أنهت القائدة العمالية الألمانية، من أصل بولوني، روزا لوكسمبورغ مقالة شهيرة لها حول الأول من مايو، عيد العمال العالمي بالقول: «حين يطل فجر أيام أفضل، حين تبلغ الطبقة العاملة العالمية غاياتها، فآنذاك أيضاً، قد يجري الاحتفال بالأول من مايو/أيار على شرف النضال المرير، وعذابات الماضي الكثيرة».
هذه كانت نبوءة، ولكن نبوءة القلوب العظيمة تتحقق بكل دقة وجلال كما يقول المفكر الفرنسي أناتول فرانس. صحيح أن عمال العالم لم يحققوا كل ما كانوا يطمحون إليه، حين انبثقت فكرة الاحتفال بيوم للعمال، يؤكدون فيه على حقوقهم ومطالبهم، لكنهم حققوا الكثير من المكتسبات على هذا الطريق، سواء على صعيد التشريعات المنظمة للعلاقة بين العمال وأصحاب العمل، أو على صعيد الأوضاع الفعلية للعمال، مقارنة بما كان عليه الحال قبل قرن وأكثر.
وسرعان ما تخطى الاحتفال بهذا اليوم نطاقه الوطني الخاص ببلد أو مجموعة بلدان، ليصبح يوماً عالمياً بل إنه غدا عطلة رسمية في الكثير من بلدان العالم.
يظل أن المظالم الاجتماعية التي يعانيها العاملون بأجر ليست قليلة في عالم اليوم، وما زال هناك الكثير مما يتعين العمل في سبيل تحقيقه على صعيد الارتقاء للمستويات المقرة دولياً في هذا المجال، مع ملاحظة ما جرى من تغييرات جوهرية كبرى في بنية الطبقة العاملة.
فمع تحول قطاع الخدمات إلى قطاع فاعل ومؤثر وربما أكثر حضوراً من القطاعات الأخرى وفي ظل تزاوج الجوانب الإنتاجية وغير الإنتاجية في قطاع الخدمات لا بد من التفكير بمفاهيم جديدة في تأطير الطبقات من وجهة نظر سوسيولوجية.
على صلة بهذا، فإن العولمة طرحت وتطرح قضايا مستجدة لم تكن معروفة سابقاً، وتطرح على المستوى العالمي مهمة العمل في سبيل عولمة ذات وجه إنساني، بديلاً عن نموذجها الراهن الذي لا يزال يهمّش الأطراف لصالح المركز الرأسمالي العالمي.
يمر الأول من مايو وعالمنا العربي يعاني الكثير من استمرار وارتدادات الأزمات التي تعصف بالكثير من بلداننا، المبتلاة بالاحتلالات والتدخلات الأجنبية فيها، أو تعيش ظروف الاقتتال والاحتراب الأهلي، وما ترتب على ذلك من انهيار الدولة أو ضعفها وتراخي سيادتها على أراضيها، وتدمير الاقتصاد الوطني، وتحلل الطبقات الوسطى وانهيارها، وإغلاق المصانع والورش ومؤسسات كانت تستوعب آلاف العمال الذين وجدوا أنفسهم مشردين عن مدنهم وقراهم، ما يجعل الحديث عن إحياء هذه المناسبة ترفاً أمام أولوية استعادة الأمن والاستقرار.
* د. حسن مدن كاتب من البحرين