شاهد .. الشيخ «محمد رفعت»: فارس قدم حياته لئلا يهان قارئ «القرآن الكريم»! (1 ـ 2)

الأربعاء 31 مايو 2017 11:05 ص

في 9 من مايو/أيار من عام 1882 وُلِدَ الشيخ «محمد رفعت»، وفي نفس التاريخ من عام 1950 تُوفي إلى رحمة الله، لتمر ذكراه الـ67 في هدوء على الامة العربية الإسلامية مُغاير تمامًا لما ينبغي أن يُعامل به سيد قراء «القرآن الكريم» المُحدثين، أو شيخ مشايخ تجويد «القرآن الكريم» وأبرز أصحاب التسجيلات القرآنية، وإن لم يكتمل له، رحمه الله، مصحف صوتي بين أيدينا بعد وفاته، كما اكتمل للشيوخ الراحلين: «محمود خليل الحصري»، أول مُسجل للمصحف الصوتي، «مصطفى إسماعيل»، «محمد صديق المنشاوي»، «عبد الباسط عبد الصمد»، و«محمود علي البنا»، لتورعه، رحمه الله وغيرته وخوفه على «القرآن الكريم».

تجاهل وعفة نفس

ويُجمع مؤرخون مخلصون على أن الموقف التاريخي الحرج، والمنزلق الحضاري الحالي للأمة الإسلامية يفقدها البوصلة المُحددة لمعرفة الواجب عليها الاحتفاء بهم كما ينبغي في حياتهم، وبعد وفاتهم، ومَنْ أجدر بذلك من الشيخ «رفعت»، أبرز الأصوات القارئة للقرآن حتى اليوم، فلا يزاحمها صوت، ولا تكتمل مكانة شهر رمضان في العالم الإسلامي بدون الاستماع إلى تلاوته الخاشعة، (شاهد أكثر من 11 ساعة من تلاوات الشيخ المُجمعة).

ولئن عاش الشيخ «رفعت» مظلومًا يعاني الغبن والقهر من الدولة المصرية، رغم شهرته كقارئ لـ«القرآن الكريم» مُتفرد في عصره، معلنًا أن قارئ «القرآن الكريم» لا ينبغي أن يُهان، بحال من الاحوال، محتملًا مرارة الإصابة بـ«سرطان الحنجرة بدءًا من عام 1943م بعد أن نشأ يتميًا رافضًا اكتتابًا عامًا دعا إليه الصحفي الراحل «أحمد الصاوي محمد» لجمع أموال لعلاجه قائلاً في رضا:

ـ «مستورة والحمد لله.. ولست في الحالة التي تستوجب جمع هذه المبالغ، وإذا كان على العلاج فالأطباء يعالجونني ولكنهم لم يستطيعوا وقف هذا المرض ومنعه، كما أن هذه المبالغ أصحابها أولى بها مني فهم الفقراء والمحبين لصوتي حقًا ولكني والحمد لله لستُ في حاجة إلى كل هذا المال» ..

وأملى الشيخ «رفعت» رسالة إلى الراحل «الصاوي» قال فيها:

ـ «أعتذر عن قبول هذه التبرعات ..وأن مرضي بيد الله وهو القادر على شفائي وإني لأشكرك وأرجو أن تشكر كل الذين جمعوا لي هذه التبرعات على روحهم الطيبة وحبهم لي» ..

وكتب الأخير بعدها في جريدة «الأهرام» يُثني على عفة الشيخ «رفعت» وأخلاقه وتأثير القرآن عليه في سمو نفسه وعلوها وقد توفي، رحمه الله، بعد ذلك بعام واحد!

ولم يكن هذا الموقف العجيب الأول من نوعه في حياة الصوت الملائكي الخاشع النازل من السماء (لأول مرة) بحسب وصف الراحل الموسيقار الراحل «محمد عبد الوهاب» له، إذ يُقال أن الأخير عرض عليه تسجيل «القرآن الكريم» كاملًا بأي سعر يُحدده، وكانت التسجيلات على أسطونات يومها، فرفض غفر الله له، خوفًا من أن يمس سكران أو جنب إحدى الأسطوانات، كما عرضت عليه الأمر نفسه إحدى الإذاعات الأجنبية نظير 15 ألف جنيه فكرر الرفض.

وقيل إنه تم جمع مبلغ 20 ألفًا من الجنيهات لعلاجه من مرضه الأخير، فرفضها مُفضلًا أن يبيع بيته في حي البغالة في السيدة زينب وقطعة أرض أخرى كان يمتلكها لينفق على العلاج، ولما تدهورت أموره المادية توسط الشيخ «أبوالعينين شعيشع»، رحمه الله، لدى «الدسوقي أباظة» وزير الأوقاف آنذاك ليقرر له معاشًا شهريًا لم يتقاضاه الشيخ كثيرًا.

من تفرد الشيخ «رفعت»

كان، رحمه الله، وما يزال علامة من علامات قدوم شهر رمضان المُبارك بصوته العذب الرائق واستماع عشرات الملايين من المُسلمين له، وبنبرات تجسد المعاني الظاهرة لآي الذكر الحكيم، أما بواطن المعاني فما يزال صوته يجتهد في إبرازها بتأثره البالغ، يبدأ القراءة بالاستعاذة والبسملة بصوت رائق هادئ مُحقق، والتحقيق إحدى درجات قراءة القرآن الكريم تراعي عد التعجل فيه كالحدر المعروف بالتلاوة، كما يُعرف التحقيق بالتجويد، وكلاهما من درجات تلاوة القرآن، على أنه بعد ثوان من بداية قراءة الشيخ «رفعت» لـ«القرآن الكريم» وصوته الخافت يأخذ الصوت أهبته للانطلاق الكامل فيعلو مرتفعًا رشيدًا يمس شغاف القلب، مع سلاسة الانتقال بين المقامات الموسيقية المختلفة دون أن يُشعر القارئ بالانتقال أو مجرد الاختلاف، ومن هنا جاءت تسمية صوته بـ«سوط العذاب وصوت الجنة»، كما نال عددًا من الألقاب منها: «المعجزة - قيثارة السماء ـ الروحانى – الربانى – القرآنى – كروان الإذاعة –الصوت الذهبى – الصوت الملائكى – صوت عابد».

نظرة وفقد بصر 

لكن الموهبة التي أثبتت صحة المقولة الدارجة: أُنزل «القرآن الكريم» في مكة والمدينة المنورة وقُرأ في مصر كانت لها تبعات مريرة في نشأة الشيخ، رحمه الله، وهل يُنقى الذهب، مع الفارق إلا بفتنته وعرضه على النار؟

ولد «محمد رفعت بن محمود رفعت» لأب كان يعمل في اواخر سني حياته مأمورًا لقسم شرطة الخليفة، ولكف بصر الشيخ «رفعت» قصة غريبة نقف منها موقف المحايد، رغم ورودها في كتابات معاصريه، إذ رووا أنه كان جميلًا فور ولادته، ولما زارت إحدى السيدات والدته لتهنئها على الولادة قالت عليه:

ـ «له عيون ملوك..! ».

ليصاب بعدها مباشرة بمرض في العينين يُكف بصره على إثره وعمره سنتان.

قوة البصيرة

واحتار أبوه فيما يفعل مع ابنه الصغير لما لم يجد علاجًا له، فألحقه بالكُتّاب الملحق بمسجد فاضل باشا في درب الجماميز في السيدة زينب في سن الصبا.

وغفلة توفي الأب في عام 1889م، ولدى الشيخ الصغير حافظ «القرآن الكريم» 9 سنوات فحسب، فيصير المسؤول عن الأسرة، ليقرأ الصغير في الأفراح والمُناسبات المُختلفة مقتربًا من شيوخ عصره الذين غاب عنه التسجيل الصوتي بالكلية، فلم ينالوا ما ناله، ولم تسمع لهم الأجيال اللاحقة عليهم .. من مثل الشيوخ: «البربري»، «حنفي برعي»، «المناخلي»، و«إسماعيل سكر»، ثم ليقرأ الشيخ «رفعت» «القرآن الكريم» في مسجد فاضل باشا، ردًا لجميل حفظه «القرآن الكريم» فيه، منذ عام 1918م ولمدة 30 عامًا، وقيل بلا أجر.

ويروى أن للشيخ «محمد رفعت» قصصًا مُذهلة في الترفع عما في يدي الناس، مهما كانوا، ومن تلك القصص المتواترة أنه قرأ من «القرآن الكريم» لدى ثري ذات يوم فأعطاه قرشًا فقط، وهو قليل على ما قدمه الشيخ لليلة كاملة، فأخذه وانصرف؛ لكن الرجل عند الباب استوقفه قائلًا:

ـ «أعتذر ..إنما أردتُ إعطائك جنيهًا ذهبيًا فاخطأت .. هات القرش..!».

فما كان من الشيخ إلا أن أعتذر هو الآخر قائلًا:

ـ «أما عن رزقي فوصلني، لا أعيد القرش ولا آخذ الجنيه..!».

ومضى والثري مذهولًا..يقص القصة لكل مَنْ يلقاه.

وذاع صيت صوت الشيخ «محمد رفعت» فأخذ يجوب مصر شمالًا وجنوبًا.. شرقًا وغربًا، وذات مساء من عام 1934م فيما الشيخ مسترسل في القراءة استمع إليه البرنس «محمد علي» فأخذ بصوته فأعجب بصوته، وطلب منه أن يفتتح الإذاعة الأهلية في نفس العام، فتحرج الشيخ إذ ظن في الأمر حرمة، فذهب إلى الشيخ «محمد الأحمدي الظاهري»، شيخ الأزهر آنذاك، يستفتيه فأجاز له الأمر، لكن لتحرج الشيخ تاريخ بعد ذلك نتعرض له في القسم الأخير من هذا التقرير بإذن الله.

المصدر | الـخليــــج الجــديــد

  كلمات مفتاحية

الشيخ محمد رفعت دفع حياته دفاعان مقولة قارئ القرآن لا يهان

العثور على 30 ساعة تسجيلات للقارئ المصري محمد رفعت