استطلاع رأي

أي من هذه الدول تمارس الدور الأكثر إيجابية في حرب غزة؟

السعودية

مصر

قطر

إيران

تركيا

أهم الموضوعات

طبقات اليمين الإسرائيلي وبصيرة دا سيلفا

عن أوهام التفاؤل الأميركي

أزمة اقتصاد مصر وانتظار الفرج من الخارج

نحو وقف الحرب على غزة

سيناريو اليوم التالي للحرب

السياسة وإدارة الرأي العام

الأحد 30 أبريل 2017 03:04 ص

يهتم علماء السياسة ودارسو الإعلام بمسألة الرأي العام وقياس توجهاته وتحوّلاته عبر الزمن. والرأي العام خاصةً في الدول الديمقراطية، يلعب دوراً مهماً في صناعة القرار السياسي، الداخلي منه والخارجي. وحتى في الدول التقليدية، فإن الاستماع إلى الرأي العام والاهتمام به وأخذ توجهاته يعتبر من أساليب الحكم الرشيد، أياً كانت أشكال وتوجهات الأنظمة السياسية السائدة في تلك المجتمعات.

وقد تذكرت أهمية الرأي العام هذا الأسبوع حين قامت الحكومة السعودية بإصدار قرار شجاع أمرت فيه بإعادة البدلات لموظفي القطاع الحكومي الذين يصل تعدادهم إلى نحو مليون ومائتي ألف موظف، أو 80% من العاملين في مختلف القطاعات الاقتصادية في البلاد. 

وكان قرار تجميد هذه البدلات قد اتُّخِذ في شهر سبتمبر الماضي، إثر تراجع أسعار النفط، وكانت هذه البدلات تمثل 30% من دخل الموظف الحكومي في المتوسط في الشهر الواحد. علماً بأنّ راتب الموظف الحكومي يصل إلى نحو 40-50% من راتب موظفي القطاع الخاص، الذين يحملون نفس المؤهلات العلمية.

وقد أثّرت تلك الاقتطاعات في الفترة الماضية على قدرة معظم موظفي الدولة على مواجهة الأعباء المالية المتزايدة، والتي تمثّلت في زيادة فواتير المياه والكهرباء وغيرها من الخدمات البلدية بشكلٍ كبير. واضطرّ عدد كبير منهم إلى اللجوء إلى القيام بأعمال أخرى في فترة ما بعد الظهيرة لمواجهة مصروفات العائلات الكبيرة في المملكة، والتي يصل حجمها إلى ثمانية أفراد في المتوسط.

ولاشكّ أن السياسات الاقتصادية التي بُنيَ عليها القرار السابق كانت سياسات واقعية، حيث شهدت أسعار النفط في العام الماضي انخفاضاً كبيراً من أكثر من 100 دولار إلى نحو 35 دولاراً للبرميل.

غير أنّ تعافي أسعار النفط إلى ما فوق 50 دولاراً في الوقت الحالي، قد ساعد في زيادة فائض الميزانية، وسمح للحكومة بإعادة الإعانات المجمّدة للموظفين الذين هم بحاجة إليها، وخاصةً أنّ مصروف العائلات السعودية يتضاعف مرات عديدة خلال شهر رمضان المبارك الذي سيحلّ علينا بعد أسابيع قليلة.

والنقطة الرئيسية هنا هي أنّ أسعار النفط تواجه مساراً تنازلياً عبر الزمن ولن تعود إلى ما كانت عليه من قبل، ويتطلب ذلك من الجميع، حكومات وأُسراً، تقليص الإنفاق ومحاولة العيش ضمن حدود ميزانيات محدودة، سواءً كانت خاصة بالحكومة، أو بالأفراد والأسر. غير أن سياسات تقليص الإنفاق تتطلب بعضاً من التدرّج، وعدم إنهاك الأفراد خاصةً من ذوي الدخل المتوسط أو المحدود. 

وقد تعوّدت الأنظمة السياسية في دول الخليج على سياسات التدرّج والتريّث، سواءً في السياسات العامة، أو في السياسات الاقتصادية. ومثل هذا التوجّه هو تقليد تاريخي وأمر محمود. غير أنّ بعض الشركات التي تقدِّم النصح لصانع القرار الاقتصادي لا تنظر للأسف للمجتمعات العربية أو الخليجية من الداخل. 

فهي تقدّم نماذج صلبة، مصاغة من قِبل خبراء اقتصاد من خارج البلدان المعنيّة، ولا يعرفون في الغالب كُنه المجتمعات العربية والخليجية. ولطالما علّمنا أساتذتنا في الاقتصاد بأنّ علم الاقتصاد، مع أنه يستخدم نماذج رياضية وإحصائية، إلا أنه علم من العلوم الاجتماعية.

فإذا كان الأمر كذلك، فإن الخبير الاقتصادي ينبغي عليه الاستعانة والاستشارة برأي الخبير السياسي، لأنه أعرف الناس بمجتمعه ولأنّ السياسات الاقتصادية هي في النهاية سياسات تؤثر بشكلٍ مباشر على الأفراد والأسر وعلى دخولهم ومستوى معيشتهم سلباً أو إيجاباً.

والنماذج الاقتصادية ينبغي لها أن تكون نماذج حيّة تتعايش مع المجتمع وتفهمه، وتحاول أن تتواصل مع متطلباته وتطلّعاته. وهذا لا يعني أنّ هذه النماذج أو السياسات يجب أن تجامل المجتمعات المعنيّة بقدر ما تكون حيّة وفعّالة، ومرنة بقدر الإمكان. لأننا نتعامل مع مجتمعات حيّة لها رغباتها وتطلّعاتها. 

ولا يعني هذا أيضاً أن المجتمعات لا تتعايش أو تتفاعل مع المتغيرات الاقتصادية، بل على العكس من ذلك، فجزء من الحلّ في مجتمعاتنا هو تشجيع تقليص حجم العائلة الكبير إلى عدد أقل، وبالتالي سيضمن ذلك تقليص حجم الطلب ومتطلّبات العيش للأسر الكبيرة. فمجتمعاتنا الأولى التي كانت مواردها قليلة، كان عدد أفرادها أقل. وتشير بعض الدراسات التاريخية إلى أنّ عدد سكان المملكة العربية السعودية في بداية القرن العشرين لم يكن يتجاوز مليوناً ومائتي ألف من السكان.

وفي بلدان أخرى مثل إيطاليا على سبيل المثال، فإن الحل للأزمات الاقتصادية التي واجهتها في بداية القرن الماضي، كان تقليص حجم العائلات، أو زيادة الهجرة إلى البلدان الجديدة في الولايات المتحدة وأستراليا وغيرها. 

ومثل هذه السياسات طبّقها الناس بشكلٍ عفوي، أو بشكلٍ موجّه في كلٍ من إيرلندا واليابان، خلال القرن الماضي. وكل ذلك يعني أن السياسات العامة والسياسات الاقتصادية كلٌّ لا يتجزّأ، والتواصل بينهما ومعرفة تشعباتهما من الأمور الجوهرية في جميع بلدان العالم.

* د. صالح عبد الرحمن المانع  أستاذ العلوم السياسية بجامعة الملك سعود

المصدر | الاتحاد الظبيانية

  كلمات مفتاحية

السعودية إدارة الرأي العام أزمة أسعار النفط عجز الموازنة التقشف الحكومي اقتطاع البدلات الحكومة السعودية خفض الدعم