الخمس، كما أنها طرف في بعض ‏الخلافات متعددة الأطراف.

ويبدوا أن الخلافات الحدودية وجدت طريقها للحوار بين ملوك الخليج عبر قنوات سرية مع الحفاظ على عدم تأثر الأجندة السياسية والأمنية لدول مجلس التعاون بالخلافات الحدودية التاريخية الكبيرة ، إلا أنها لا تلبث أن تتفجر فجأة وتترجم أحياناً لمواجهات سياسية وعسكرية محدودة مثلما حدث في المياة الخليجية بين السعودية والإمارات عدة مرات.

ورغم أن الأجندتين السعودية والإماراتية في المنطقة تبدوا متشابهة لحد كبير إلا أن الخلاف الحدودي يظل قائماً، وربما يجد يلقي بظلاله على ملفات أخرى مثل ما حدث في مشروع العملة الخليجية الموحدة، ‏بعدما انسحبت الإمارات رسمياً من المشروع، كما سجلت معارضتها لاختيار الرياض ‏مقراً للمصرف المركزي الخليجي. ورغم ذلك لم تعر السعودية الموقف الإماراتي اهتماماً، وسارت في ‏ترتيبات إقرار العملة الخليجية ، رغم انسحاب الإمارات وسلطنة عمان من المشروع.

ولعل هذه الخلافات قد ألقت بظلالها أيضاً على موقع دول المجلس الرافض والمتحفظ على مشروع «الاتحاد الخليجي» الذي سبق وأن طرحته المملكة العربية السعودية، ويأتي تحفظ معظم الفرقاء الخليجيين عليه -وفقاً لنظر المحللين- أنه ربما قد يكون باباً لتكريس الهيمنة السعودية على الفرقاء الخليجيين وإعطاء السعودية اليد الطولى في النزاعات بين دول المجلس، وبخاصة النزاعات الحدودية.

المصدر | الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

النزاعات الحدودية مجلس التعاون الاتحاد الخليجي العملة الخليجية

السعودية: بدء تنفيذ مشروع أمن الحدود مع اليمن وسلطنة عمان

السعودية تعزز إجراءت الأمن علي الحدود شديدة التحصين مع العراق

رئيس الوزراء البحرينى من جدة: الاتحاد الخليجي هو الخيار الأوحد لمواجهة الأخطار

التمييز بين لعبة السياسة والقيم الإنسانية