«ذا ديلي بيست»: «رحيل شريف».. جنرال باكستاني يبحر وسط عاصفة إيرانية سعودية

السبت 13 مايو 2017 04:05 ص

لعدة أشهر من هذا العام، كان الغموض والارتباك معبرًا عن حال الجنرال «رحيل شريف»، رئيس أركان الجيش الباكستاني المتقاعد. هل سيكون القائد الأعلى للتحالف العسكري الإسلامي الذي تقوده السعودية وأنشأته الرياض عام 2015، أم لا. ولم يعلق «شريف» نفسه أبدًا. ثم بهدوء، وفي أواخر أبريل/نيسان، وصل هو وأسرته إلى الرياض لتولي العمل بلا كثير من الضجة. وسوف تؤدي توليه قيادة التحالف إلى إثارة المزيد من التساؤلات.

وكان «شريف»، البالغ من العمر 60 عامًا، قد تقاعد كرئيس أركان للجيش الباكستاني في الخريف الماضي. ويعد رئيس أركان الجيش هو أقوى منصب في باكستان، وهو المتحكم بحكم الواقع في المقدرات النووية في البلاد. وخلال فترة ولايته في منصبه، تم تسليط الضوء على حملة كبيرة شنها على طالبان الباكستانية. وظل الجيش الباكستاني حالة حرب مع طالبان الباكستانية، والآن مع ما يسمى بالدولة الإسلامية (داعش)، والتي أسست بنية تحتية لها في البلاد.

ويضم التحالف العسكري الإسلامي الذي تقوده السعودية حاليًا 41 عضوًا. وقال بعض المعلقين السعوديين أنّ باكستان هل أفضل من يقدم قائدًا للتحالف، لأنّها الدولة الإسلامية الوحيدة التي تمتلك أسلحة نووية. وفي الواقع، تمتلك باكستان أسرع ترسانة نووية في العالم من حيث النمو. وبهذا فإنّ أوراق اعتماد الجنرال «شريف» تتفوق على أي جنرالٍ مسلمٍ آخر. وهناك دلالةٌ واضحة حول المكان الذي يمكن أن يذهب إليه التحالف إذا احتاج إلى قنبلة نووية.

اعتماد تاريخي

وقد اعتمدت المملكة العربية السعودية على الدعم العسكري الباكستاني لعقود. وفي الثمانينات، تم نشر آلاف القوات الباكستانية في المملكة، واستمرت الشائعات حول وعدٍ من باكستان بالدفاع عن السعودية إذا لزم الأمر في أي وقت لعقودٍ من الزمن. وكانت باكستان عضوًا في التحالف العسكري الإسلامي منذ إنشائه.

ومع ذلك، رفضت باكستان الطلبات السعودية بإرسال قوات برية للانضمام إلى حربها في اليمن ضد المتمردين الحوثيين. وفي عام 2015، صوت البرلمان الباكستاني بالإجماع برفض الانضمام إلى التحالف الذي تقوده السعودية في اليمن. إلا أنّ الجماعات المتشددة مثل «لشكر طيبة» تؤيد نشر قواتٍ باكستانية في اليمن. ومثل الأمر صدمةً للسعوديين. فبدون الباكستانيين، لا يملك التحالف السعودي سوى عددًا قليلًا جدًا من القوات البرية. وتسبب ذلك في المستنقع الذي لا تستطيع المملكة الخلاص منه حتى يومنا هذا.

ومن شأن تعيين «شريف» قائدًا للتحالف العسكري أن يعزز مصداقية الناتو العربي. وقد قام التحالف بتدريباتٍ عسكريةٍ واسعة النطاق فى المملكة، لكنّه لم يطور قيادة مشتركة قوية أو مقرًا يضم ممثلين عن أعضائه الـ 41. وقد أثبتت التحالفات العسكرية العربية والإسلامية السابقة دائما أنّها كيانات هشة وجوفاء، تقدم الكثير من الكلام والقليل من القوة.

وتسبب عدم اليقين بشأن موقف «شريف» في الجدل الدائر داخل باكستان حول ما إذا كان ينبغي لشريف أن يتولى تلك المسؤولية في الأصل. ومع استبعاد التحالف العسكري الإسلامي  لإيران والعراق، فإنّه يُنظر إليه كتحالفٍ سني ضد الشيعة. وقد استهدفت المناورات إيران بشكلٍ واضح. وكان من المفترض أن يكون التحالف ضد الإرهاب، لكن يبقى الغرض الحقيقي هو مكافحة نفوذ وتطلعات إيران.

وتعارض الطائفة الشيعية الكبيرة في باكستان الانضمام إلى تحالفٍ مضادٍ لإيران بشكلٍ صارخ، كما أنّ السياسيين الباكستانيين السنة يعارضون أن تميل البلاد إلى طرفٍ من الأطراف على حساب إيران. ويريد المسؤولون الباكستانيون الحفاظ على علاقاتٍ ودية مع كل من الرياض وطهران، حيث تشهد باكستان بالفعل توتراتٍ طائفية قوية وعنيفة. ويستغل كلٌ من طالبان الباكستانية وتنظيم الدولة الانقسام الطائفي ويقومان باستهداف الشيعة. ويظهر رئيس الوزراء الباكستاني «نواز شريف» (ليس قريبًا لرحيل شريف) حرصه بشكلٍ خاص على منع البلاد من الانزلاق عن نهجها المتوازن في التعامل مع المنافسة السعودية الإيرانية.

ولكن بعد أيامٍ فقط من وصول «شريف» إلى الرياض، أجرى وزير الدفاع السعودي وولي ولي العهد «محمد بن سلمان »مقابلةً أدان خلالها إيران، وتلفظ بتعبيراتٍ طائفية شديدة القسوة.

ووصف الأمير جمهورية إيران الإسلامية بأنها تستند إلى نبوءاتٍ محرفة وتعلن عزمها على السيطرة على المجتمع الإسلامي بأسره. وادعى أنّ إيران سعت للسيطرة على مكة. وقال في المقابلة أنّه لا مجال للحوار مع طهران. وأضاف: «لن ننتظر حتى تأتي المعركة إلى السعودية، لكنّنا سنعمل على نقل المعركة داخل إيران». وكان غامضًا حول ما يعنيه ذلك، لكنّ ذلك يشير إلى أنّه يؤيد تغيير النظام في طهران.

موقف حرج

وتضع هذه التصريحات الصارمة لـ«محمد بن سلمان»، كلًا من «شريف» وباكستان في موقفٍ حرج. وقد حاولت الحكومة الباكستانية أن تؤكد لطهران أنّ قيادة «شريف» لا تأتي في إطار العمل العدائي، لكنّها لا تستطيع أن تبرر ما جاء في تصريحات الأمير. وقد احتجت إيران بالفعل على تصريحات «محمد بن سلمان» أمام الأمم المتحدة.

ولعب «محمد بن سلمان» دورًا رائدًا في إنشاء التحالف عام 2015. ومن غير الواضح كيف يؤثر تعيين «شريف» على الأمير. ولم يعلق الأمير بعد حول تعيين الجنرال. ولا يزال معرفة من أراد تعيين «شريف» في التحالف من داخل الأسرة المالكة، لغزًا آخر.

ويساعد تولي الجنرال «شريف» القيادة في تخفيف حدة الغضب السعودي إزاء رفض باكستان الانضمام إلى حرب اليمن، ومن الواضح أنّ هناك حاجة إلى بعض التغييرات في الطريقة التي يتم بها تشغيل العملية برمتها. وهناك بالفعل تقارير تفيد بأنّ «شريف» كان له الدور الأكبر في إقالة قائد الجيش السعودي في الآونة الأخيرة، بسبب عدم كفاءة أدائه في مستنقع اليمن الذي لم يستطع الخلاص منه منذ عامين، والذي يضع أغنى دولة عربية ضد الدولة العربية الأفقر. إذًا، ما هو الدور الذي سيضطلع به «شريف» في اليمن في المستقبل، حسنًا،  إن وجد، فهو أمرٌ غير واضحٍ أيضًا.

وتؤكد الطريقة الغامضة التي عين بها «رحيل شريف» قائدًا للتحالف العسكري، الذي يضم عددًا أكبر من الأعضاء من الناتو الحقيقي، الاستقطاب الخطير للعالم الإسلامي بين السنة والشيعة والصراع العالمي بين السعودية وإيران.

ولم يشهد العالم الإسلامي منذ قرون عنفًا طائفيًا بين مجتمعيه الرئيسيين بهذا الشكل المكثف كما هو عليه اليوم. ويبدو أنّ الجنرال الباكستاني قد دخل إلى منتصف العاصفة.

المصدر | ذا ديلي بيست

  كلمات مفتاحية