«روبت فيسك»: «السيسي» يوظف الميليشيات لقتال تنظيم الدولة ويقود مصر إلى مصير مماثل للعراق

الجمعة 5 مايو 2017 02:05 ص

دائمًا ما أنتجت حروب مكافحة التمرد (مكافحة الإرهاب) الفساد والقتل المضاد. والآن يتبع الجيش المصري المسار الملوث نفسه الذي يستخدمه العديد من جيرانه باستخدام الميليشيات في حربه على تنظيم الدولة في سيناء. ولدى معظم الجيوش حلفاء بالوكالة يمكنهم العمل كمخبرين وهم يتعاملون مع المدنيين بوحشية كبيرة. وبالرجوع إلى السوريين والعراقيين والأتراك والإسرائيليين عندما اختاروا ميليشياتهم اللبنانية بين عامي 1976 و2000، والأمريكيين في العراق، فقد انتهى بهم الأمر جميعًا بالشعور ​​بالعار من وحشية حلفائهم.

لكن في مصر الآن، والتي قام رئيسها بالانقلاب العسكري الذي أطاح بـ«محمد مرسي» أول رئيسٍ منتخب في البلاد، فإنّها تستخدم ميليشيات تلبس الزي الرسمي للجيش في سيناء، حيث استولى تنظيم الدولة على العديد من المناطق في شبه الجزيرة. ويعد هذا علامةً على مدى الوضع العسكري اليائس في المعركة مع التنظيم، حين يضطر الجيش المصري للجوء إلى مثل هذه التدابير. وتتعرض الشرطة والجنود المصريون للهجوم يوميًا، ويختفي المدنيون إمًا خوفًا من تنظيم الدولة أو من قبل من يوصفون بـ «المتعاونين» الذين يعتقلونهم لصالح الجيش كمشتبهٍ فيهم.

ويظهر مقطع فيديو يتم تداوله الآن في القاهرة بوضوحٍ عملية إعدام ميداني لمدنيين بعد استجواب قصير. وتظهر صورا أخرى جثث ثمانية مدنيين، من بينهم اثنين ظهرا في المقطع الأول، يجري وضعهم على الأرض بأسلحة بجانبهم في محاولة واضحة لجعل الأمر يبدو وكأّنهم «إرهابيون». وظهر رجلٌ يرتدي الزي الرسمي لجهاز المخابرات الحربية التابع للجيش المصري وهو يوجه عمليات الإعدام. وقد ظهرت مقاطع الفيديو لبعض الوقت على وسائل التواصل الاجتماعي المصرية. وعندما وصلت النسخ إلى هيومن رايتس ووتش، أدانت المنظمة عمليات القتل ووصفتها بالـ «فاحشة»، وأشارت إلى أنّ حملة الحكومة المصرية في سيناء «خرجت عن السيطرة»، وأشارت إلى أنّ العربات المدرعة التي زودت بها الولايات المتحدة مصر قد استخدمت في نقل المحتجزين إلى مكان إعدامهم.

لكنّ مطالبة هيومن رايتس ووتش بأن تقوم الدول التي تقدم أسلحة أو موادًا أو تدريبًا للجيش المصري بتعليق مساعداتها إلى أن ينتهي الجيش المصري من انتهاك حقوق الإنسان حلمٌ بعيدٌ عن الواقع. فلن يهتز جفنٌ للإدارة الأمريكية الحالية بمقتل هؤلاء الأبرياء، وقد وافق «دونالد ترامب» مؤخرًا على بيع مقاتلات من طراز إف-16 إلى البحرين، دون أدنى اشتراطات بشأن حقوق الإنسان التي تنتهكها الحكومة والنظام الملكي. ولم يفرض الروس مثل هذه الاشتراطات على السوريين عندما جاءوا لإنقاذ النظام.

وكانت القوات الأمريكية في شراكة فعلية مع القوات العراقية عندما كانت الميليشيات الشيعية تقضي على مئات المدنيين السنة الفارين من الفلوجة، وكذلك في الموصل الآن. ولم نسمع أي صوت من قبل الجيش الأمريكي. وما هي الدول الأوروبية المستعدة للإضرار بتجارة الأسلحة المربحة مع العالم العربي بسبب عددٍ قليل من مقاطع الفيديو وعمليات الإعدام على أيدي الميليشيات؟ وقد قدمت مجلة «تايم» تقارير الشهر الماضي تفيد بأنّ «ترامب يريد حليفًا موثوقًا وذو تفكيرٍ جديد في الشرق الأوسط، ويطابق السيسي ما يرغب فيه ترامب». ويُتوقع نفس الأمر في البحرين . وفي الوقت الحالي، لا يزال «السيسي» يحاول إقناع «ترامب» بإدراج جماعة الإخوان المسلمين على قائمة المنظمات الإرهابية، بنفس الطريقة التي يريد بها «رجب طيب أردوغان» من الولايات المتحدة وصف جماعة «كولن» بالـ «إرهابية»، إلى جانب إحدى المجموعات الكردية التي يُعتقد أنّها حليفٌ لأمريكا في القتال ضد تنظيم الدولة.

ويجب أن تأخذ أي مناقشة حول سيناء في الاعتبار أنّ تنظيم الدولة يقوم بإعدام رجال الشرطة والجنود والمدنيين في شبه الجزيرة. وقد قطع ولاية سيناء رؤوس «الكفار»، وقتلت المسيحيين، وجلدت بائعي السجائر، وأجبرت النساء على ارتداء النقاب في بعض المناطق. وبعبارةٍ أخرى، فإنّ نظام التنظيم المعتاد هو القسوة والوحشية. والآن، في غضون خمسة أشهر، شهدنا هجمات على الكنائس المسيحية في القاهرة والإسكندرية وطنطا، ويمكننا أن نتوقع المزيد من العمليات في وسط مصر. وانتشر المزيد من الجنود غرب قناة السويس، وكذلك المزيد من الميليشيات القاتلة.

وكالعادة، تحولت الصحافة المصرية إلى تكتيكٍ اعتمدته الحكومة الجزائرية عندما زعمت أنها تفوز بحربها على الإرهاب بين عامي 1992 و1998. وذلك بالتأكيد على أنّ استمرار الانفجارات والقنابل والقتل والإعدام أمرٌ طبيعيٌ جدًا لأنّه يحد في كثيرٍ من الأماكن الأخرى حول العالم.

ولكن في الواقع، فإن القاهريين الذي التزموا الصمت بموجب قواعد الدولة البوليسية الجديدة التي فرضها «السيسي»، يتحدثون الآن بغضبٍ أكبر من أي وقتٍ مضى، عن «المنقذ» العسكري الذي كان يخطط لتخليص مصر من الفقر وكذلك «الإرهاب». وبطبيعة الحال، هذا هو أحد الأسباب التي تجعل المسيحيين الذين يحميهم النظام يشعرون أكثر من أي وقتٍ مضى بالعزلة بين السكان المسلمين الذين يتحدثون مرة أخرى عن الثورة، وربما لا تكون الثورة هذه المرة «نقية» تمامًا كتلك التي رافقت سقوط «مبارك».

وكانت صفة «النقاء» هي الصفة المثيرة للاهتمام التي يستخدمها المصريون في كثير من الأحيان في وصف ثورة شباب مصر ضد عقودٍ من الديكتاتورية عام 2011. ولا يزال «السيسي» يقدم نفسه في صورة العادل العظيم الذي يحمي مصر من التطرف الإسلامي، وهو ما يفسر احتفاءه ببابا الفاتيكان، على الرغم من التوترات بينه وبين الشيخ «أحمد الطيب»، الإمام الأكبر وشيخ الأزهر، الذي استضاف البابا في القاهرة في نهاية الأسبوع الماضي. ويقال بأنّ «السيسي» يتهم الطيب بأنّه لا يفعل كل ما في وسعه من أجل مكافحة «الإرهاب».

ويبدو هذا غير عادل قليلا. فالطيب رجلٌ ذكيٌ جدًا، وهو خريج جامعة السوربون، حيث درس فلسفة العلاقات الدولية وفلسفة الدين، وتعود أصول عائلته إلى صعيد مصر، ولكن لا يظهر ارتباطه بعقائد الأئمة الذين سبقوه. وهو ليس فقيهًا، فهو لا يصدر أي تفسيراتٍ للقرآن الكريم. وفي الواقع، لقد أنشأ «بيت العائلة المصرية»، حيث يمكن للقيادات الدينية المسيحية الشعور بأنّهم في منزلهم، لمناقشة التوترات الطارئة وسرعة إنهاء الخلافات الطائفية.

وتكمن المشكلة في أنّ حرب مصر قد أصبحت خارج السيطرة، سواء على تنظيم الدولة في سيناء أو على خلايا القتل الجديدة للتنظيم غرب القناة، والتي قد تجعل هذه المؤسسات عاجزة قريبًا. وعندما تعمل ميليشيات الجيش الآن على إعدام أعداء الدولة المفترضين، فإنك عقلك يذهب رغما عنك للتفكير في حال العراق الآن.

  كلمات مفتاحية

السيسي ولاية سيناء بابا الفاتيكان أحمد الطيب المسيحيين في مصر