استطلاع رأي

أي من هذه الدول تمارس الدور الأكثر إيجابية في حرب غزة؟

السعودية

مصر

قطر

إيران

تركيا

أهم الموضوعات

طبقات اليمين الإسرائيلي وبصيرة دا سيلفا

عن أوهام التفاؤل الأميركي

أزمة اقتصاد مصر وانتظار الفرج من الخارج

نحو وقف الحرب على غزة

سيناريو اليوم التالي للحرب

الكنـسـية اللاهـوتية والإسـلام

الاثنين 8 مايو 2017 03:05 ص

في القاهرة، حيث كنت الأسبوع المنصرم شاركت في مؤتمر السلم الذي نظمته مشيخة الأزهر ومجلس حكماء المسلمين، وقد شارك في جلسته الختامية «البابا فرانسيس» الذي حرص في كلمته على تكرار عبارات الانفتاح والمودة للمسلمين التي دأب عليها منذ اعتلائه مركز البابوية.

في تاريخ الكنيسة الكاثوليكية، يتميز البابا فرانسيس بمكانة خاصة، ليس فقط من حيث كونه أول بابا غير أوروبي منذ 13 قرناً، بل أيضاً من حيث توجهاته السياسية والاجتماعية وأسلوبه في إدارة المؤسسة الدينية.

في خطاباته وتصريحاته المتكررة، برزت النغمة الاجتماعية قوية في عبارات البابا فرانسيس الذي حمل بشدة على «آلهة النقد والمال»، وعلى «وثنية اللامبالاة» التي تحكم سلوك المجتمعات الغربية الراهنة، كما أظهر اتجاهاً بارزاً للانفتاح الاجتماعي على الفئات التي تقصيها الكنيسة (مثل المطلقين والمثليين) معتبراً أن رسالة المسيح في حقيقتها أخلاقية احتضان وإعانة لا أخلاقية طرد وانغلاق. 

إنه التوجه نفسه الذي تبناه البابا فرانسيس إزاء الكنائس المسيحية الأخرى، وإزاء الديانات الأخرى، خصوصاً الإسلام الذي اعتبر أنه ديانة سلام واعتدال، ويجب أن لا يحكم عليه بسلوك الجماعات الشاذة التي لا تخلو منها ديانة، نافياً التصور السائد في بعض الأدبيات الكنسية حول «الطابع العنيف للإسلام» مقابل «التسامح المسيحي»، مبيناً أن المسيحية سلكت المسلك الهجومي نفسه في مرحلة توسعها وفق قواعد اللعبة الدولية في العصور الوسيطة.

ومع أن البابا فرانسيس لم يكن قريباً من تيار «لاهوت التحرير» الذي ظهر بقوة في ستينيات وسبعينيات القرن الماضي في الأوساط الكاثوليكية في بلدان أميركا اللاتينية، فإنه وإن رفض الصياغات الأيديولوجية (المتأثرة بالماركسية) في هذا اللاهوت اليساري، وظف الكثير من مقولاته وشعاراته في خطابه الاجتماعي المختلف جذريا عن سلفية يوحنا بولس الثاني وبندكت السادس عشر.

عرف عن يوحنا بولس الثاني دوره المحوري في الانتفاضات الثورية التي قضت على الأنظمة الشيوعية في أوروبا الشرقية، كما اشتهر بخطوات الانفتاح الملموسة التي قطعها اتجاه المسلمين وأصحاب الديانات والطوائف الأخرى، لكنه ظل شديد المحافظة لاهوتياً واجتماعياً.

في هذا السياق، نشير إلى المقال الهام الذي كتبه رجل الدين الكاثوليكي السويسري المعروف «هانس كونغ» قبل رحيله، معتبراً أن البابا الراحل وإن اشتهر بدفاعه عن حقوق الإنسان في الخارج فإنه حافظ على الأنساق القانونية المتشددة والمنغلقة التي تسير المؤسسة الكنسية، كما رفض كل الإصلاحات الاجتماعية التحديثية التي طالب بها اللاهوتيون الإصلاحيون.

وهذا أفضى إلى عزوف الناس عن التدين وانهيار الكنيسة الكاثوليكية في قلبها الأوروبي، كما أن تصوره للحوار الديني لم يتخلص من نموذج التبشير ووحدة الحقيقة الدينية بما يعني أن علاقته بالديانات الأخرى لم تتجاوز العلاقات العامة والمجاملات الديبلوماسية.

أما خلفه البابا المتنحي «بندكت السادس عشر»، فيصنف لاهوتياً محافظاً وتقليدياً، رغم علو كعبه في الدراسات اللاهوتية والفلسفية. في حواره المنشور مع الفيلسوف الألماني المشهور «يورغن هابرماس»، يذهب بندكت السادس عشر إلى الدفاع المستميت عن تراث اللاهوت الطبيعي وفق تقليد القديس توما الإكويني، رافضاً بشدة كل الثورات التأويلية النقدية والتاريخية الحديثة التي بدأت مع نقد كانط للميتافيزيقا، معتبراً أن وحدة العقل والإيمان التي يقوم عليها النسق اللاهوتي المسيحي لا يمكن أن تخرج عن منظور التأليف بين الكتاب المقدس والميتافيزيقيا اليونانية.

وقد اعتبر هابرماس أن بندكت السادس عشر بحفاظه على التأليفية التومائية يغلق عملياً منافذ الحوار الممكن بين الوعي الحداثي المتسم بالنقدية واللاهوت المتحرر من الوثوقية الميتافيزيقية، إنه لا يفسح مجالا لالتقاء العقل والإيمان إلا من منطلق التماهي والتماثل بدل الاستقطاب الثري ضمن سياق تعددي برهاني مفتوح من حق الخطابات والديانات المشاركة وفيه، بحسب قواعد الترجمة البرهانية.

لا يختلف البابا فرانسيس عن سلفيه في التوجه اللاهوتي، كما هو واضح في رسائله العقدية والفكرية التي نشرها، وهي في عمومها تحمل شحنة تومائية قوية بالتركيز على انسجام الاعتقاد الإيماني والمعقول البرهاني ورفض مقولة الوعي الذاتي الحر والنقدية الابستيمولوجية والتاريخية الحديدة. 

من هنا يمكن القول إن الثورة التأويلية النشطة راهناً في اللاهوت البروتستانتي لا تزال ضعيفة في الخطاب الكنسي الكاثوليكي الرسمي رغم صرامة ودقة الإعداد اللاهوتي لرجال الدين الكاثوليك.

وهذا حدا برجل الدين والفيلسوف اليسوعي «بول فالادييه» إلى القول بأن الكاثوليكية لم تستطع مواكبة التحولات الفلسفية والفكرية الجديدة في أوروبا ومن هنا الخوف من انهيارها في مركزها التاريخي وعجزها عن الحوار مع غيرها من الديانات وفي مقدمتها الإسلام الذي أصبح متجذراً في أوروبا.

* د. السيد ولد أباه كاتب وأكاديمي موريتاني

  كلمات مفتاحية

الكنسية اللاهوتية الإسلام مؤتمر مشيخة الأزهر مجلس حكماء المسلمين «البابا فرانسيس» تاريخ الكنيسة الكاثوليكية التوجهات السياسية والاجتماعية يوحنا بولس الثاني بنيديكت السادس عشر «آلهة النقد والمال» «وثنية اللامبالاة» المجتمعات الغربية