استطلاع رأي

أي من هذه الدول تمارس الدور الأكثر إيجابية في حرب غزة؟

السعودية

مصر

قطر

إيران

تركيا

أهم الموضوعات

طبقات اليمين الإسرائيلي وبصيرة دا سيلفا

عن أوهام التفاؤل الأميركي

أزمة اقتصاد مصر وانتظار الفرج من الخارج

نحو وقف الحرب على غزة

سيناريو اليوم التالي للحرب

رد الاعـتـبار لمـنهـج الإصلاح

الأربعاء 31 مايو 2017 11:05 ص

من أوخم العواقب السلبية للخضات التي طالت العالم العربي في عام 2011، أنها أقصت خطاب الإصلاح إلى مواقع خلفية، بعد أن كان في مطالع هذه الألفية هو حديث الساعة عربياً، حيث شهدنا في أكثر من بلد عربي تحولات مهمة باتجاه مشاركة أوسع للمجتمع المدني في الحياة السياسية، ودارت أحاديث كثيرة حول جدوى طريق الإصلاح التدريجي الناجم عن توافقات بين الحكومات ومجتمعاتها، لتجنيب البلدان مخاطر الاحتقانات والانفجارات.

ما وصف بـ«الربيع العربي»، كان في جانبٍ رئيسي منه تحبيذاً، أو إعادة تحبيذ، لفكرة الثورات والانقلابات الجذرية، وتراجعاً عن دعوات الإصلاح، تحت تأثير اليأس من إمكانية الإصلاح نفسه، الذي يتطلب تقديم تنازلات متبادلة من الحكومات ومن القوى المجتمعية المعارضة على حدٍ سواء.

وبرهنت التجربة على أن الفريقين لم يكونا في جاهزية لتحقيق التوافق على ذلك الإصلاح، الذي يلزم، فيما يلزم، أن تتخلى الحكومات عن بعض سلطاتها للمجتمع ممثلاً في هيئاته المنتخبة ومؤسساته المدنية، وأن تعيد القوى المعارضة النظر في خطاباتها الرافضة للإقرار بشرعية الحكومات، والعمل المشترك في إعادة صوغ هذه الشرعية كي تحظى بالقبول المجتمعي المنشود.

نتائج ما جرى ويجري منذ العام 2011 بينت الكلفة الباهظة للتراجع الذي جرى عن خطاب وممارسات الإصلاح، وهذه الكلفة بادية في الطابع الدموي الذي جرت به التغييرات في بعض البلدان العربية: ليبيا وسوريا واليمن مثالاً. وهذه الكلفة بادية بصورة أكثر وضوحاً في المآلات البائسة لتلك التغييرات، التي جرت على شكل حروب أهلية مدمرة، أسفرت وتسفر عن أنهار من الدماء وموجات من التهجير غير المسبوق، وتدمير المدن والبلدات.

وبعد أن ذاقت الشعوب ما ذاقت من ويلات، شاع رأي، فيه الكثير من الوجاهة والمنطق، مفاده لو أن الأمور ظلت على ما كانت عليه قبل هذه التغييرات لكانت الأحوال أفضل، ولتجنبنا الكثير من هذه الويلات.

يعيدنا هذا إلى نقطة البداية. كان بالإمكان تجنب كل ذلك لو مشينا في طريق الإصلاح بالمعنى الذي أشرنا إليه أعلاه حتى نهايته، أي ليس ذاك الخطاب الذي يتظاهر بهذا الإصلاح، وإنما يمضي فيه بجسارة، لأن ما يبدو أنها كلف يجب تقديمها في سبيله، هي وحدها التي تنقذ المجتمعات من المخاطر والانفجارات غير المتوقعة، وتحصن الجبهات الداخلية بوجه الاختراقات الخارجية.

قبل سنوات كنا نقول، إن إدراك أهمية الإصلاح، أياً كانت كلفته، لن تقارن بكلفة الجمود على الوضع الذي كان، وإن أي تأجيل أو تردد في هذا المجال لن يعني سوى مضاعفة الكلف وزيادة الآلام الناجمة. ومن سوء الحظ أن هذا ما حدث.

ولأجل أهمية إعادة الاعتبار لمنهج الإصلاح، يتعين القول إن الإصلاح منظومة متكاملة، ليس الإصلاح السياسي الذي تناولناه بالحديث سوى أحد عناصرها، وهذا الأخير لن يستقيم إلا إذا أصلحت العناصر الأخرى في تلك المنظومة، ومنها الإصلاح الثقافي الديني وسواهما.

وثمة تلازم بين الثقافة والإصلاح. لا إصلاح بدون ثقافة، ولا ثقافة تنمو وتتعمق وتؤثر إلا في جو صالح. والإصلاح، في كل الأزمنة والأمكنة، يبدأ بفكرة. والفكرة هي في الأساس ثقافة، فما من حركة إصلاحية في التاريخ إلا وسبقتها فكرة، إلا وسبقتها ثقافة.

قلنا إن حديث الإصلاح شاع في العالم العربي مع بداية الألفية الحالية، ولكن الدقة تقتضي التوضيح أن هذا الحديث دار حول الشق السياسي تحديدا، بينما سؤال الإصلاح في الثقافة العربية سؤال أصيل راسخ، ليس جديداً عليها وليس مفتعلاً. حسبنا هنا أن نذكر تلك الأسماء المضيئة التي كانت فكرة الإصلاح هاجسها وباعث بحثها ومسعاها: الإمام محمد عبده وجمال الدين الأفغاني والكواكبي ورفاعة الطهطاوي وفرح أنطون وسواهم.

وإذا كان الإصلاح يتطلب ثقافة الإصلاح، فإن هذه الأخيرة لن تستقيم شرطاً له ما لم يصر إلى إصلاحها وتجديدها هي نفسها، وإلا فإنها بمعناها ومبناها، إن لم يكونا جاهزين لذلك، ستصبح عقبة وعائقاً بوجه الإصلاح ذاته لا دافعاً إليه أو حاملاً له.

ورغم مرور أكثر بكثير من قرن على طرح رواد النهضة العربية الأسئلة الكبيرة حول سبل الخلاص من واقع التبعية والتخلف الاجتماعي والعلمي، وبلوغ الرقي والتقدم، ما زالت هذه الأسئلة، في جوهرها، ماثلة أمام الثقافة العربية اليوم، لأن الفشل لم يكن فقط من نصيب المشروع النهضوي العربي الأول على يد رواده الكبار في نهاية القرن التاسع عشر ومطالع القرن العشرين، إنما كان هذا الفشل أشبه باللعنة التي لاحقت كل مشروعاتنا النهضوية على مدار قرنٍ بكامله، كائناً ما كان الرداء الفكري الذي ارتدته هذه المشاريع.

لا يجب النظر للإصلاح بوصفه تصحيحاً لوضع خاطئ كان قائماً فحسب، وإنما كونه عملية من أجل تحقيق أهداف حيوية تتطلب رؤية موجهة نحو المستقبل، على نحو ما فعلت الأمم الناهضة بما فيها تلك التي كانت تدرج مثلنا في خانة الدول النامية.

وليست أقل أهمية من ذلك مهام تطوير أنظمة التعليم، وإشاعة المناخ الديمقراطي في مجال الثقافة والإعلام ورعاية التربية والفنون والآداب عبر توفير البنية الأساسية اللازمة لذلك لإيصال الخدمات الثقافية الضرورية إلى القطاعات الشعبية الواسعة، والتأسيس لمفهوم التنمية الثقافية بوصفه أحد أوجه التنمية المستدامة الموجهة نحو بناء الإنسان وتطوير مهاراته الذهنية والمهنية.

* د. حسن مدن كاتب ومثقف بحريني

المصدر | الخليج - الشارقة

  كلمات مفتاحية

العالم العربي منهج الإصلاح أإقصاء خطاب الإصلاح مطالع الألفية المجتمع المدني الحياة السياسية الإصلاح التدريجي «الربيع العربي» فكرة الثورات الانقلابات الجذرية دعوات الإصلاح الحكومات القوى المجتمعية المعارضة