استطلاع رأي

أي من هذه الدول تمارس الدور الأكثر إيجابية في حرب غزة؟

السعودية

مصر

قطر

إيران

تركيا

أهم الموضوعات

طبقات اليمين الإسرائيلي وبصيرة دا سيلفا

عن أوهام التفاؤل الأميركي

أزمة اقتصاد مصر وانتظار الفرج من الخارج

نحو وقف الحرب على غزة

سيناريو اليوم التالي للحرب

لا تستهينوا بتغيرات السياسة الخارجية التركية

السبت 6 مايو 2017 12:05 م

جمعتني بزملاء أوروبيين أمسية احتل الموضوع التركي النصيب الأكبر في نقاشات امتدت لساعات. كان عزمنا قد انعقد على تخصيص وقتٍ كافٍ للاحتفال بالرأي والتحليل ببلوغ الرئيس دونالد ترامب اليوم المئة في عهد قد يمتد لأربعة أعوام أو ثمانية أو ينقطع بعد أسابيع. فكرنا أيضا في أن قرار رئيسة وزراء بريطانيا إجراء انتخابات مبكرة يستحق المناقشة خاصة وأن الاتحاد الأوروبي شمر بالفعل عن سواعده استعداداً لجولة مفاوضات عنيفة مع بريطانيا حول شروط انسحابها من الاتحاد.

كذلك كان فرضاً واختياراً في آن مناقشة التطورات الجديدة في معركة انتخابات الرئاسة الفرنسية. هذه انتخابات مختلفة، أقل ما يقال فيها إنها ليست مملة كمعظم سابقاتها، وأهم ما يقال فيها إنها الانتخابات التي قد تكون نتيجتها تصدع منطقة اليورو وانتشاء الرئيسين فلاديمير بوتين ودونالد ترامب وخيبة أمل المستشارة أنجيلا ميركل. 

فور الإعلان عن نتيجة الاستفتاء الذي منح رجب طيب أردوغان سلطات استثنائية توجه الرئيس التركي ليضع باقة من الزهور على ضريح السلطان محمد الثاني مؤسس الإمبراطورية العثمانية وفاتح القسطنطينية.

لم يتوجه إلى ضريح أتاتورك كما جرت العادة خلال القرن الفائت. قضت العادة أن تكون الزهور من نصيب ضريح كمال أتاتورك ولا أحد غيره، سواء جاء قبله أو جاء بعده. كثيرون لاحظوا وتوقفوا عند هذا الحدث. فبكل أعراف تركيا هو انقلاب على أتاتورك، بل هو الانقلاب على كل ما يمثله أتاتورك، انقلاب على النظام العلماني، وعلى هيمنة المؤسسة العسكرية، وعلى مفهوم الدولة القائمة على مبدأ توازن السلطات.

يقول باحثون وسياسيون في أوروبا إن ما يشغل بالهم هو ما يعنيه هذا الانقلاب الذي قام به أردوغان في السياسة الخارجية التركية. الصلاة على قبر السلطان محمد يفسرها خبراء أوروبيون بأنها إشارة إلى استعداد النظام الجديد في تركيا لإعادة الاعتبار إلى الإمبراطورية العثمانية وسحب بعض الاعتبار من النظام الجمهوري الذي ابتدعه أتاتورك ونفذه وسارت عليه حكومات القرن الأخير. 

تبدو التطورات التركية الأخيرة كشريط سينمائي سبق أن عرضه أحد أهم مفكري العثمانية الجديدة وهو أحمد داوود أوغلو الذي شغل لفترة منصب وزير الخارجية ثم كلل رئيساً للحكومة.

لا شك عندي وعند آخرين تابعوا صعود وهبوط أوغلو في أن مشروع العثمانية الجديدة واجه عقبات شديدة أحبطت القائمين على تنفيذه، والآن يعاد بعثه. لم تزل العقبات قائمة، فالحرب في سوريا كما حال الفوضى الناشبة في كافة أرجاء العالم العربي لا تزال ناشبة، إلا أنها، من وجهة نظر التحالف الروسي- التركي، تقترب من مرحلة جديدة مختلفة كلية عن كل المراحل السابقة.

الأوروبيون قلقون. أقلقتهم قلقاً شديداً ثورة الغضب التي فجرها أردوغان ضد كل من هولندا وألمانيا. كان واضحاً أنه أعد لها منذ شهور، وخاصة منذ احتجاجه العنيف على برنامج بثته إذاعة ألمانية تضمن سخرية لاذعة لشخصه. توجد شكوك متناثرة في أنحاء القارة تلمح إلى أنه افتعل هذه الأزمات ليستبق حملة أوروبية مؤكدة تعترض على ما يقوم به بشأن الحريات.

أراد توصيل رسالة مضمونها أن عملية «خروج تركيا أو إخراجها» من أوروبا لن تكون معركة بسيطة. يكفي أن يتذكر أصحاب القرار في بروكسل أو غيرها من عواصم أوروبا أن تركيا لن تتسامح مع حرمانها الحصول مسبقا على الضمانات الضرورية لملايين الأوروبيين من أصل تركي، وبالأحرى من أصول إسلامية، في حال رفض الاتحاد بشكل نهائي ضم تركيا إلى الاتحاد.

هؤلاء ليسوا مهاجرين أو لاجئين أو مجرد أرقام في إحصاءات، هؤلاء في نظر جماعة أردوغان هم «تركيا الأوروبية» أو بتعبير أكثر دقة هم «تركيا في أوروبا». 

ثار سؤال عن أيهما أكثر إزعاجاً للغرب، مصير علاقة تركيا بأوروبا أم مصير علاقتها بحلف الناتو. دار نقاش طويل غلب فيه الرأي القائل بأن علاقة تركيا بالحلف تمر في أشد مراحلها تعقيداً. يكفي القول إن هناك بين قادة الحلف من يعتقد أنه بعد التقدم الكبير الذي تحقق في العلاقات بين روسيا وتركيا في الشهور الأخيرة أصبح من واجب الحلف أن يجيب عن السؤال التالي: أيهما أخطر على الحلف بقاء تركيا فيه أم خروجها منه؟

الرأي الغالب يميل إلى أن خروج تركيا من الحلف قد يعني في النهاية تسليم البحر المتوسط والشرق الأوسط كله إلى روسيا. صحيح أن معلومات كثيرة عن الأسلحة والتكنولوجيا العسكرية الغربية وخطط الحلف ستكون مفتوحة لاطلاع الروس، وصحيح أن الروس قد يحصلون قريباً على حق إقامة قاعدة بحرية في ميناء مرسين، وصحيح أن التعاون العسكري والاقتصادي والمالي بين البلدين يتدعم يوماً بعد يوم ولكن يبقي صحيحاً دائماً أن استمرار الوجود الغربي على أراضي قريبة من حدود روسيا أمراً يتصدر جميع اهتمامات الحلف.

سمعت من قال إن استمرار تركيا عضواً في الناتو بينما علاقاتها الاستراتيجية بروسيا تزداد رسوخاً يجعلها عرضة للشك في إخلاصها للحلف. يستطيع الرئيس «الداهية» فلاديمير بوتين في هذه الحالة استخدام تركيا حصان طروادة في سباق القوة الراهن بين الغرب وروسيا. من ناحية أخرى هناك في الغرب من يزعم أن الناتو يستطيع هو الآخر استخدام تركيا لنفس الغرض.

لاحظنا أنه في كل الأحوال لا يوجد ما يؤكد أن المؤسسة العسكرية التركية بحالتها الراهنة لديها القدرة على استيعاب التغيير في العقيدة العسكرية الذي يستلزمه تغيير مصادر السلاح واستراتيجية التوسع.

لاحظنا في الوقت نفسه أن روسيا البوتينية استثمرت الكثير جداً في سبيل تحقيق هذا التحول الخطير في السياسة الخارجية التركية، ولمعرفتنا بأسلوب عمل الرئيس بوتين وشراسة انتقامه وقسوة ضغوطه أجمعنا على أنه لن يسمح لتركيا بأن تخون تحالفها معه. لا شك عندي أنا شخصياً في أن حجب السياح الروس عن شواطئ غرب الأناضول كان درساً «قاتلاً» لمن يفكر من أنقرة في التلاعب أو النكوص. 

الغرب مثقل بهموم الارتباك المخيف في واشنطن حول إعادة ترتيب أولويات البيت الأبيض في السياسة الخارجية، وهموم تداعيات «البريكست» ومنها تهديد الوحدة البريطانية وتوترات الحملات الانتخابية، وهموم حرب الإرهاب وعلاقات الشك بين أمريكا والاتحاد الأوروبي من جهة والدول الأوروبية وبعضها البعض من جهة أخرى، وهموم الزحف العالمي ضد الديمقراطية ورموزها ومؤسساتها.

هذا الغرب المثقل بكل هذه الهموم سوف يواجه صعوبة حقيقية في وقف توسع روسيا الجريء في الشرق الأوسط ووسط آسيا مستعينة بتركيا أو متحالفة معها.

* جميل مطر كاتب ومفكر سياسي مخضرم. 

المصدر | الخليج - الشارقة

  كلمات مفتاحية

السياسة الخارجية التركية روسيا حلف ناتو الولايات المتحدة أوروبا دونالد ترامب فلاديمير بوتين بريطانيا منطقة اليورو الاستفتاء الدستوري التركي الخروج البريطاني