استطلاع رأي

أي من هذه الدول تمارس الدور الأكثر إيجابية في حرب غزة؟

السعودية

مصر

قطر

إيران

تركيا

أهم الموضوعات

طبقات اليمين الإسرائيلي وبصيرة دا سيلفا

عن أوهام التفاؤل الأميركي

أزمة اقتصاد مصر وانتظار الفرج من الخارج

نحو وقف الحرب على غزة

سيناريو اليوم التالي للحرب

روسـيا والعـالم الإسـلامي

الأربعاء 24 مايو 2017 06:05 ص

ليس في الإطلالة على الماضي من خلال الرؤية الاستراتيجية، ما يُحيي حِقَباً تاريخية من التوتر الشديد والصراع العنيف اللذين سادا عبر العصور، بين الشعوب الإسلامية في آسيا الوسطى والحكومة المركزية في موسكو، وإنما من شأن الرجوع إلى التاريخ، أن يعطي لنا دروساً مهمة تمكن من إقامة جسور من الثقة والاحترام المتبادل، وبناء علاقات تعاون وشراكة على أسس متينة تراعي متطلبات العصر ومتغيراته.

ومن الموضوعية العلمية والنزاهة الفكرية أن نعترف بأن الشعوب الإسلامية في فضاء الإمبراطورية الروسية، عانت كثيراً من الظلم والاضطهاد والعسف واغتصاب الحقوق والعدوان على السيادة والاستقلال.

ففي العهد القيصري، احتُلت إمارات إسلامية من آسيا الوسطى، منها إمارة بخارى، وإمارة قازان، واضطُهدت شعوبُها المسلمة، ومُحيت مظاهرُ حضارتها الإسلامية، وحرمت من القيام بشعائرها الدينية، وطُمست معالم استقلالها الوطني، وضمت إلى الدولة الروسية في القرنين الثامن عشر والتاسع عشر، ثم ضمت إلى الاتحاد السوفياتي، مع غيرها من الكيانات المسلمة التي كانت مستقلة حتى حدود العشرينات.

وفي العهد السوفياتي الاستبدادي تكررت الممارسات التعسفية والسياسات القمعية التي اضطُهدت فيها الشعوبُ الإسلامية في آسيا الوسطى، وتعرّضت هويتُها الحضارية والثقافية الإسلامية للطمس وحقوقها الإنسانية للاغتصاب.

ونحن عندما نقلب هذه الصفحات المظلمة، لا يخامرنا الشك في أنه بعد سقوط الاتحاد السوفياتي، وانهيار النظام الاستبدادي، وتهافت النظرية الماركسية اللينينية، تغيّرت الأحوال، وتنفس المسلمون الصعداء، وعادت الطمأنينة إلى القلوب، فاسترجعت الشعوبُ الإسلامية كثيراً من حقوقها في الحرية والكرامة والعدالة والعيش في أمن وسلام.

فالحاضر لا يشبه الماضي في شيء: فقد ولى ذلك العهد البغيض الذي تعرّض فيه المسلمون في تلك المنطقة الوسطى من آسيا، لصنوف من الظلم والاضطهاد، خلف الستار الحديدي الذي خُنقت فيه الأنفاس، وقُهرت إرادة الشعوب الإسلامية، وغيرها من الشعوب التي تقطن في تلك المناطق.

لقد قامت الدول المستقلة حديثاً، ومنها خمس دول ذات كثافة سكانية مسلمة، ونشأت علاقات جديدة بينها وبين جمهورية روسيا الاتحادية على أسس راسخة من الثقة والاحترام وتبادل المصالح الاقتصادية والسياسية والأمنية، في إطار اتفاقات للتعاون طبقاً لقواعد القانون الدولي.

أما الشعوب الإسلامية المنضوية اليوم في جمهورية روسيا الاتحادية، ومنها على سبيل المثال، الشعب الشيشاني المسلم، والشعب التتاري المسلم، والشعب الداغستاني المسلم، فهي اليوم جمهوريات لها وضع قانوني يناسب تطلعاتها المستقبلية، ويلبي احتياجاتها الحيوية، في إطار الدولة الواحدة.

وإذا كانت روسيا اليوم دولة ذات وزن دولي معتبر، وقوة عظمى لها ثقلها في ميزان السياسة الدولية، فإن العالم الإسلامي يشكل كتلةً حضاريةً إسلاميةً لها امتدادُها النافذ الذي يشمل الجمهوريات المستقلة حديثاً، ويشمل أيضاً، وعلى نحو ما، الجمهوريات ذات النسبة السكانية العالية من المسلمين في روسيا. وهو الأمر الذي يحتم تعزيز التعاون على أوسع نطاق بين روسيا والعالم الإسلامي.

والجدير بالتوضيح في هذا السياق، أن مفهوم العالم الإسلامي هو من العمق والشمول بحيث لا يقتصر على الدول الأعضاء في منظمة التعاون الإسلامي، وعددها سبعٌ وخمسون دولة، وإنما يشمل هذا المفهومُ العميقُ والواسعُ، المسلمينَ في جميع أنحاء العالم، فحيثما وُجد المسلمون، فإن إرتباطهم الروحي والثقافي لا ينفصم عن الأمة الإسلامية.

إن المصالح المشتركة بين روسيا والعالم الإسلامي تفترض أن يقوم بين الطرفين تعاون استراتيجيٌّ واسع المجالات، وأن تتوطَّد العلاقات بين روسيا الاتحادية ودول العالم الإسلامي، ليس اقتصادياً فحسب، بل ديبلوماسياً وسياسياً وعلمياً وتقانياً وثقافياً، من أجل الإسهام معاً في حفظ الأمن والسلم الدوليين، وحماية حقوق الشعوب، وفي تعزيز مبادئ التسامح بين الأمم والشعوب وقيم الحوار بين الثقافات والحضارات وأتباع الأديان.

وإن من شأن تعزيز التعاون الاستراتيجي بين روسيا والعالم الإسلامي، أن يوفر المناخ المناسب للإسهام في عمل مشترك، من أجل محاربة العنف الذي يُنتج الإرهابَ بجميع أشكاله، والتصدّي للتطرف الذي يؤدّي إلى الفهم الخاطئ للنصوص الدينية، وإلى التشدّد الذي يُولد الانحراف، ويتسبَّب في نشوء الصراع بين الأفراد والجماعات وبين الدول التي ينتمون إليها، أو الدول الأجنبية عنهم.

ويأتي في مقدم ما يتطلب أن تقوم به روسيا الاتحادية، التوقف عن المشاركة في دعم نظام بشار الأسد الإجرامي الذي ما فتئ، وطوال ست سنوات، يرتكب جرائم ضد الإنسانية تحت المظلة الروسية وبدعم مباشر من إيران والميليشيات التابعة لها.

إنَّ الإرهاب بات اليوم ظاهرةً عالميةً، مما يستدعي تضافر الجهود، وعلى شتى المستويات، للقضاء عليها، ولبناء القاعدة المتينة للأمن والسلم، ولتوفير الظروف الملائمة لنماء العلاقات الروسية- الإسلامية، في إطار ميثاق الأمم المتحدة والعهود والإعلانات الدولية ذات الصلة، وفي سبيل الازدهار والرخاء والحياة الكريمة للشعوب كافة، في ظل السلام الذي هو قَبَسٌ من الرسالات السماوية.

* د. عبد العزيز التويجري أكاديمي سعودي أمين عام منظمة «الإيسيسكو».

  كلمات مفتاحية

روسيا العالم الإسلامي الرؤية الاستراتيجية الشعوب الإسلامية آسيا الوسطى تعاون وشراكة الإمبراطورية الروسية العهد القيصري الاتحاد السوفياتي سورية نظام الأسد