فيلم «حرب الشتاء»..بصمة فرنسية فريدة تؤكد المعارك كر وفر ولا منتصر!

الاثنين 15 مايو 2017 02:05 ص

سينما الفكرة تتجلى في أبرز صورها عبر أخذ قطاع عرضي أو شريحة من أحداث بارزة كالحرب العالمية الثانية، على سبيل المثال، فتعرض له متجاوزة الحدث السابق ويكفيها أن تتعرض له ببعض كلمات (الناريشين) أو التعليق الصوتي، وتترك المشاهد يعيد ترتيب «قطع البازلت» أو المواقف التي لم تروها له.

صدر فيلم «حرب الشتاء» منذ 6 أسابيع فحسب (في الأول من أبريل/نيسان 2017م) عن السينما الفرنسية بتوقيع مُميز؛ رغم أن الإنتاج لم يكن باهظ التكاليف من مثل فيلم «ستالينغراد» الألماني الصادر في عام 1993م، وقد تعرضنا له بالتحليل النقدي مؤخرًا، فالفيلم الأخير يتناول قطاعًا طوليًا في الحرب العالمية الثانية عبر جانب من الجيش الألماني وانتقاله من إيطاليا إلى روسيا في معركة كانت بداية التحول إلى هزيمة دول المحور.

نقطتا التشابه في فيلم هذه الأمسية المُبكرة أن الفيلم هذه المرة يُعرض لما اصطلح على تسميته بـ«ستالينغراد الفرنسية» حيث كانت مذبحة بالفعل للقوات الفرنسية والأمريكية في قتال مرير ضد الألمانية هزمت الأخيرة فيه في النهاية، أيضًا..إلا أن نقاط الاختلاف التقنية بين الفليمين واسعة متعددة الجوانب..بداية من تكاليف الإنتاج نهاية بزوايا التصوير..مرورًا بالإنسانية العالية لكن من داخل الحرب لا من خارجها وداخلها معًا..كما في فيلم «ستينالغراد» الألماني!

اختصارات

مؤلف فيلم هذه الأمسية المُبكرة وبطله ومخرجه شخص واحد، على طريقة اختصار النفقات والتكلفة، فـ«ديفيد أبوكايا» قام بالأمور الثلاثة، وإلى جواره أخيه «لارنت أبوكايا»، في دوري «فرانسوا هيناك» و«رودلف هيناك».

اشترك المظليون الفرنسيون في غير مواقعهم الأصلية في القتال كمشاة في موقعتيّ فوسغيس والألزاسية؛ وبمشاركة من الوحدة الأمريكية 245 التي لم يعجبها الأداء الفرنسي في فوسغيس رغم التضحيات، ويبدأ الفيلم عقب المعركة الجانبية الأخيرة، إذ تبدو الثلوج في يناير/كانون الأول 1945م وفيرة في طريق القوات إلى جبيشتم، القرية الفرنسية المُحتلة من قوة ألمانية؛ ولخطورة القرية الاستراتيجية في استعادة مواقع فرنسية مؤثرة في الحرب..تضطر القوتان الفرنسية والأمريكية إلى محاصرة الغابات المحيطة بها مع تساقط الثلوج الكثيف وقلة العدد بالنسبة للقوات الألمانية.

وخلال المعركة يُقتل 60% من فوج المظليين الفرنسيين إلى جانب 300 مقاتل من الأمريكيين؛ لكن التوتر والخوف الذي ساد بداية المعركة وحدة المواقف، وتخيل أن الإله، بحسب الفيلم، تخلى عن المقاتلين وأن السماء تنزل ألمانًا فوق الرؤوس (!) سرعان ما يتم تعديله لما تلوح بوادر هزيمة الغزاة وتراجعهم.

إنسانية الداخل

المُشاهد للفيلم الألماني الرائع «ستالينغراد» وللفيلم الفرنسي الذي لا يقل عنه «حرب الشتاء» يُوقن بأن طرق التعبير عن الحروب تختلف وتظل قسوتها للمُنتصر كما للمهزوم؛ فالفيلم الأول مثلته دولة من المحور لهزيمتها المضنية ومقتل مئات الآلاف في روسيا؛ والثاني قدمه التحالف المُنتصر قبل 8 من مايو/أيار الجاري؛ ذكرى وضع الحرب العالمية الثانية أوزارها الـ67، وفي الحالين ظهرت الحرب كمعارك كر وفر بدأت بأسباب تافهة من ناحية الحكام الطغاة ولم تنته إلا حاصدة أرواح البسطاء؛ فالقتلى هنا كما هناك شباب غض طري يافع كان يأمل في الحياة أُخِذَ من الحقول والمزارع وقوات الأمن الداخلي من جانب المحور كما الحلفاء من أجل ان تنتهي حياته في التيه والثلج.

في فيلم الأمسية لا يأتي الأبطال مُحملين بالتجارب الاجتماعية والمرارة والفقد للأقارب كما في «ستالينغراد» أو الفيلم الإسباني «آخر رجالنا في الفلبين» بل إن الجميع في فيلم الليلة مهموم حزين لوضعه الحالي في حرب لا يعرف متى تنتهي، ولم يعلمه التدريب من أجلها..حتى في جانب قوات مثل المظلات تتلقى تدريبات مكثفة، أن الموت سيكون لها بالمرصاد على هذا النحو الرهيب، وأن الحياة ستمتد بهم رغم فقد وفراق أحب الأصدقاء إليهم؛ أولئك الذين شاركهم لحظات المرارة في الحرب..وكانوا يأملون في نهايتها بسلام!

والتركيز على إنسانية الداخل في فيلم الأمسية يعلمنا أن طوفان المشاعر والأحاسيس الحياتية والمشاعر الصادقة لا ينتهي؛ وأن المُشاهد الواعي مهما شاهد من أفلام جيدة فإن كتاب التجارب والصور والمشاهد الصادقة أبدًا لا ينتهي ما استمر وجود كاتب وممثل ومخرج، ولو اجتمعوا في شخص واحد!

«العاصفة» بالفرنسية

في 17 من يناير/كانون الثاني 2001م صدر الفيلم المصري «العاصفة» للمخرج «خالد يوسف»؛ وفيه يلتقي مجندان في صف المُقاتلين لتحرير الكويت في حرب عاصفة الصحراء من جانب، والآخر في صف القوات العراقية التابعة للرئيس الراحل «صدام حسين»؛ وغرق الفيلم في التفاصيل الفرعية بخاصة السياسية والاجتماعية كعادة كثير من الأفلام العربية؛ ولكن فيلم الأمسية قدم الموقف المُشابه بتركيز أكبر، وبتناول أرهف وأدق فالمُحارب ضابط الصف في التحالف «هيناك» يلتقي أخاه الفرنسي «ردولف» المُحارب في صف القوات الألمانية (أجبرت الأخيرة 130 ألف جندي فرنسي على القتال في صفهم وسٌموا بالمارجلين وكانوا يتهمون بالخيانة حتى عام 2010م حتى اعتبروا من ضحايا النازية)، وهنا يخرج الفيلم من سياق الإنسانية الداخلية أو المواقف الناشئة عن الحرب لتصوير حماية الضابط الفرنسي لأخيه المُعادي حتى يضحي الأخير بنفسه فداء لمجموعة أخيه المُحاربة وليثبت إليهم أنه ليس سيًئا للغاية..!

دور محدود وحركة كاميرا

يقع الفيلم في قرابة 142 دقيقة ويقع في فخ الأفلام التسجيلية ذات التجسيد التمثيلي كثيرًا إلا أن كثيرًا من انسابية المشاهد تعلق بالذهن في تفرد رائع؛ بخاصة دور «مارية» الراهبة المُتطوعة في «الصليب الأحمر» أو المُمثلة «أنتوني دافين»؛ ورغم أن الدور لا يستغرق إلا دقائق محدودة على الشاشة إلا أنه بالغ التعبير عن ضحايا الحروب الحديثة المجهولين الذين يعدون بمئات الألوف على الأقل.

ففي مستشفى «الصليب الأحمر» في الغابة يتم إسعاف البعض لكن البعض الآخر حالته ميؤوس منها، فتضع «مارية» صليبًا على جبهته في إشارة إلى عدم خدمته ومحاولة اللحاق بأصحاب الجروح المُحتمل الحياة معها.

ولكن أحد الجنود من أصحاب الصليب الدموي (الفرقة المُسعفة خاصة بالصليب الأحمر في مفارقة بالغة الإيلام) قبل أن يلفظ أنفاسه يصر على احتضان يدها، وهي الراهبة، لإنه كان سيبلغ العشرين من عمره الليلة، وهو يحب أن يعانق يدها قبل وفاته.

كانت حركة الكامير بالغة التميز في الفيلم؛ ففي مشهد المستشفى ظهرتْ لقطات وكأنها من كاميرا محدودة الجودة (كاميرا مراقبة)، في تعمد من مخرج الفيلم وكأنه يخبر المشاهد أنه لا ينقل إلا الحقيقة؛ وقرب نهاية الفيلم تبدو اللقطات المُصغرة للواقع عبر الطائرة لتقول للمشاهد إن الانتصارات قليلة في مقابل باهظ الخسائر من فقدان جزء كبير من الإنسانية في نفوس ضحاياها الذين واصلوا الحياة أو القتلى..وإن كسبتْ جبهة الحرب في معارك متواصلة من «الكر والفر»..!

  كلمات مفتاحية

حرب الشتاء بصمة فرنسية المعارك كر وفر