استطلاع رأي

أي من هذه الدول تمارس الدور الأكثر إيجابية في حرب غزة؟

السعودية

مصر

قطر

إيران

تركيا

أهم الموضوعات

طبقات اليمين الإسرائيلي وبصيرة دا سيلفا

عن أوهام التفاؤل الأميركي

أزمة اقتصاد مصر وانتظار الفرج من الخارج

نحو وقف الحرب على غزة

سيناريو اليوم التالي للحرب

مشكلة السعوديين .. قراءة في الظواهر والمتغيرات من خلال الوقائع وتحولات المجتمعات

الأربعاء 10 ديسمبر 2014 04:12 ص

لا أريد هنا أن أشخِّص المشكلة السعودية، التي يعاني منها كل من دب على الأراضي السعودية طولاً وعرضاً، بالدراسة المتعمقة الفاحصة، ولاسيما بعدما تداخلت الثقافات، وتماهت العادات والتقاليد، وتوحدت الرؤية الدينية، والتطبيقات العقدية، ولن أقوم بتحليل علمي فلسفي يدرس الظواهر الاجتماعية، بدلائلها ومدلولاتها وأسبابها ومسبباتها، فهذا بحث يُترَك لأساتذة العلم المنهجيين والممنهجين.

لكني سأقرأ بعض الظواهر والمتغيرات، من خلال الوقائع والتحولات التي مرت بها مجتمعاتنا -وأقول مجتمعاتنا-، على خلفية أن السعوديين كانوا قبلاً يمثلون مجتمعات متنوعة، لها عادات وتقاليد خاصة، ومذاهب متعددة، ثم أصبحت تشكل كلاً يشي بنموذج سعودي لا يمكن أن نرى إلا من خلاله.

وبغض النظر عن الأحكام المبنية على هذا التصور، سواءً أكانت سلبية أم إيجابية، وإن بدت في الكثير الغالب تشي بالمعنى الأول، ومع هذا سنتجاوز إصدار الأحكام المسبقة من دون معرفة واقعنا الحقيقي، عقب تشكيل يمتد إلى أكثر من 100 عام، ولكي أقطع الطريق أمام صرامة الواقع الذي لو استسلمنا لمعطياته لهوى بنا في فخ النتائج الصادمة.

لنبدأ إذنْ من حقيقة مفادها بأن السعودية تشكلت من وحدات لم يكن ينتمي بعضها إلى بعض بشكل مباشر، عدا ارتباطها بصحارى وفيافٍ واسعة، يستغرق قطعها أياماً وليالي، وهو ما استتبع لاحقاً أن تعمل الدولة الناشئة حديثاً عقب ما استقرت هذه المناطق تحت حكمها، على توطيد الأمن وتوفير الغذاء ومحاربة الأمراض المتفشية ونشر التعليم، لذلك وكإجراء عملي سريع وطنت البادية في هجر مفتوحة على المراعي، وتركت حتى يومنا هذا من دون إجراء أدنى تغيير يذكر، وهو ما أرهق الدولة فيما بعد جراء ملاحقة متطلباتها، وحل مشكلاتها، واضعة إياهم في إشكالية وجودية، مع مظاهر التحديث التي كانت تمر بها البلاد ولا تزال.

فبات البدوي منقسماً بين تبعات موروثه المرتبط بالرعي، وبين مظاهر الحضارة والتمدن بوسائلها الحديثة، التي أصبحت تغازل أرواحهم المتطلعة للتغير على خجل وخوف من التورط بها.

لذلك ظلت هذه الهجر تراوح بين تكوين مدني ظاهري وتكوين بدوي عميق، لا يفتأ يبرز بقوة عند التداعي لأمر ما، كرست لوجودها أخيراً بطريقة تظاهرية وتمظهرية تجلت بـ(مزاين الإبل) التي ألهبت حماستهم؛ لتأكيد الانتماء، وهو ما أوجد تقسيماً طبقياً قبلياً جديداً، داخل البنية القبلية السعودية، خلقت بدورها تمايزاً قدح شرارة الفتنة، التي نتج منها بعض الوقائع المأسوية.

هذا التأجيج الأصولي الطبقي دفع بكثير من أهل الحاضرة للاشتغال المحموم بالبحث عن الأصول؛ للتأكيد على الهوية التاريخانية المتصلة بالدم، وبناءً عليه أضحى التقييم الإنساني للسعوديين مبنياً على هذا الانتماء، فهو أول ما يُسأل عنه عند التلاقي والتعارف البشري، وعند القبول والتسجيل في الجامعات والمدارس، وعند التعيين والترشيحات، فتصدر لها ممتهنون كممتهني الشعوذة والدجل، من عرَّافين وسحرة.

فقد استطاعت الهجرة البدوية سحب المدينة باتجاهها بانتصار ساحق على كل مكوناتها الحضارية، من مؤسسات تعليمية وثقافية، ولاسيما عقب تغلغل أبنائها الذين حملوا معهم قيم الهجرة المستحدثة في المجمعات الحضرية.

لم يراعَ عند تكوينات هذه الهجر المتناثرة في صحراء الجزيرة العربية ارتباط قاطنيها الوطيد بالصحراء وثقافتها، التي يجب أن تعزز باتجاه وطني مختلف يخدم المواطن الجديد، بأن تمزج هذه بقيم المدنية الحديثة، ما كان ليحدث بمعزل عن تحويل هذه الهجر الصغيرة إلى مجمعات سكانية أوسع وأشمل، وأن تتقارب لتشكل مدناً معززة بكل الخدمات؛ ليتحقق لها التنوع الديموغرافي والتشكل الحضري بعداً مختلفاً يخرجها عن مركزية العرق والاستبداد الفئوي.

يقابل هذه الهجر المستحدثة المدن العريقة التي أصبحت ملاذاً للباحثين عن الرزق، فخضعوا لطقوسها وعاداتها وتقاليدها، وحتى لهجاتها، كما خضعوا من دون أي إسهام منهم يذكر لقوى التغيير فيها، المحكومة بأحادية الاتجاه، ووحدوية المنهج الجديد، الذي لم يكن قابلاً بأي حال للتنازل أو المهاودة.

لذلك وأمام استسلامية مطلقة لهذا الواقع، الذي كان له حينها دور فاعل في تحقيق الأمن والاستقرار، وعلى مر الأزمنة والعقود، برزت بعض الظواهر السيئة جراء التضخم الديني، إذ وضع المجتمع برمته على حد سيوف مسلطة، مدفوعة بغلواء تعصب ديني إقصائي، وهو ما حجب عن المجتمع الأفكار المتطلعة المرنة، وحرمهم من ممارسة الحياة على طبيعتها وبكل الألوان التي وهبها الله هذه الأرض. فأصبحنا لا نراها إلا بمنظارين مصنوعين باللون الأبيض والأسود، وهو ما ألحق العطب في شبكية العين المتصلة برؤية الأشياء على حقيقتها. 

ومنذ ذلك الحين والمجتمعات المدنية منسحبة خلف التيار بلا أدنى مقاومة. هذا التيار الذي نجح أيَّما نجاح في إخضاع المجتمع لمدرسته، مكتفياً بهذه المكتسبات التي يستطيع أن يلعب على وتيرتها مهما أُقصيت بعض تياراته وحظرت.

فهو لا يلبث أن يتشكل في ثوب جديد، وينخرط بين مفاصل المجتمع بمباركة شعبية، ملتبسةً باتجاهات قبلية تقترب من روح البادية، لتحل (الشيلات) محل النشيد الإسلامي، والشعر النبطي محل الشعر العربي الفصيح، لم يعبأ سدنة هذا التيار بتغيير واقع الناس وحياتهم تجاه الدنيوي، كما أثخنوا عقولهم بالأخروي.

لذلك أمسى المجتمع السعودي ضعيفاً وهشاً تجاه المظاهر الحياتية، غير معتمد على قدراته بشكل كامل. وقد جرفته الفوضى وعدم التنظيم إلى حال من العجز والدعة، لا يُحسن في حياته سوى عمله الوظيفي، الذي يؤديه لغيره، مفوضاً مسؤولياته الخاصة للخدم والسائقين، مستسلماً لجشع تجار الاستقدام، الذين أدركوا جيداً هذا الواقع فسرقوه بقوة النظام.

كما عجز المجتمع المستلَب بالتفكير في إعادة صياغة مقدراته ومكتسباته بشكل منطقي، يحميه من جشع التجار، من خلال الضغط باتجاه تفعيل مؤسسات المجتمعات المدنية، واستحداث الجمعيات التعاونية، وإيجاد صيغة شراكة بين مؤسسات الدولة والقطاع الخاص والمجتمع، بعيداً عن لعبة الأسهم، التي ابتلعت أموالهم بلا مبرر منطقي يذكر.

كما عجز عن الضغط باتجاه سوق العمل الحر، وعجز عن التنازل عن كينونته السعودية العليا، والعمل في المهن التي تدر أرباحاً طائلة، وهو ما جعل المواطن يقف بأناقته الكاملة مفلساً، وهو يرى أموال بلده تضخ إلى الخارج، بسبب عجزه وتقاعسه وخصوصيته السعودية، فلا يجدر بنا أن نسخط متى وَصَمَنا الآخرون بالعجزة المستكبرين. 

* محمد عبد الله المزيني كاتب وروائي سعودي.

 

المصدر | الحياة

  كلمات مفتاحية

المجتمعات السعودية ظواهر سيئة التضخم الديني تعصب ديني إقصائي الأفكار المتطلعة المرنة ممارسة الحياة على طبيعتها مشكلة السعوديين قراءة الظواهر المتغيرات تحولات المجتمعات