الأستاذ في العلاقات الدولية الفرنسي برتران بادي وضع كتاباً بعنوان: «لم نعد وحدنا في العالم»، نشرته بالعربية مؤسسة الفكر العربي، وفيه يخاطب الغربيين منبهاً إياهم أنه على سطح هذا الكوكب شعوب وحضارات وثقافات أخرى، وأيضاً هناك مصالح مختلفة للدول والأقوام يجب مراعاتها، وليس إدارة العالم بالطريقة التي تلائم الغربيين وحدهم وتخدم مصالحهم حتى لو كان ثمن ذلك استنزاف ثروات الشعوب الأخرى وإغراق بلدانها في الفوضى.
وقبل يومين استمعتُ إلى قراءة وافية قدّمها الأكاديمي التونسي محمد الخليفي، المقيم حالياً في البحرين، حول كتاب تزفيتان تودورف، الفرنسي من أصل بلغاري، الذي توفي قبل شهور: «نحن والآخرون»، وهو كتاب يعالج إشكالية علاقة الأوروبي بالآخر، انطلاقاً من الحال الفرنسية التي يصح القياس عليها، في علاقة كل أمة بنظيرتها من الأمم الأخرى، أو علاقة كل فرد منا بالآخر المختلف عنه لغة وثقافة وتاريخاً، في عالم لم يعد بوسع أي بلد فيه أن يقتصر على من يوصفون بسكانه الأصليين.
ليس برتران بادي ولا تودورف وحدهما من ذهبا هذا المذهب في الدعوة إلى ضرورة احترام الفوارق الثقافية، فثمة مدارس فكرية عدة في الغرب نفسه تنقد المركزية الغربية، سواء الأوروبية منها أو الأمريكية، التي تنظر بتعالٍ إلى الأمم الأخرى، وتنفي حضاراتها السابقة لحضارة الغرب الراهنة، أو تنظر إليها على أنها شكل من بدائية البشرية وتوحشها و«بربريتها».
ومن المفارقات أن المركزية لا تستقيم إلا بوجود الآخر الذي هو الأطراف، فلتنصيب المركزية الغربية يجب تكريس صورة الأطراف الأقل شأناً وتحضراً، أي أنها، ضمناً، تقر بوجود الآخر، بالمعنى الذي يقر بأن الغربيين ليسوا وحدهم في هذا العالم على نحو ما يذهب عنوان كتاب برتران بادي.
يُقال إن اليونانيين القدماء هم أول من أطلق كلمة «البرابرة» على الآخرين، أي على الأقوام الأخرى من غير اليونانيين، لأنهم لم يكونوا يتكلمون اللغة الإغريقية وإنما يبربرون بلغات أخرى، وهو ما أومأ إليه الشاعر قسطنطين كانافيس في إحدى قصائده حين قال: «ماذا سنفعل الآن بلا برابرة؟».
فـ«البرابرة» مطلوبون ليس لأنهم «يبربرون» بلغات أخرى، وإنما بالدلالات السلبية التي اكتسبها هذا التعبير، حين يحيل إلى التوحش والبدائية، وهم بهذا المعنى أيضاً العدو الماثل أو المحتمل، الذي يجب إقصاؤه دون التخلي عن وجوده بوصفه غريماً يهيئ الذرائع كلما كان ذلك ضرورياً، وهذا يفضي إلى فكرة الخطر الخارجي الذي تحت عباءته يمكن تصريف المشاكل وترحيلها.
رغم وعي الضمائر الحية في الغرب بأنه ليس وحده في هذا العالم، فإن الساسة هناك يظلون بذهنية السادة الآمرين الناهين.
د. حسن مدن كاتب بحريني