«ميدل إيست آي»: النظام المصري يغذي «الفاشية» ضد معارضيه ويحول مواطنيه إلى «مخبرين»

الجمعة 12 مايو 2017 10:05 ص

في كثير من الأحيان، ينظر أولئك الذين يسعون إلى تحليل الأوضاع في مصر إلى القضايا الأساسية مثل الاقتصاد والسياسة والتعليم.

لكن بدلًا من سرد الطرق التي وصلت بها جماعات مثل تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) إلى دلتا النيل، أو كيف ارتفع معدل التضخم إلى 31% تحت قيادة «عبد الفتاح السيسي»، علينا أن ننظر بعمق في الأمور التي قد لا يفهمها إلا فئة محدودة من الناس. نحن بحاجة إلى تحليل ظاهرة جديدة، وهي الحالة الفكرية التي تسيطر على البلاد.

وفي مصر، يوجد لدينا شكلٌ من أشكال الإرهاب الفكري، وذلك من قبل الشعب ضد الشعب. ولا نتحدث هنا عن مجرد شكل من أشكال حكم «الأخ الأكبر». بل يحدث الضرر من قبل الملايين من الإخوة الصغار الذين ينتشرون سرطانيًا خلال الجسم السياسي المصري، سواء داخل حدوده أو خارجه.

ولا يحتاج الجيش إلى دخول المنازل، فقد غزا بالفعل عقول أصحابها.

سيناريو متخيل

قم بأخذ أي مجموعة من المصريين الذين يجتمعون من أجل مشروع في عمل ما. وقد يكونون شريحة عريضة من القوى العاملة المصرية، رجالًا ونساءً، مسلمين ومسيحيين، صغارًا وكبارًا، متزوجين وعزاب، مسيسين وغير مسيسين.

تبدأ المحادثة، بعض الكلام تقليدي والبعض الآخر لا. تخوض بعض تلك المحادثات في مواضيع حساسة مثل السياسة والاقتصاد.

وبغض النظر عن المجموعة، يلعب شخصٌ ما في وسطها دور النظام ووكالاته الأمنية وبأفضل وجه، وعمل النظام هنا يكون إبلاغ الشرطة وتحويل الاختلاف السياسي إلى خيانة للوطن. ودائمًا ما كنت تسمع في مصر الحديثة أنّ الجدران لها «آذان»، لكن منذ ثورة عام 2011، أصبحت هناك ملايين الآذان في الجدران وما حولها.

يتم اختيار الرجل أو المرأة في مرحلةٍ ما من حياته ليكون مخبرًا، من أجل المكاسب الشخصية أو بدافعٍ مضلل ووطنية مزيفة. يبث النظام أفكاره، ويتبنى هذا المخبر «المتطوع» العقلية البوليسية للنظام.

ويصبح أي شخص، رجل أو امرأة، مسلم أو مسيحي، صغير أو كبير، طالما ينتقد النظام، خائنًا للوطن، أو عضوًا بجماعة الإخوان المسلمين. والأمر سيان لدى أصحاب هذه العقلية.

وما لا يخطر أبدًا ببال أصحاب هذه العقلية هو وجود مجموعات أخرى في المجتمع المصري خارج إطار جماعة الإخوان المسلمين قد يكونون أشد انتقادًا للنظام وللرئيس المصري. وما لا يقل خطورة عن هذا المنطق الثنائي الاختزالي، منطق من ليس معنا فهو ضدنا، هي الحاجة الغريزية لتدمير أو إيذاء «الآخر». فعلى الرغم من أنّ المخبر قد لا يمكنه معاقبة أو الإضرار جسديًا بالآخر، فإنه هدفه هو إلحاق الضرر بالسمعة الاجتماعية للهدف، والتقليل منه وعزله في هذا المجتمع الصغير.

الصمت هو الهدف، والخوف والإرهاب الفكري هما الأداة، والنتيجة دولة يفكر الناس مرتين قبل أن يختلف أحدهم مع الأغلبية.

سحق الآخر

هذه الظاهرة، هي جزءٌ لا يتجزأ من الفاشية الكبيرة التي اجتاحت مصر، وكذلك العديد من البلدان الأخرى بدرجاتٍ متفاوتة، ولا يقتصر الأمر على أماكن العمل المصرية أو البيوت والمنازل، ولكن في كل ما هو مصري في فضاء الإنترنت كذلك.

يظهر ذلك جليًا في فيسبوك وتويتر. وبدلًا من العنف البدني، تستخدم الوحشية اللفظية من قبل جميع المعسكرات الاجتماعية والسياسية لإسكات الأصوات البديلة.

ولا يقتصر هذا على المعسكر الموالي للحكومة فحسب. فالثوار واليساريون والإسلاميون والسلفيون والعلمانيون مذنبون بنفس القدر من الجريمة المعقدة التي تتمثل في الصوت العالي تجاه الذين يختلفون معهم، إضافةً إلى إهانتهم ومهاجمتهم بقوة، بدلًا من النقاش.

وقد أصبح النقاش في بعض الدوائر وبأشكال معينة هو الاستثناء بدلًا من القاعدة. وبالنسبة للكتاب الذين يغطون الأوضاع في مصر، إذا كانوا في صف المعارضة أو مستقلين، فإنّهم ينتظرون وابلًا من الردود الهجومية من قبل جيش إلكتروني في التعليقات على المقالات.

وعندما يصل الأمر إلى التشويه والهجوم والإرهاب الفكري المتعمد والممنهج، يصبح ذلك غير مقبول.

حقائق غير مريحة

على سبيل المثال، ظهر في الأسبوع الماضي أنّ الرئيس السابق «محمد مرسي» قد حرم من الزيارات منذ اعتقاله، في تناقضٍ صارخ مع وضع «حسني مبارك»، الذي عولج كملك في جناح بمستوى خمس نجوم في المستشفى، حيث سمح له بعددٍ غير محدود من الزيارات. وكان أي حديث حول هذا الأمر، يتلقى اتهامات وهجوم بطبيعة الحال.

وقد تحدثت «منى سيف» حول الأمر، وهي واحدة من أهم المدافعين عن حقوق الإنسان في مصر بغض النظر عن الانتماء، وتعد أسرتها ثورية للغاية. وقد هوجمت بضراوة من قبل المنتقدين لحديثها عن حق الرئيس السابق «مرسي»، وبرر المنتقدون ما حدث بأنّه هكذا يجب معاملة «الإرهابيين».

ويختلف الأمر تمامًا عن الاختلاف في الرأي. وهو شيء آخر تمامًا. إنهم يرتكبون التشهير والسب والقذف، ويدّعون أن ذلك من حرية التعبير. وكونك تدرك أنّك تتعامل مع أشخاص لا يتمتعون بالإنسانية، يتحول ذلك الإدراك إلى حقائق غير مريحة.

وما وصل إليه وضع حديث المصريين مع بعضهم البعض اليوم، ما هو إلا انعكاسًا للعنف الذي لاقاه عشرات الآلاف في السجون، ومئات الآلاف في التجارب اليومية في سيناء، والملايين الذين يئنون تحت الحكم العسكري، وخصوصًا منذ الانقلاب الذي بدل كل جانبٍ من جوانب الحياة المصرية.

والمجتمع الذي لديه العديد من المعسكرات التي تتناقش بشكلٍ محترم نسميه ديمقراطيًا. لكنّ المجتمع في مصر يدمر نفسه، كمدمن هيروين يدمر نفسه عن عمد بضخ السم في عروقه.

وفي الوقت الذي يحاول فيه النظام تشييد بناءٍ من الفاشية التي تخنق كل رأي أو اختلاف، يكون من العبث الحديث عن انتخاباتٍ رئاسية في عام 2018. فإذا كان المصريون لا يستطيعون حتى إبداء رأي مختلف خوفًا من عدة مستويات من الانتقام، فكيف يمكنهم حتى مجرد التفكير في انتخاباتٍ ديمقراطية.

إنقاذ ما يمكن إنقاذه

إذًا فلماذا نتحدث الآن عن حرية التعبير والهجمات التي تتعرض لها؟ حقيقةً، لا يمكن إنقاذ أمة على شفا الهاوية دون الاحتماء بجسر حرية التعبير.  ومصر هي دولة في ورطة على جبهاتٍ متعددة، وذلك حتى وفقًا لرئيسها. وبدون حوارٍ وطنيٍ شفافٍ بين مواطنيها والصحافة والمنظمات غير الحكومية والبرلمان والحكومة، سيظل الأمل في التغيير الحقيقي سرابًا في أحسن الأحوال.

ما الذي يخشاه المصريون؟ إنّ النظام الذي لا يتردد في إسكات الصحافة والمواطنين، لن يتوقف عند هذا الحد.

وقد وصل النظام في مصر الآن إلى محاولة تقويض القضاء، الذي استخدمه في السابق في معاقبة خصومه من الإخوان المسلمين والثوريين. وهو يعاقب الآن مجلس الدولة، السلطة القانونية البارزة، عن دورها في إعلان مصرية الجزر في البحر الأحمر (تيران وصنافير).

وقال «ناثان براون»، أستاذ العلوم السياسية والشؤون الدولية بجامعة جورج واشنطن، هذا الشهر: «يتعرض القضاة الآن للتهديد بمشروع قانونٍ يمنح الرئيس سلطة تقديرية في إجراء بعض التعيينات القضائية الرئيسية».

وحاليًا، تقف السلطة القضائية تحت تلسكوب التهديد من قبل النظام. وإذا قوّض النظام القضاء، فهو بذلك يهاجم المعقل الأخير الذي يعمل نيابةً عن المواطنين، ولو نظريًا على الأقل.

وفي الأسبوعين الماضيين، اتخذت مصر خطوةً كبيرةً لتصبح نموذجًا من كوريا الشمالية في الشرق الأوسط، حيث وافق 60 عضوًا من البرلمان على مناقشة مشروع قانون يطلب من المصريين الحصول على تصاريح حكومية وموافقات قبل استخدام وسائل التواصل الاجتماعي. وإذا لم يكن الأمر مأساويًا للغاية، فإنّه سيكون كوميديًا جدًا.

بمرور الأيام، تستمر ممارسة الإرهاب الفكري من قبل الحكومة والمواطنين على حدٍ سواء، الأمر الذي يدفع مصر خطوةً أقرب لتصبح كهفًا مظلمًا من الاستبداد.

ماذا نستطيع أن نفعل إذًا؟ الاستماع إلى بعضنا البعض بعقل منفتح. وأي تأخير قد يحدث في هذا الهدف، قد يكلف المصريين أكثر مما قد خسروه بالفعل.

المصدر | عمرو خليفة - ميدل إيست آي

  كلمات مفتاحية

السيسي الفاشية الفكرية العقلية الأمنية