ضرورة مراجعة سياسات التأزيم الماضية لكي تصل السفينة الخليجية بر الأمان

الأربعاء 10 ديسمبر 2014 09:12 ص

تشبه القمة الخليجية الـ 35 التي انعقدت أمس في الدوحة اجتماعا لستّة قباطنة (أو نواخيذ في لهجة بعض أهل الخليج) يحاولون أن يقرروا وجهة سفينة تسير في خضمّ بحر شديد الاضطراب، أمواجه الضخمة لا تمثّل أخطاراً عربية وإقليمية وعالمية فحسب، بل تهدّد أركان السفينة من الداخل أيضاً، مما يرتب على القادة المجتمعين في العاصمة القطرية تحدّيات كبيرة، تضعهم في مواجهة قرارات صعبة ستؤثر، أصابت أم أخطأت، في تحديد مصائر شعوبهم، والمنطقة ككل. 

وكما قال أمير قطر في افتتاح القمة فان «ازاء التحديات والمخاطر التي تحيط بنا من كل جانب، لا يجوز لنا ان ننشغل بخلافات جانبية حول التفاصيل». 

وتواجه دول مجلس التعاون الخليجي ثلاثة تحديات رئيسية، فهناك المفاوضات الامريكية الايرانية حول الملف النووي، وما بعد الملف النووي، وهو ما سينعكس على المنطقة بشكل مباشر وستكون دول الخليج اول المتأثرين في ذلك. وهناك التحدي الأكبر المتمثل في الارهاب، وتمدد خطر تنظيم الدولة الاسلامية. والتحدي للأزمات في دول الجوار لا سيما اليمن

ولعلّ المشكلة الرئيسية التي تواجه زعماء الخليج العربي الذين اجتمعوا أمس هي اعتماد بوصلة واحدة، واسلوب واحد لمواجهة هذه التحديات.

وهو أمر ظهرت صعوبته الكبيرة بعد انطلاق الثورات العربية والتي أدت إلى استقطاب عنيف داخل البيت الخليجي نفسه، بينما أدّى التدخّل المباشر للأقطاب الإقليميين والعالميين الكبار: أمريكا وروسيا، وإيران وإسرائيل وتركيا في الأحداث الجارية في المنطقة إلى مزيد من التأزم الذي كانت ذروته العربية عزل الرئيس المصري محمد مرسي العام الماضي وبدء سيرورة متصاعدة لمواجهة عموم أحزاب الإسلام السياسي، لا الجهاديّة منها فحسب، تحت يافطة «مكافحة الإرهاب». 

والسؤال الآن، بعد المصالحة التي حصلت مؤخراً وعودة السفراء الخليجيين إلى العاصمة القطرية، واكتمال نصاب القمة الخليجية، هو: هل يستطيع «مجلس التعاون» حلّ إشكاليات هذا الاستقطاب الذي ألقى بظلاله على القرارات العسكرية والسياسية المتعلقة بمصر خصوصا، وببلدان عربية أخرى؟

المأمول أن الأزمة التي اندلعت بين دول الخليج بدأت تأخذ طابعاً أكثر عقلانيّة مع ارتفاع مدّ تهديد تنظيم «الدولة الإسلامية» في العراق وسوريا، وكذلك مع تشكّل تحالف موضوعي، غير معلن، بين الإدارة الأمريكية وإيران لمواجهة هذا التهديد، مما رفع منسوب الخطر على دول الخليج من اتجاهين. 

إضافة إلى هذا الخطر المزدوج الذي يتمثّل بتنظيمات «القاعدة» و«الدولة الإسلامية» والجهات المختلفة المنضوية تحت لوائيهما، هناك الخطر الإيراني الذي يضم ـ تحت رايات الجنرال قاسم سليماني ـ تمدّداً للحوثيين في اليمن، وقيادة مباشرة لمعارك «الحرس الثوري» والميليشيات الموالية لطهران في العراق، ومشاركة عنيفة في الجبهات الدموية المعروفة في سوريا، وتأزّماً متزايداً للأوضاع في لبنان والبحرين والمناطق الشرقية في السعودية.

في يوم اجتماع القادة الخليجيين تتالت أنباء عن هجوم أدى لمقتل مواطن بحريني في قرية شيعية غرب العاصمة المنامة وكان قد سبقه مقتل شرطيّ أردنيّ، وقالت الجهات الأمنية أن العملين «إرهابيان»، كما أصدرت محكمة إماراتية في اليوم نفسه أحكاماً بالسجن المؤبد على 15 متهما بالانتماء الى تنظيمي «جبهة النصرة» و«أحرار الشام» (وهما تنظيمان عاملان في سوريا، يتبع الأول منهما تنظيم «القاعدة» بينما قدّم أحد قادة التنظيم الثاني (أبو يزن الشامي) اعتذاراً علنياً للسوريين عن أخطاء «الجهادية السلفية» قبل أن يقتل مع أغلب قادة الحركة في تفجير غامض)، كما قبضت السلطات قبل أيام على امرأة إماراتية اتهمت بعمليتين إرهابيتين، وتوافق ذلك مع أحكام قضائية شديدة على أكثر من 135 شخصاً في السعودية بتهم مشابهة.

هذه الوقائع إن دلّت على شيء فهي تدلّ على أن الحلول الأمنية وحدها لا يمكن أن تقدم خارطة طريق حقيقية قادرة على الإجابة على التحديات الكبرى التي تواجه الخليج. 

من دون مراجعة حقيقية للسياسات التي أدّت إلى الخرق الكبير في مركب الخليج، فإن المصالحة الخليجية ـ العربية لن تؤتي أكلها، ولن تصل السفينة الخليجية إلى مرفأ آمن.

المصدر | القدس العربي

  كلمات مفتاحية

فمة الدوحة مجلس التعاون الخليجي التحديات والمخاطر سياسات النأزيم مراجعة أقطاب إقليميون جبهة النصرة الجهادية السلفية أحرار الشام