مجموعة الأزمات الدولية: قرارات «السيسي» الاقتصادية غير حكيمة والدعم الخليجي انتهى

الأحد 30 أبريل 2017 02:04 ص

اعتبرت مجموعة الأزمات الدولية أن ما وصفته بالتقارب الأوروبي مع مصر يهدف إلى المضي قدما في الإصلاحات الاقتصادية، وهو تحدي كبير  للدولة البالغ عدد سكانها 90 مليون نسمة والتي لازالت تعاني من تبعات عدم الاستقرار السياسي الذي خلفته ثورة 25 يناير/كانون ثان عام 2011.

وقالت المؤسسة الأمريكية غير الحكومية التي تهدف لمنع الصراعات في العالم في تقرير لها على موقعها على الإنترنت إن الاقتصاد المصري بات يعاني ضغوطا كثيرة، وهو المصدر الأكبر والأخطر لعدم الاستقرار المحتمل، مشيرا إلى توقيع مصر في نوفمبر/تشرين ثان الماضي اتفاقية مع صندوق النقد الدولي تحصل بموجبه على قرض 12 مليار دولار لدعم اقتصادها.

وأضافت أن قرار تعويم الجنيه المصري أدى إلى خفض قيمته أمام الدولار بأكثر من النصف تقريبا، وارتفع معدل التضخم بشكل غير مسبوق.

وفي فبراير/شباط 2016، كشف الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، (حكومي)، عن ارتفاع معدل تضخم السلع الغذائية إلى 41%.

وأضافت أن الحكومة خفضت دعم الوقود والطاقة في نوفمبر/تشرين ثان عام 2016، بينما التهم التعويم الكثير من مدخرات المصريين، حيث أصبحت الواردات باهظة الثمن.

واعتبرت المؤسسة الأمريكية في تقريرها أن قرارات الرئيس عبد الفتاح السيسي الاقتصادية كانت غير حكيمة في غالبية الأوقات، حيث استثمر في مشروعات لا طائل من ورائها  على المدى القصير وذات عوائد غير مؤكدة، مثل مشروع توسعة قناة السويس الذي تكلف الكثير، وعزز بشكل كبير واردات الأسلحة في الوقت الذي أرجأ فيه قرارات هامة مثل تعويم الجنيه، الذي يرى الخبراء أن تأجيله فاقم من انهيار العملة.

وأضاف التقرير أن قرارات السيسي الاقتصادية جاءت دائمًا كرد فعل، ولم يصدر قرارا إلا وهو واقع تحت ضغط، على سبيل المثال، عندما أراد الحصول على ضمان لتغطية قرض صندوق النقد الدولي من أجل سداده في 2018.

ومن المرجح أن يتم سداد ديون بقيمة 12.9 مليار دولار في عام 2018 (حتى لو كان بعضها مستحقا لدول الخليج، وقد يتم يتم شطبها بهدوء) وعلى الرغم من حصوله على هذا الضمان من دول الخليج، بلغ الدين العام 98% في ميزان المدفوعات، على الرغم من اعتقاد خبراء بأنها أعلى، وهو ما يشكل أزمة أخرى أمام السيسي.

واستدرك التقرير: "تتبع الحكومة المصرية خطط الإصلاح الاقتصادي -بعضها قد يسبب ألما على المدى القصير، وهو ما ترفضه قطاعات كبيرة من المجتمع.

كما أنه كثيرا ما تيتم اتخاذ قرارات اقتصادية هامة دون إجراء مشاورات مع المعنيين بالأمر، وبدون شفافية أو استراتيجية اتصالات مناسبة. حتى أن أنصار السيسي في صفوف نخبة رجال الأعمال في مصر يبدو مهمشين، في حين أن الجيش قد اضطلع بدور كبير في تنفيذ بعض المشاريع الاقتصادية الكبرى وأصبح له نصيب الأسد في الاستثمارات، وغالبا دون التنسيق مع شركاء القطاع الخاص.

وأعلنت الحكومة عن منطقة صناعية واعدة في منطقة قناة السويس ولكن دون استشارة المستثمرين المحتملين حول احتياجاتهم.

وفي الوقت نفسه، لجأت الأجهزة العسكرية والأمنية إلى استخدام المعونة الأجنبية، مما أدى في كثير من الأحيان إلى تأخر طويل في تنفيذ المشاريع أو حجب تلك التي لا تروق لها.

ويعد الاقتصاد متقدم نسبيا، وتتمتع البلاد بكل من شخصيات القطاع الخاص الناجحة للغاية والتكنوقراط الموهوبين.

ومع ذلك، وكجزء من الانعكاس الأوسع للانفتاح الديمقراطي في الفترة من 2011-2013، تدير الحكومة تتجاهل بناء توافق للآراء بشأن القضايا الاجتماعية والاقتصادية الرئيسية. وكثيرا ما تبدو مهتمة أكثر بتأمين المعونة الخارجية، ولا سيما الدعم المباشر للميزانية، أكثر من التفكير الحقيقي في ما ينبغي أن تكون عليه خطة الإصلاح وكيفية تنفيذ جداول أعمال المانحين.

وأردفت: وعلى الرغم من سياسة الإصلاح الاقتصادي التي تتبناها الدولة، إلا أنها قد تتغاضى أو تتجاهل بعض هذه الإصلاحات الاقتصادية نتيجة وجود معارضة سياسية من قبل بعض مؤسسات الدولة، وهذا يبدو متناقضًا في ظل نظام يبدو غير ديمقراطي في طبيعته العامة، إلا أن مصر قد تبدو في كثير من الأحيان دولة ذات طبيعة سلطوية وتعددية في آن واحد، وعلى الاتحاد الأوروبي أن يضع ذلك في الاعتبار عندما يشارك في الإصلاحات الاقتصادية المصرية، فلا يمكنه الاعتماد على الشراكة وحدها.

وهناك أمثلة كثيرة. فعلى سبيل المثال، عرقل البرلمان، على الرغم من تأييد أغلب النواب للسيسي، خلال العام الماضي إصلاح الخدمة المدنية الذي سعى إلى معالجة مشكلة البيروقراطية المتضخمة.

 وعلى الرغم من أن القطاع الخاص دعم الإصلاح، وسعت الرئاسة إلى فرضه، كان على البرلمانيين (الذين ليس لمعظمهم انتماءات حزبية وانتخبوا كمستقلين) أن يأخذوا في الاعتبار سبعة ملايين من موظفي الخدمة المدنية (والناخبين) الذين تصل رواتبهم إلى ربع الميزانية السنوية.

العديد من هؤلاء البرلمانيين أنفسهم هم موظفون مدنيون سابقون وهو سبب آخر لعرقلتهم الإصلاح ومن المرجح أن يلقى قانون الاستثمار الجديد المقترح نفس المصير.

كما أن السلطة القضائية تقاتل محاولات التعدي عليها من السلطة التنفيذية. ويمكن النظر إلى لجوء الرئاسة إلى قانون الطوارئ لتجاوز القضاء العادي، فضلا عن الضغط المباشر على القضاة، وهو ما سيكون له أثر سلبي على سيادة القانون وعلى بيئة الاستثمار.

وتواجه مصر معضلة صعبة، فمنذ انقلاب 3 يوليو / تموز 2013 ضد الرئيس المنتخب محمد مرسي، قام الاتحاد الأوروبي، بعد فترة أولية من الحذر، بتطبيع العلاقات إلى حد كبير مع النظام الذي يقوده الجيش.

الاستقرار أكثر أهمية من الإصلاح

واحتضنت عدة دول أوروبية بشكل علني السيسي رغم حكم نظامه القمعي، حيث رأت أن الأولوية هي المساعدة على تقوية مصر حتى تتمكن من تحمل الاضطرابات المحلية والخارجية على نحو أفضل.

وقد تعزز هذا النهج من وجهة نظر قوية بين العديد من الدول الرئيسية - لاسيما (إسرائيل) والسعودية والإمارات، ومؤخرا الولايات المتحدة تحت إدارة دونالد ترامب - وهي أن استقرار مصر هو أكثر أهمية من إصلاحها.

وبهذا المعنى بدأت العلاقات بين الاتحاد الأوروبي ومصر تشبه إلى حد بعيد ما كانت عليه خلال عهد الرئيس المخلوع حسني مبارك.

وقد يكون هذا خطأ أيضا: فالسياسة المستقطبة في البلاد واستبداد السلطة هي في صميم عجزها عن نزع فتيل خطر التطرف والشروع في طريق مستدام لإصلاح مؤسسات الدولة المتصلبة.

ورغم مرور ثلاث سنوات على حملة الجيش في سيناء والتشريعات الصارمة لمكافحة الإرهاب، فإن تنظيم الدولة الإسلامية في سيناء يبدو الآن أكثر ثقة وجرأة.

كما ينظر إلى الأجهزة الأمنية على نطاق واسع بأنها غير فعالة، حتى مع قيام نظام السيسي بمضاعفة إجراءات الأمن من خلال إعلان حالة الطوارئ والتهديد بإغلاق وسائل إعلام هامة.

وهذا يمثل انتكاسة لنداء مصر للسياح والمستثمرين ويسبب حلقة مفرغة من القمع والعنف المتطرف دون التصدي للعوامل السياسية الكامنة، وكل ذلك في ظل تصاعد التوترات الاجتماعية والاقتصادية.

واعتبر التقرير أن تحقيق الاستقرار في مصر بطريقة مستدامة لن يحدث بدون وجود حكومة مستعدة لمعالجة الهوة الآخذة في الاتساع بين دفاع النظام عن صنيعته من العلمانية المتشددة وتطرف خصومها الإسلاميين المتزايد.

وستعتمد مصر والاتحاد الأوروبي أولويات الشراكة بينهما للفترة 2017-2020 في يونيو/حزيران 2017.

ومن المتوقع أن يشمل ذلك دعم التنمية الاقتصادية والاجتماعية المستدامة في مصر، فضلا عن تعزيز التعاون في مجال السياسة الخارجية، ولا سيما في مجالات الحكم الديمقراطي والأمن والهجرة.

 وسيقوم الاتحاد الأوروبي أيضا بتنفيذ برنامج جديد للمساعدة لدعم هذه الأولويات المتفق عليها.

وفي الأشهر القليلة الماضية من المفاوضات، قاومت مصر ما تعتبره تدخلا سياسيا في شؤونها الداخلية، ولا سيما فيما يتعلق بمسائل حقوق الإنسان والمجتمع المدني والتعددية السياسية، على الرغم من أن هذه القضايا مشمولة باتفاقية الشراكة بين مصر والاتحاد الأوروبي.

 وعلاوة على ذلك، يعتقد العديد من المسؤولين الأوروبيين أن لديهم القليل من النفوذ على مصر نظرا لعزم حكامها على الحفاظ على نهجهم الحالي بأي ثمن.

ويبدو أن كل من الاتحاد الأوروبي والدول الأعضاء فيه يميلون إلى العودة إلى الوضع القائم قبل عام 2011 رغم أن مصر أصبحت مختلفة جدا. وهذا يمكن أن يصل إلى حد كبير لاستراتيجية النعام.

ومن المقرر إجراء انتخابات رئاسية في عام 2018، مع إجراء انتخابات برلمانية في عام 2020؛ أما الانتخابات البلدية فقد تأخرت كثيرا عن موعدها. ويضغط مؤيدو السيسي لإجراء تعديلات دستورية على النص الخاص بتحديد فترة الرئاسة.

كل هذه تمثل نقاطا سياسية محتملة. ولن يكون من الحكمة وغير الواقعي دعم الإصلاحات الاقتصادية لمصر الشريك في قضايا مثل مراقبة الهجرة أو مكافحة الإرهاب - دون أخذ هذا السياق في الاعتبار والدفع باتجاه بيئة أكثر شمولية يمكن أن تساعد في نزع فتيل هذه الأزمات المحتملة. ويمكن اتباع عدة مبادئ عامة.

أولا، يجب على الحكومات الأوروبية أن تضغط من أجل إحراز تقدم بشأن القضايا التي تناولتها الأحزاب السياسية والمجتمع المدني المصري، مثل إزالة القيود المفروضة على تمويل المجتمع المدني (خاصة الأجنبية والمحلية أيضا) وتنظيم قانون التظاهر، وسيادة القانون في ظل حالة الطوارئ.

ونتیجة لذلك، ینبغي علیھم ضمان استمرار المشارکة مع شرائح المجتمع المصري أكثر من الدولة، والإصرار علی أن تکون الأحزاب السیاسیة ومنظمات المجتمع المدني قادرة علی العمل بدرجة من الأمان.

ثانيا، يجب على أوروبا أن تبقي قنوات الاتصال مفتوحة حتى مع المعارضة، بما في ذلك العناصر التي لها القليل من التقارب معها، وصنفها النظام المصري بالجماعات الإرهابية - مثل جماعة الإخوان المسلمين، وكذلك أعضاء التحالف المناهض للانقلاب.

وينبغي أن تستخدم تلك القنوات لدفع تلك العناصر نحو الاعتدال والمصالحة في نهاية المطاف مع النظام، مهما كان يبدو غير معقول اليوم. ولا تزال هذه المجموعات تتمتع بدعم محلي كبير. إن تجاهلهم او تبني موقف النظام تجاههم سيكون قصير النظر وله نتائج عكسية

لذا يجب على أوروبا أن تسعى لاستخدام دعمها المالي لإقناع مصر بالتحرك في اتجاه سياسي بناء أكثر. الفكرة القائلة بأن لها نفوذا ضئيلا على مصر هو اقتراح لم يتم اختباره؛ خلافا لما حدث في 2013-2014، يجب ألا تتوقع  مصر دعما ماليا تلقائيا من دول الخليج العربي والذي دأب على مساعدته منذ الانقلاب.

وعلى أقل تقدير، يجب على أوروبا ضمان أن تبقى القضايا السياسية الأساسية على رأس جدول أعمالها، وأن تبقى على اتصال مع مجموعة كاملة من الجهات الفاعلة المصرية.

  كلمات مفتاحية

مصر الجيش السيسي إصلاحات اقتصادية الخليج أوروبا