«جيوبوليتيكال فيوتشرز»: إعادة صياغة حماس.. كيف نفهم الوثيقة الجديدة؟

الأربعاء 3 مايو 2017 12:05 م

أصدرت حماس نسخة محدثة من ميثاقها، حيث قام زعيم حماس «خالد مشعل» يوم الاثنين بتقديمها في مؤتمر صحفي عقده في الدوحة. وقد تم تسريب أجزاء من الوثيقة في وقت مبكر من يوم الاثنين، وفى المساء تم نشر الوثيقة بالكامل باللغة الإنجليزية. وقد ذكرت قناة الجزيرة في إحدى المقاطع التي تم نشرها والتي حظيت بأكبر قدر من الاهتمام إن حماس «تعتبر إقامة دولة فلسطينية مستقلة ذات سيادة كاملة وعاصمتها القدس على خطوط الرابع من حزيران/ يونيو 1967 هي صيغة توافقية وطنية مشتركة». ويبدو أن هذا يشير إلى أن حماس تبدي تسامحا على الأقل مع وجود (إسرائيل)، وإن لم يكن هناك اعتراف كامل بها. وسرعان ما سعت (إسرائيل) إلى التقليل من هذه الخطوة حيث قال متحدث باسم رئيس الوزراء الإسرائيلي «بنيامين نتانياهو» أن حماس تحاول خداع العالم. وقد وصف بيان رسمي من مكتب «نتنياهو» الوثيقة الجديدة بأنها «ساتر من الدخان».

واستنادا إلى ما تنص عليه الوثيقة الجديدة، تقول حماس أنها لن تتخلى عن شبر واحد من أرض مما تصفه بـ«فلسطين التاريخية». كما أن حماس لا تزال تحتضن المقاومة المسلحة في سعيها لتحرير فلسطين «من النهر إلى البحر». كما أن وجود تناقضات داخلية في الوثيقة الجديدة لا يشير إلى قيام حركة حماس بتحول كبير في موقفها، ولكنه يثير الشكوك حول ذلك، ومن الممكن أيضا أن حماس قامت بذلك فقط من أجل الحصول على الشرعية الدولية. وقد تكون بعض البلدان قد طلبت صياغة المبادئ الجديدة على الورق قبل أن تقبل بحماس ككيان سياسي مشروع.

فهم حماس

إن تحديد ما إذا كانت حماس تقوم بتغيير موقفها يتطلب فهما أفضل لحالتها الحالية وكيف وصلت حماس إلى هنا. لقد تأسست حماس في عام 1987، ولكن التيارات الدينية كانت تتطور لعقود، لذا فقد رأت حماس نفسها بديلا دينيا لمنظمة التحرير الفلسطينية العلمانية. وقد شجعت (إسرائيل) تطورها ضمنا، حيث اعتبر أن تشكيل فصيل فلسطيني آخر أمر إيجابي لأنه سيضعف الموقف الفلسطيني العام. وفازت حماس بالانتخابات الفلسطينية المدعومة من الولايات المتحدة في الضفة الغربية وقطاع غزة في عام 2006. ولم يتم نقل السلطة إليها سلميا. وكانت النتيجة أن حماس حكمت غزة وفتح حكمت الضفة الغربية، ولا يزال هذا الانقسام قائما إلى اليوم.

اكتسبت حماس شرعية ومصداقية بين الفلسطينيين بسبب استخدامها القوة ضد (إسرائيل) خلال الانتفاضة الأولى والثانية. كما قدمت حماس الخدمات الاجتماعية للفئات المحتاجة إليها وكانت نسخة جيدة من القومية الفلسطينية التي اعتمدت الإسلام مرجعية لها. وقد خدم ذلك حماس جيدا عندما كان سبب وجودها هو المقاومة وليس الحكم. وفي اللحظة التي تولت فيها حماس الحكم الرسمي في قطاع غزة، بدأت في التراجع. فقد حاولت حماس أن تصبح أكثر من منظمة مسلحة: إنها تريد أن تتحمل عباءة تمثيل الشعب الفلسطيني بشكل شرعي، وكان هذا أكثر صعوبة من الناحية النظرية . فغزة هي جيب مزدحم، معزول، فقير محاصر من قبل (إسرائيل). ومع قيام معظم دول العالم بتصنيف حماس كمنظمة إرهابية، أصبحت غزة أكثر عزلة عندما تولت حماس السلطة في عام 2007.

استمرت حماس في محاربة (إسرائيل) في حروب صغيرة في أعوام 2008-2009 و 2012 و 2014. لكن حكمها في قطاع غزة فشل في جعل الحياة اليومية لسكان غزة أفضل، وهذا ليس بسبب عدم الرغبة. فأي حكومة تحاول فرض حكم على غزة سوف تجد صعوبة كبيرة بسبب الاكتظاظ ونقص الموارد. إن مشكلة حماس هي أنها الآن مسؤولة عن هذه الإخفاقات، وهي لم تعد مجرد جماعة مسلحة، ولكنها الكيان السياسي المسؤول عن الحكم. وقد تفيد هذه المشكلة في تعريف تطور حماس خلال العقد الماضي، حيث كانت تتصارع حول كيفية معالجة هذه القضية طوال الوقت. وأخيرا نجح القسم المعتدل في حماس الذي يريد إضفاء الشرعية على موقفه في العالم في الدفع إلى نشر ميثاق استكمل في سنوات.

إن ميثاق حماس لعام 1988 هو وثيقة مشهورة بالدعوة إلى تدمير (إسرائيل) واليهود. وهو يصف الصراع الإسرائيلي الفلسطيني على أنه حرب دينية تتطلب الجهاد من جانب جميع المسلمين. ولدى (إسرائيل) علاقات مع العديد من البلدان التي لا تعترف بوجودها، لكن حماس هي حركة معادية لها ذكرت على الورق أن إحدى مهامها الرئيسية هي تدمير دولتها. وهذا أعطى هذا (إسرائيل) كبش فداء فلسطيني سهل وأثبت ادعاءها بأنه ليس لديها شريك راغب في السلام من الجانب الآخر. وقد استخدمت (إسرائيل) إجراءات حماس بعد انسحاب الأولى من قطاع غزة وتوليها المفرط للسلطة هناك لتأكيد هذا الموقف.

تلغي الوثيقة الجديدة التركيز على الصراع الديني، وتستخدم في مكانها كلمات مثل الوطنية. وتستخدم الوثيقة الجديدة لغة الحق الطبيعي، معلنة أن رغبة الفلسطينيين في الدولة هي «حق غير قابل للتصرف» يمتلكه الشعب الفلسطيني. هذه ليست مجرد لغة ذكية. بل هي تركز على إعادة توصيف الصراع، حيث تنص المادة الأولى من ميثاق الأمم المتحدة على أن احد أهداف الأمم المتحدة هو تعزيز الحقوق المتساوية وتقرير المصير لجميع الشعوب. والمشكلة هي أن الأمم المتحدة، ومجموع القانون الدولي، القائم على العلاقات بين الدول القومية، ليس لديه حل عندما يدعي شعبان تقرير المصير على نفس الأرض.

وينعكس هذا التوتر أيضا في جزء من الوثيقة الجديدة. حيث يذكر أن الصراع الإسرائيلي الفلسطيني صراع سياسي وليس ديني، وأن معركة حماس مع الصهيونية، وليس مع اليهود بحكم دينهم و هذه محاولة من حماس لتطهير ارتباطها بمعاداة السامية، وهو أمر يصعب تجنبه عند قراءة ميثاق حماس الأساسي. والمشكلة في هذه الحجة هو أنه من المستحيل فصل الصهيونية عن اليهودية. إن الصهيونية هي مجرد شكل واحد من أشكال القومية اليهودية التي تطورت في العديد من فروع أوروبا في القرنين الثامن عشر والتاسع عشر. وكان التركيز على التسوية في ما كان يسمى آنذاك فلسطين هو ما يعطي الصهيونية اسمها، ولكن فكرة تقييم الصهيونية على أنها منفصلة عن اليهودية هي أيضا مغالطة.

ليس واضحا لماذا قررت حماس القيام بذلك الآن. ربما يكون ذلك نتيجة صراع محتدم داخ الحركة، وربما يكون السعوديون قد ضغطوا على حماس للقيام بذلك. ويمكن أن تكون قطر، التي تحتضن حماس منذ عام 2012، تريد أن تظهر أن لديها السلطة على أمور مهمة، وأن حماس ينبغي أن تعامل بمزيد من الاحترام من قبل اللاعبين الإقليميين الرئيسيين.

بلا خيارات

إن مشكلة حماس في نهاية المطاف هي أنه ليس لديها أي خيارات جيدة. وهي حاليا في وضع سياسي مستحيل، هي تريد أن تحظى بقبول المجتمع الدولي. لكن حماس لا يمكنها أن تتحول في موضوع تبنيها للمقاومة. وهي تكافح بالفعل من أجل التفوق في قطاع غزة، كما أن تنصلها من محاربة (إسرائيل) تنظيم الدولة النشط، ويمكن أن يسهل دور ونمو الجماعات الجهادية الأخرى التي تبحث عن جيوب من السخط. إذا كانت حماس ستتخلى عن الحرب ضد (إسرائيل)، فإن مجموعة أخرى ستحاول سد هذه الفجوة.

ومن غير المرجح أن يأتي ذلك بالكثير على صعيد رغبة حماس في الحصول على الشرعية الدولية. ولكن للحصول عليها يجب على حماس أن تغير مواقفها. وكنا قبل ثلاثة أسابيع، بحثنا في تحقيق احتمال اندلاع حرب أخرى بين حماس وإسرائيل بسبب الظروف الاقتصادية الصعبة في قطاع غزة، وإن نشر وثيقة جديدة وقدوم زعيم جديد بعد تنحي «مشعل» لا يغير الظروف الأساسية التي تناولها التحقيق. ومن المفارقات أن (إسرائيل) هي التي ستكون الأكثر عرضة لتحول حماس إلى نهج أكثر «اعتدالا»، حيث أن تطوير حركة فلسطينية غير عنيفة تطالب بحقوق متساوية (أو حتى أقل عنفا تعترف بإسرائيل كبلد)، سيضع إسرائيل في وضع صعب للغاية سواء في الداخل أو في الخارج.

ولكن هذا ليس واقع الأمر. هذه محاولة منخفضة التكلفة من قبل حماس لتحسين مكانتها الدولية دون التخلي عن تطلعاتها لدولة إسلامية فلسطينية من دون جارة إسرائيلية. ولن تجبر هذه الوثيقة (إسرائيل) على إنهاء الحصار. ولن تضيف المال إلى خزائن حماس لدفع الرواتب أو تقديم الخدمات للشعب . ولن تجبر الدول الإسلامية في المنطقة على قبول حماس أو تدفع (إسرائيل) إلى التوصل إلى اتفاق مع حماس لا تحتاج إليه ولا تريده. ومن غير المرجح أيضا أنها سوف تنجح في تجميل أمام الغرب أو دفعه للنظر إليها بغير صورة المجموعة الإرهابية وفق تصنيف الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة ومصر وغيرهم. ومن المفيد فهم مدى صعوبة موقف حماس، من أجل فهم كيف خرجت هذه الوثيقة، التي من غير المرجح أن تصنع الكثير في واقع الأمر.

  كلمات مفتاحية

حماس وثيقة حماس الجديدة خالد مشعل فتح السلطة الفلسطينية