صفقات الأراضي في البحرين تسلط الضوء على كيمياء تحويل الرمال إلى أموال

الخميس 11 ديسمبر 2014 11:12 ص

تقف على شاطئ المنامة فتبصر فندق «فور سيزونز» وكأنه خارج من أعماق البحر ليناطح السحاب بــ 68 طابقًا بينما هو في جزيرة خاصة. ومن المقرر أن يفتتح خدماته أمام الجمهور مطلع العام المقبل، وسوف يكون مقرًا لثلاثة مطاعم يديرها الشيف الشهير «فولفغانغ باك»، كما سيوفر مجموعة واسعة من المرافق الفاخرة.

هذا الهيكل الفخم هو جزء من مشروع تطوير خليج البحرين الذي تبلغ تكلفته 2.5 مليار دولار أمريكي كامتدادٍ لمشروعات سابقة تمتد إلى داخل الماء.

وبالنسبة للمطورين؛ فإنه جزء من رؤية طموحة للبحرين في القرن الحادي والعشرين. وبالنسبة للنشطاء؛ هو رمز لعدم المساواة في بلد شابها انتهاكات حقوق الإنسان والفتنة الطائفية تعاني نقصًا حادًا في المساكن في وقت تتكاثر فيه التطورات الحصرية.

وخليج البحرين هي مجرد مشروع ضمن العديد من المشروعات الكبيرة على الأراضي المستصلحة التي تنتشر على الساحل القاحل من هذا الأرخبيل الصغير المكتظ بالسكان. وأثارت طريقة تملك هذه الأراضي أسئلة بشأن الخط المتنازع عليه بين ملكية الأراضي العامة وملكية الأسرة الحاكمة.

ويقول ساسة المعارضة إن أراضي البحر التي تم استصلاحها في الآونة الأخيرة من أجل التنمية ينبغي أن تكون ملكًا للدولة. ويظهر تحقيق صحيفة «فايننشال تايمز» أن مجموعة «بريمير» بمثابة ذراع يملكها الملك وعائلته بحسب أشخاص مطلعون على الوضع، وتستخدم هذه الأراضي الساحلية بكثافة للحصول على حصص في مشروعات مشتركة خاصة. ولم يجد المشرعون في البحرين أي سجلات تفيد بدفع تكاليف هذه الأراضي للدولة.

وقد وجدت «فايننشال تايمز» أن الشركات التابعة لمجموعة «بريمير» تمتلك أسهمًا في المشاريع الحكومية بقيمة استثمار تبلغ 22 مليار دولار على الأقل، بالإضافة إلى محفظة عقارات فاخرة واسعة في بريطانيا.

وتُظهر ملفات تسجيل الشركات والأراضي التي استعرضتها «فايننشال تايمز» والوثائق التي قدمتها مجموعة «بحرين ووتش» أن أحد الشركات التابعة لمجموعة «بريمير» – وتحديدًا شركة ستون - لعبت دورًا محوريًا في سعي النظام الملكي لجني أرباح في البحرين والمملكة المتحدة.

واشترت شركة «ستون» فنادق فخمة وشقق ومباني مكتبية في بريطانيا تقدر قيمتها بحوالي 900 مليون دولار أمريكي. وتم شراء معظم تلك العقارات بين عامي 2006 و2007م عندما وقّعت «بريمير» عدة صفقات مُربحة لتطوير ملكيتها على الأراضي التي كان من المقرر استصلاحها في البحر.

وقال شخص مُطلع على التعاملات المالية الخاصة بمجموعة «بريمير» للصحيفة إن الشركة اختارت لندن كملاذ للاستثمار. وأضاف ذلك الشخص إنه تم تمويل بعض هذه الممتلكات عن طريق «مبيعات الأراضي». وقامت «بريمير» في الآونة الأخيرة ببيع بعض من أوراقها المالية في المملكة المتحدة؛ وفقًا لسجلات المِلكية.

وعلى مدى العقد الماضي، أصبحت شركة «ستون» والشركات التابعة لها يمتلكن العديد من الأراضي تحت الماء بالقرب من الساحل في البحرين. وفي عام 2002م، أصدر الملك قانونًا يخول له وحده منح حقوق تمليك أراضي الدولة. واستخدم هذه السلطة في العديد من الحالات لنقل ملكية الأراضي لشركات تابعة لمجموعة «بريمير»، وفقًا لمستندات الأراضي التي اطلعت عليها «فايننشال تايمز».

وفي عام 2011م حيث العام الذي شهد اندلاع احتجاجات الانتفاضة العربية، خرج النشطاء في البحرين إلى الشوارع مطالبين بمزيد من الحقوق السياسية ووضع حد للفساد. واحتجوا أيضًا ضد صفقات الأراضي المستصلحة المثيرة للجدل؛ والتي اعتبرتها المعارضة مصادرة للأصول العامة. وشرعت الحكومة في حملة قمع دامية، وغادر عشرات البحرينيين في وقت لاحق إلى المملكة المتحدة طالبين اللجوء.

وفي الوقت الذي يستثمر فيه جيران البحرين الأثرياء حوالي عشرة مليارات دولار لإحياء اقتصاد الجزيرة، بدأت الحكومة حملة لإحياء صورتها كصديقة حميمة لأعمال التجارية. ولكن الاستقرار السياسي لا يزال بعيد المنال بعد مُقاطعة المعارضة الانتخابات العامة الشهر الماضي.

وقد أثبت تحقيق «فايننشال تايمز» أن بعض الأراضي تحت الماء الممنوحة لشركات مجموعة «بريمير» تمّ مبادلتها لاحقًا بحصص في مشاريع مشتركة بمليارات الدولارات مع البنوك الإسلامية وغيرها من المستثمرين لبناء مساكن وممتلكات تجارية وفنادق فاخرة.

ورفضت مجموعة «بريمير» – التابعة للديوان الملكي والملك «حمد بن عيسى آل خليفة» – إعطاء أي تعليق. كما قالت سفارة البحرين في لندن إنها غير مخوّلة بالتعليق على المسائل المتعلقة بالشركات الخاصة.

وقالت مجموعة «بحرين ووتش»: «هذه أصول تنتمي لشعب البحرين ويتعين إرجاعها إلى الموازنة العامة للدولة. لقد تم خصخصة الخطوط الساحلية في الجزيرة الجميلة وتمّ تدميرها لتمهيد الطريق لتطورات خاصة بالأسرة الحاكمة».

ومن بين أحد المشاريع المثيرة للجدل «ديار المحرق»؛ وهو تطوير سكني وتجاري بقيمة 3,2 مليار دولار أمريكي على الطرف الشمالي الشرقي من البحرين. المشروع المشترك بين شركات تابعة لمجموعة «بريمير» وبنك «بيت التمويل الكويتي» الإسلامي هو بمثابة أكبر موقع للتنمية الحضرية الخاصة في البحرين، ويمكن يومًا ما أن يكون محلاً لسكن 100 ألف شخص.

جزء من الأرض المستخدمة في المشروع كانت مملوكة لشركة «ستون"، وفقًا لوثيقة تحقيق برلمانية صادرة عام 2010م حصلت «فايننشال تايمز» عليها.

وبدأ الشركاء في المشاريع المشتركة خلال عام 2007 جمع الأموال عبر السندات الإسلامية أو الصكوك. عائدات السندات والمبيعات المُسبقة كان بهدف تمويل تكاليف تطوير المشروع؛ بحسب ما جاء في النشرة التمهيدية لإصدار الصكوك.

وتكشف النشرة التمهيدية عن الكيمياء المالية لجني الأموال من الرمال. واعتُبرت القطعة من الأرض البالغ قيمتها 103 مليون دولار مساهمة «عينية» للشراكة مع مستثمري الصكوك. ويأمل المستثمرون بيع الأراضي لمطورين فرعيين بـ 1,3 مليار دولار أمريكي.

وعلى بعد أميال قليلة باتجاه الغرب، هناك خليج البحرين الواعد بعائدات المالية العالية لمجموعة «بريمير». ويقبع هناك بنك «آركابيتا» الإسلامي بمقراته المتعددة وفندق «فور سيزونز» في منطقة قريبة من مركز التجارة وسط العاصمة المنامة.

وفي ديسمبر/كانون الأول 2005م؛ بدأ مشروع «تطوير خليج البحرين» – وهو مشروع مشترك بين بنك «آركابيتا» وإحدى الشركات التابعة لمجموعة «بريمير» –  في جمع مبلغ 175,5 مليون دولار من المستثمرين لجعل هذه التصور حقيقة على أرض الواقع.

وتبين سندات الملكية التي اطلعت عليها الصحيفة أن الأراضي التي يقع عليها بنك «آركابيتا» وفندق «فور سيزونز» تعود ملكيتها إلى شركة «ستون».

وكانت الأراضي التي تمتلكها المجموعة بمثابة تذكرة دخولها المشروع المشترك. وكان سعر تلك الأرض في تلك الأثناء 136,5 مليون دولار أمريكي عُرضت في مقابل امتلاك حصة تبلغ 40 % في الشركة التي تطوّر خليج البحرين؛ وفقًا لوثائق مالية اطلعت عليها «الصحيفة».

وواصلت مجموعة «بريمير» سعيها خلف عوائد استثمار قوية في عام 2008م عندما شرعت في استصلاح «مرسى السيف»؛ موقع لمشروع حصري آخر مقترح في شمال البحرين بقيمة تبلغ 2,5 مليار دولار. كما حصلت المجموعة على حصتها في مشروع مشترك مع مستثمرين دوليين من خلال المساهمة بقطعة من الأرض.

عندما سعى المستثمرون الدوليون للمساعدة في تمويل مشروع «مرسى السيف»، قيل لهم أن عليهم أن يتوقعوا عودة 85% من الاستثمارات في غضون ثلاث سنوات؛ وفقًا لوثيقة مالية.

ولكن اليوم، وبعد ست سنوات من بدء المشروع، فإن «مرسى السيف" صارت ضحية لأزمة الائتمان العالمية والاقتصاد المتدهور في البحرين. ولا يزال الموقع عبارة عن مساحة جرداء من الرمال قبالة سواحل إحدى القرى الأكثر فقرًا في البحرين، حيث تغطي عبارات الرفض لقتل وسجن المحتجين جدران المباني المتهالكة على طول الطرق المليئة بالحفر.

«بريمير» في لندن

ودخلت مجموعة «بريمير» سوق العقارات في لندن عام 2003م لتمتلك مجموعة عقارية مُكونة من ثمانية طوابق بقيمة 40 مليون جنيه إسترليني في الجهة المقابلة لــ«هارودز»؛ وفقا لسجل الأراضي ومستندات الشركات.

وامتلكت بحلول نهاية عام 2008م ما لا يقل عن 21 بناية وأربعة فنادق في المملكة المتحدة، منها 219 غرفة نوم في فندق «فور سيزونز بارك لين» وفندق «هانبيري مانور ماريوت».

وحصل أكثر من 40 شركة أغراض خاصة مسجلة في جيرسي والمملكة المتحدة على محفظة العقارات في المملكة المتحدة، وكلها كانت شركات فرعية تابعة لشركة «ستون» والمملوكة في نهاية المطاف لمجموعة «بريمير». ويطابق الترتيب كيفية هيكلة المستثمرين الأجانب مشتروات عقاراتهم في بريطانيا من خلال الملاذات الضريبية الخارجية.

وهناك بعض المؤشرات التي تظهر أن مجموعة «بريمير» تفكر في مغادرة البحرين أو على الأقل تقليل حجم ممتلكاتها لتستبدل ذلك بممتلكات في بريطانيا. وطرحت بالفعل عددًا من العقارات في السوق خلال العامين الماضيين.

وفي العام الماضي؛ تم بيع ثلاثة على الأقل بقيمة 53 مليون جنيه إسترليني بحسب ما جاء في بيانات السجل العقاري لإنجلترا وويلز.

كما اشترت شركة «ستون» - بالإضافة إلى محفظتها المالية العقارية في المملكة المتحدة – مجمع مكاتب من تسعة طوابق في شارع جورج الخامس في باريس بقيمة 160 مليون دولار خلال عام 2007. وتمّ في نهاية يونيو/حزيران الماضي بيع المبنى إلى «بريدينشيال ريل إستيت إنفستورز» بمبلغ لم يُعلن عنه.

ولم تستجب مجموعة «بريمير» لمطالب إبداء تعليق من جانبها.

«بريمير» في الداخل

وبقيت التعاملات التجارية لمجموعة «بريمير» سرية تقريبًا.

ويقول مستثمر سابق انهار مشروعه مع المجموعة: «خلال المفاوضات التجارية لا نكاد نسمع اسم مجموعة «بريمير» بقدر ما نسمع بدلاً منه «صاحب السمو الملكي» أو«الملك». لقد أدركنا أننا نتعامل حصريًا مع الديوان الملكي وأن مجموعة «بريمير» ما هي إلا مجرد كيان تابع للديوان الملكي».

وأظهرت السجلات المالية من عام 2005 أن «بريمير» مملوكة لديوان البلاط الملكي؛ هيئة صنع القرار التي يسيطر عليها الملك «حمد بن عيسى آل خليفة». ولا يضم مكتب تسجيل الشركات في البحرين من يمتلكون أسهم «بريمير». وهذه المعلومات مُتاحة بشكل عام للشركات المماثلة.

«عبد الله بن إبراهيم الرميحي» - الذي تمت ترقيته في عام 2010 إلى رئيس الديوان الملكي – معروف بصفته مديرًا لعشرات الشركات التابعة لمجموعة «بريمير» في البحرين، والتي تمتلك شركات في جيرسي والمملكة المتحدة. ويعمل «الرميحي» تحت سلطة الشيخ «خالد بن أحمد آل خليفة» وزير الديوان الملكي.

وتشير المعلومات المتاحة للجمهور أنه بالإضافة إلى المِلكية، فإن «بريمير» تستثمر في محفظة صناديق التحوط وصناديق الأسهم الخاصة وصناعة السيارات في المملكة المتحدة.

ورفضت مجموعة «بريمير» والديوان الملكي والملك «حمد» نفسه إعطاء أي تعليق للصحيفة.

المصدر | فايننشال تايمز

  كلمات مفتاحية

البحرين بريطانيا حمد بن عيسى