لماذا تقحم روسيا نفسها في الصراع الليبي؟

السبت 6 مايو 2017 07:05 ص

أصبحت صورة إبحار حاملة الطائرات الروسية الأدميرال كوزنيتسوف عبر البحر المتوسط في طريقها إلى الشاطئ السوري واحدة من رموز الدعم العسكري الروسي للرئيس «بشار الأسد». وعندما انتهت حاملة الطائرات من مهمتها في سوريا في يناير/كانون الثاني من هذا العام أطلقت نداء مفاجئا في شرق ليبيا، وقد رأى المحللون على الفور أن ليبيا وجهة جديدة ستعرض فيها موسكو قوتها العسكرية. ومع ذلك، في حين أن روسيا ترى فرصة في أن تصبح مزودا للطاقة في البلاد، فإنها مترددة في الالتزام بحل الصراع عسكريا.

تدعم رحلة الأدميرال كوزنتسوف عبر البحر الأبيض المتوسط طموحات روسيا المتنامية في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. وتستند هذه الاستراتيجية إلى حد كبير إلى العودة إلى حلفاء الاتحاد السوفيتي في المنطقة. وتعد ليبيا واحدة من تلك الحالات التي أدى فيها النظام الذي دعمته موسكو خلال الحرب الباردة إلى إقامة علاقات قوية مع الجيش الذي تساعده روسيا على إحراز تقدم في ليبيا اليوم. ومع ذلك، فليس الطموحات الجيوسياسية البحتة هي التي تحفز الكرملين على الانخراط في تسوية الأزمة، ولكن أيضا الحسابات المالية البراغماتية.

فقدت موسكو مليارات الدولارات فى صفقات فاشلة في مجال النفط ونقل الأسلحة عقب سقوط نظام القذافي. وكانت ليبيا واحدة من البلدان القليلة من مستوردي الأسلحة الذين كانوا قادرين على ثمن الأسلحة الروسية. وفي عام 2008، ألغت روسيا 4،5 مليار دولار من الديون الليبية للاتحاد السوفييتي مقابل توقيع عدد من صفقات الأسلحة بحلول عام 2011 والتي تقدر بين 5 مليارات و 10 مليارات دولار. وقد علقت هذه الصفقات في ظل حظر الأسلحة الذي فرضته الأمم المتحدة بعد الإطاحة بنظام «معمر القذافي»، ولم يحدث أي تقدم في هذه العقود. ومن خلال لعب دور الحكم في ليبيا، تأمل روسيا في تحقيق مكاسب سياسية ومالية على المدى الطويل في شكل عقود مربحة وكذلك السعي للحصول على ولاء أي حكومة ليبية جديدة.

إن اللاعب الذي تعتقد روسيا أنه يمكن أن يعجل بهذه النتيجة هو الجنرال «خليفة حفتر»، وهو قائد محارب في الجيش الوطني الليبي، ومقره الرئيسي في طبرق حيث تثير خلفية «حفتر» العسكرية وصفاته الإعجاب لدى صناع السياسة الروس الذين تلقى معظمهم تدريبا عسكريا خلال الحرب الباردة. ويرى الكرملين أن هذا الجنرال هو محور سياستها في ليبيا. فهو لا يعتبر فقط ضرورة لحل سياسي، وإنما أيضا لأنه قوي بما فيه الكفاية لإجبار الأطراف الأخرى على إيجاد حل من هذا القبيل.

وتشعر كل من روسيا و«حفتر» أن هذه العلاقة مفيدة للطرفين. حيث أن الأخير يستفيد كثيرا من الغطاء الدبلوماسي الدولي الذي يمكن أن توفره موسكو، مما يساعده على وضع نفسه كبديل قوي لحكومة طرابلس في نظر القوى الأوروبية. ومن خلال الشراكة مع «حفتر»، تحقق روسيا عددا من أهدافها، مثل توسيع نفوذها في البحر الأبيض المتوسط وإشراك مصر بشكل مكثف، للحصول على شريحة مساومة أخرى في علاقاتها مع النظراء الغربيين.

وتعتبر موسكو الاتفاق السياسي الليبي الموقع في كانون الأول / ديسمبر 2015 والذي أفرز الحكومة التي تدعمها الأمم المتحدة في طرابلس العقبة الرئيسية أمام المصالحة الوطنية لأنه همش «حفتر»، الرجل الذي يسيطر على أقوى قوة في ليبيا. وترى روسيا أن المصالحة الوطنية تحدث عن طريق دمج الحكومة المدعومة دوليا والجيش، وهي ترى أيضا أن «حفتر» لابد أن يضطلع بدور قيادي في الحكومة المستقبلية.

ولكن مثل هذه النتيجة تتطلب من روسيا أن تلعب دور قويا، وأن تجلب مختلف أصحاب المصلحة الليبيين، بمن فيهم «حفتر»، إلى طاولة المفاوضات. وفيما يتعلق بموسكو، فإن فشل الاتفاق السياسي الليبي في التوصل إلى اتفاق وطني قد فتح فراغا دبلوماسيا يمكن أن تستغله، مع انتهاء الاتفاق بحلول نهاية عام 2017.

وتحقيقا لهذه الغاية، كثفت الحكومة الروسية جهودها لبناء علاقات مع حكومة طرابلس أيضا ومع أصحاب المصلحة الآخرين، مثل كتائب مصراتة. وفي عام 2016، أنشأت موسكو «فريق اتصال من أجل المصالحة في ليبيا» يضم دبلوماسيين روس سابقين في طرابلس، فضلا عن نواب روس، كلفوا باستعادة العلاقات القديمة وتطوير شبكة من الاتصالات الجديدة في ليبيا. وأدى ذلك إلى موجة من الاجتماعات بين المسؤولين الروس وحكومة «السراج» فضلا عن ممثلين عن الجماعات المسلحة.

وتدرك موسكو أن قلة من القوى العالمية ترى في «فايز السراج»، رئيس الوزراء الحالي لحكومة الوفاق الوطني الموجودة في طرابلس زعيما يمكنه توحيد البلاد، وترى روسيا في ذلك فرصة يمكن أن تستغلها في جزء من تصميمها السياسي لليبيا. كما تسمح هذه الاستراتيجية لروسيا بممارسة المزيد من الضغط على «حفتر» الجامح وجعل دعمها له مشروطا بمشاركته في المحادثات الانتقالية.

وتفضل وروسيا على الأرجح شخصية عسكرية قوية يمكنها توجيه مصالحها، مثل «حفتر»،حيث أن مثل هذه الشخصية ستؤدي دورا هاما في أي حكومة ليبية في المستقبل. ومن أجل ذلك، فإنها تحتاج إلى جلب جميع الأطراف إلى طاولة المفاوضات، وتحقيق ما فشلت القوى الغربية في تحقيقه حتى الآن: وهو الضغط على الفصائل الليبية المتنافسة للتوصل إلى حل وسط ينتج حكومة وطنية شرعية معترف بها من قبل الجميع. وسيتبين لاحقا ما إذا كانت هذه الجهود ستنجح، ولكن يبدو أن القادة الروس يعتقدون أنهم على قدر هذه المهمة.

  كلمات مفتاحية

روسيا ليبيا حفتر السراج