استطلاع رأي

أي من هذه الدول تمارس الدور الأكثر إيجابية في حرب غزة؟

السعودية

مصر

قطر

إيران

تركيا

أهم الموضوعات

طبقات اليمين الإسرائيلي وبصيرة دا سيلفا

عن أوهام التفاؤل الأميركي

أزمة اقتصاد مصر وانتظار الفرج من الخارج

نحو وقف الحرب على غزة

سيناريو اليوم التالي للحرب

قمة الرياض بين طموح المضيفين وحذر الضيوف

الأربعاء 24 مايو 2017 08:05 ص

في العصر الامريكي لا مكان لمن يرغب في الحياد، او الحرية او الاستقلال. وفي الحقبة الامريكية ليس هناك مجال لمنظمات مثل «عدم الانحياز» او «التضامن الافرو – آسيوي» او حتى «الاتحاد الاوروبي».

وعندما طرح الرئيس الامريكي الاسبق، جورج بوش (الأب) مقولة «النظام العالمي الجديد» هرع الكثيرون الى التنظير لهذا العالم، وقيل يومها انه سيكون مفعما بالحرية وحاميا لحقوق الانسان في ظل انتشار «الليبرالية الديمقراطية» التي اعتقد البعض انها تمثل ذروة ما بلغه العقل البشري في مجال التطور السياسي.

كانت تلك المقولة يتيمة وقصيرة العمر، ظهرت متزامنة مع تفكك الاتحاد السوفياتي والحرب الانجلو – امريكية في الكويت ليصبح العالم أحادي القطبية. وفي غضون عقد واحد طرح الرئيس جورج بوش (الابن) مقولته المثيرة للغط «من ليس معنا فهو مع الارهاب» ليشير الى وجود قطب آخر هو الارهاب. وازدادت اوضاع العالم تدهورا في العقد اللاحق، حتى بلغت اوجها الآن.

ويوما بعد آخر بدأت امريكا مسيرتها نحو الضعف. كانت تخوض حربا ضد التحدي الشيوعي الذي كان الاتحاد السوفياتي يعبر عنه، وبعد سقوطه اعتقدت ان الموقف قد حسم لصالحها، ولكن صراعها التالي في اطار ما اسمته «الحرب على الارهاب» لم يكتب له النجاح. وربما السبب الاهم في ذلك ان الغرب لم يمارس مفاصلة تامة مع تلك الظاهرة، برغم المقولة المذكورة، بل سعى للاستفادة منها معتقدا بامكان ذلك.

أمريكا لم تتعلم كثيرا من تجربتها في افغانستان، عندما تحالفت مع المجموعات المسلحة وساهمت في تأسيس تنظيم «القاعدة» لمواجهة السوفيات، وسرعان ما اصبحت هي الاخرى مستهدفة من ذلك التنظيم. فلو كانت ظاهرة الارهاب مرفوضة تماما من قبل الغربيين لما ترعرعت وانتشرت بالمستوى الذي وصلته الآن.

مشكلة الغربيين انهم بدلا من مواجهة الظاهرة سعوا لاستغلالها لتحقيق أهداف سياسية وأمنية:

أولا، انهم حاولوا توجيهها (ممثلة بتنظيم القاعدة يومذاك) بعيدا عن مرماهم، باتجاه الداخل الاسلامي.  

ثانيا، انهم ارادوها سلاحا ضد مشروع «الاسلام السياسي» الذي تمثله الحركات الاسلامية العريقة خصوصا «الاخوان المسلمين».

ثالثا، انهم، حاولوا عبر سياسة احتضان ظاهرة «الارهاب» واعادة توجيه ايديولوجيتها واتجاه بنادقها، خلق توازن مع ايران التي كانت لهم معها صولات وجولات على مدى اكثر من ثلاثة عقود. فكانت النتيجة ازدياد الاوضاع تعقيدا، وتوسعت دائرة العنف حتى اصبحت تهدد العالم كله، وانتشر في اغلب ارجائه.

ماذا تريد امريكا من العالمين العربي والاسلامي، بل من العالم؟

الامر الملاحظ ان اللعب السياسي والايديولوجي الذي مارسه التحالف الانكلو – امريكي لم يساهم في تقوية ذلك التحالف، خصوصا في المجال الاقتصادي. وبينما تصاعدت القوة الاقتصادية للصين والهند وكذلك اليابان وألمانيا، اصبحت بريطانيا وامريكا بشكل خاص مثقلتين بالدين العام الذي يقترب من ألفي مليار دولار لبريطانيا وعشرة اضعاف ذلك لامريكا.

هذا الوضع المقلق كانت له تبعاته، فدارت الدوائر، واذا بالتحالف الانكلو – امريكي يبتعد تدريجيا عن الحلفاء التقليديين في اوروبا ويسعى للتقارب مع الدول النفطية ذات الوفرة المالية.

في هذا المجال يمكن استيعاب دوافع الرئيس الامريكي الحالي، دونالد ترامب، لحضور ما يسمى «القمة الاسلامية الامريكية» التي عقدت مؤخرا بالعاصمة السعودية. ومع ان الرئيس الامريكي السابق، باراك اوباما، حضر قمة مماثلة في القاهرة قبل ثمانية اعوام الا ان ظروف القمتين مختلفة تماما.

فالاولى جاءت في ظل اوضاع عربية اكثر استقرارا، بينما تعقد القمة الحالية بعد تداعيات الربيع العربي وما ترتب عليها من تطورات سياسية وامنية ليس في العالم العربي فحسب بل على صعيد العالم. خطاب اوباما يختلف كثيرا عن ترامب، فهو أقل تشددا وإثارة وأشد رغبة في كسب أصدقاء لامريكا ذات الصيت السيئ.

القمة الحالية لها اهداف لا تستقيم مع الوجدان العربي الذي تعرض للخذلان من قبل «العالم الحر» عندما كان يبحث عن الحرية والديمقراطية.

القمة السابقة عقدت في القاهرة، لترمز الى مركزية مصر في العالم العربي، بينما تعقد القمة الحالية في الرياض لتوحي بتغير مراكز الثقل في عالم السياسة العربي.

فمصر التي تشهد احتقانا داخليا بعد انقضاض العسكر على تجربتها الديمقراطية قبل اربعة اعوام، اصبحت مهمشة وغير ذات شأن نتيجة تلك التطورات. بينما اصبحت دولة كالامارات مثلا، وهي من اصغر الدول العربية سكانا واقصرها تاريخا (تأسست في 1971) ذات نفوذ يتوسع تدريجيا من خلال التدخل في شؤون الدول الاخرى.

فقد دعمت المعارضة في اوكرانيا ضد التدخل الروسي، وشاركت في التدخل العسكري لضرب ثورة البحرين في 2011 مع القوات السعودية. وقبل ثلاثة اعوام شارك طيرانها في قصف مواقع ليبية لدعم خليفة حفتر، والآن تسيطر على ميناء عدن وتشكل جيشا «يمنيا» قوامه 30 الفا.

قمة الرياض التي تعقد هذا الاسبوع لها معالم عديدة. اولها انها تعبر عن النفوذ السعودي المتنامي في المنطقة. ثانيها: انها تعقد برعاية الرئيس الامريكي نفسه الذي جعل الرياض من اولى المحطات في زياراته الخارجية. ثالثها: انها استطاعت تغيير مواقف دولية صعبة، ومنها رفع الحظر المفروض على الرئيس السوداني عمر البشير بعد صدور قرار ضده من المحكمة الجنائية الدولية بدعوى ارتكاب جرائم ابادة في دارفور.

الواضح هنا ان الرياض استطاعت لي ذراع النظام الدولي ليس باستقبالها الرئيس البشير فحسب، بل بحضوره مؤتمرا بجانب الرئيس الامريكي.

رابعا، انها تمثل مبادرة سعودية مهمة لتأسيس ما أطلق عليه بعض الاعلاميين الغربيين «ناتو عربي» لمواجهة ايران. وفيما دعي زعماء عرب ومسلمون كثيرون، الا ان ايران لم تدع للمؤتمر. كما لم يدع رؤساء الدول غير الصديقة كالرئيسين السوري واللبناني.

خامسا، ان جهودا بذلت للتوصل الى مواقف وسط: فالمؤتمر لن يتصدى لـ «اسرائيل» في مقابل ان لا يعلن الرئيس الامريكي قرارا بنقل سفارة بلاده من تل أبيب الى القدس، وذلك لمنع حدوث زوبعة عربية ضد القمة. ومن المؤكد ان ترامب سيناقش مع الاسرائيليين نتائج قمة مؤتمر الرياض والدور الاسرائيلي في اية منظومة اقليمية سياسية ام عسكرية ام امنية. فلا شك ان العدو الاسرائيلي سعيد بابعاد الانظار عن سياساته التوسعية وتوجيهها نحو ايران.

سادسا، ان الادارة الامريكية الحالية تختلف عن سابقتها. ولكنها تدرك تدريجيا انها محكومة بسياسات «المؤسسة». فمن حقها توقيع اتفاقات سلاح عملاقة مع الدول الغنية كالسعودية، ولكن لم يسمح لها بالغاء الاتفاق النووي مع ايران برغم التصعيد الاعلامي في الاسابيع الاخيرة ضد ذلك الاتفاق.

سابعا: ان القمة تعقد في منطقة محاطة بالازمات التي استعصت على الحلول حتى الآن. فمن العراق الى سوريا وفلسطين وصولا الى البحرين واليمن، هناك خيوط جامعة لهذه الازمات، تسعى الحكومة السعودية للامساك بها لمنع خروجها عن الحدود المسموح بها.

ثامنا: انها تعقد بعد اعلان نتائج الانتخابات الايرانية وفوز الرئيس روحاني بدورة رئاسية ثانية، الامر الذي سيخفف من حماس الغربيين لاستهداف ايران بعقوبات جديدة.

قمة الرياض هذا الاسبوع ليست حدثا عاديا، ولكنه لن يكون كذلك خارقا للعادة. فالكثير من المشاركين فيها يعانون من اوضاع صعبة سواء على مستوياتهم الشخصية ام بلدانهم. فالرئيس الامريكي يواجه العديد من التحديات الداخلية، حتى اصبح الحديث عن امكان استجوابه تمهيدا لعزله عن الرئاسة يتصاعد مع استمرار اللغط حول النمط الفردي لادارته.

فأجهزة الاستخبارات الامريكية مستاءة من كشفه معلومات حول تنظيم داعش لوزير الخارجية الروسي، لافروف، وتعتبر ذلك اختراقا امنيا غير مسبوق لانه يأتي من رأس السلطة. كما ان عزله جيمس كومي عن رئاسة مكتب التحقيقات الفيدرالي بسبب عزمه على التحقيق في ذلك الاختراق وضع الرئيس في مواجهة مع اهم دعامات المؤسسة الامريكية. يضاف الى ذلك انه يحضر مؤتمرا بحضور بعض الدول التي وضعت على قائمة الدول التي يحظر مواطنوها من دخول امريكا. وسيكون ذلك مادة للتسخين الاعلامي ضده بعد عودته. 

كما ان الاسرائيليين ليسوا مرتاحين من القمة الا اذا خرجت بقرارات من شأنها ان تؤدي الى عمل ملموس ضد ايران، الامر الذي لا يتوقع حدوثه. وكان ولي ولي العهد السعودي، محمد بن سلمان، قد تعهد مؤخرا بنقل الحرب مع ايران الى داخل حدودها، الامر الذي ادى الى تصاعد الاتهامات الاعلامية بين البلدين.

٭ د. سعيد الشهابي كاتب بحريني

المصدر | القدس العربي

  كلمات مفتاحية

ظاهرة الإرهاب ترامب أوباما القمة الإسلامية الإمريكية قمم الرياض الثلاث تداعيات الربيع العربي