القمع في مصر نتيجة حتمية للانقلاب على الديمقراطية

الخميس 1 يونيو 2017 08:06 ص

إن التحركات الاستبدادية المتزايدة التي يقوم بها الرئيس المصري «عبد الفتاح السيسي»، الذي سن قانونا جديدا يتيح له السيطرة على المنظمات غير الحكومية في بلاده، لا ينبغي أن يتم ربطها بعلاقته مع الرئيس الأمريكي «دونالد ترامب» فحسب. في الواقع، بعد ست سنوات من الربيع العربي وما يقرب من أربع سنوات من سيطرة «السيسي»، حان الوقت لوقف إلقاء اللوم على الولايات المتحدة لفشل الديمقراطية في مصر.

والسبب الحقيقي لقمع «السيسي» للمعارضة، بما في ذلك القيود الجديدة المفروضة على جماعات حقوق الإنسان وغيرها من الجمعيات الخيرية، هو ببساطة أنه لا يوجد أحد في البلد لديه القدرة على تحقيق التوازن مع «السيسي». وذلك نتيجة للقرار الكارثي الذي اتخذه جزء من الجمهور المصري بالتمرد ضد زعماء منتخبين ديمقراطيا، واحتضان حكم الجيش.

ويرجع تحميل «ترامب» المسؤولية عن قوانين «السيسي» المتطرفة إلى أمرين: أحدهما يقوم على وجود رفض عام لسياسة «ترامب» في هذه اللحظة، والآخر يكمن في رؤية عالمية أوسع تحمل الولايات المتحدة المسؤولية عن كل ما يحدث في مصر، كحليفة تقليدية تتلقى مساعدات عسكرية واسعة النطاق.

ولكن كلا الأمرين خاطئ، أو على الأقل فيه مبالغة إلى حد كبير.

وقد أثبت «ترامب»، بالتأكيد، تأييدا عموميا كبيرا لنظام «السيسي». وحصل الرئيس المصري على دعم كبير في زيارة «ترامب» الأخيرة للمملكة العربية السعودية. و«السيسي» هو واحد من القادة الأجانب الذين تمت دعوتهم إلى واشنطن لزيارة «ترامب»، والتي بدت وكأنها ناجحة.

هذا هو بالتأكيد نمط في السياسة الخارجية لـ«ترامب» والتي تهدف إلى تبني الواقعية بدلا من المثالية الليبرالية. ولا شك أنها عززت يد «السيسي» في الداخل. ولكن من الأهمية بمكان أن نذكر أنه عندما استلم منصبه، كان الرئيس «باراك أوباما» قد تبنى سياسة موالية للسيسي ولكنها كانت أقل وضوحا للجمهور.

ورغم وجود قانون اتحادي لتقديم المساعدات العسكرية للحكومات التي تتولى السلطة عبر انقلاب عسكري إلا «أوباما» رفض بحزم أن يدرج استيلاء «السيسي» على السلطة في عام 2013 ضمن ذلك، وعادت في نهاية المطاف المساعدة العسكرية الكاملة لمصر.

وجادلت بعض الأصوات داخل إدارة «أوباما» في معاملة «السيسي» كحليف وثيق. لكن قيمة مصر في نهاية المطاف تفوق قيمة الديمقراطية. وكما قال مسؤول في إدارة «أوباما» لم يكشف عن اسمه العام الماضي، عندما يتعلق الأمر مصر «فنحن نقبل ما كنا نرفضه».

وبالتالي فإن سياسة «ترامب» في مصر تتفق مع «أوباما». وبالفعل، فإن «ترامب» يرى مصر كشريك هام في صفقة إقليمية كبرى من أجل السلام والأمن، ولهذا فإن مبررات «ترامب» لإبقاء «السيسي» قريبة من مبررات «أوباما».

ويذهب السبب الآخر لإلقاء اللوم على الولايات المتحدة بشكل أعمق، حيث يسود الاعتقاد منذ عهد الاستعمار، حيث تدخلت القوى الغربية مثل المملكة المتحدة والولايات المتحدة في عمق الشؤون المصرية والعربية الأوسع، أنه يمكن مساءلتها عن فشل الديمقراطية في دول الشرق الأوسط. وهذا الرأي يستحق أن يؤخذ على محمل الجد، وأنا نفسي أميل له منذ بدأت الكتابة عن آفاق الديمقراطية في البلدان الأغلبية المسلمين في أوائل عام 2000.

لكن أحداث الربيع العربي وما أعقبها شهدت تحولا تاريخيا هاما يجب أيضا أن يؤخذ على محمل الجد.

لم يكن للولايات المتحدة أي دور ضد التدفق العفوي المناهض للسلطوية في عام 2011 والذي جلب الملايين إلى الشوارع وساعد في إسقاط الحكم الاستبدادي لـ«حسني مبارك». وللمرة الأولى منذ قرن تقريبا، كان المصريون يعبرون عن إحساسهم بالإرادة السياسية.

وعندما ذهب المصريون إلى صناديق الاقتراع وبهامش ضئيل انتخبوا حكومة ديمقراطية يرأسها عضو في جماعة الإخوان المسلمين، كان ذلك أيضا انعكاسا لإرادتهم، وليس للتدخل الأمريكي. لم تؤيد الولايات المتحدة ظهور حكومة ديمقراطية إسلامية في مصر أو في أي مكان آخر؛ بل إنها كانت تخشى هذه النتيجة.

وكما اتضح، فإن حكومة الإخوان المسلمين تحت حكم «محمد مرسي» ارتكبت كل خطأ كان بإمكانها أن تفعله، حيث فشلت بشكل كبير في إنشاء تحالف عريض القاعدة كان من شأنه أن يعززها ضد التحدي القادم من الدولة العميقة.

في الوقت نفسه، كانت مهمة «مرسي» صعبة للغاية أمام القوى المكرسة للإطاحة به، والتي شملت أيضا المحاكم المحكمة الدستورية المصرية التي حلت الهيئة التشريعية الوطنية بعد انتخابات حرة. وكانت تهمة أن حكم «مرسي» يحكم منفردا فيها بعض الحقيقة، ولكن كيف يمكن أن تحكم إذا لم يكن هناك برلمان ؟

في نهاية المطاف، خرجت قطاعات واسعة من الجمهور المصري إلى الشوارع للاحتجاج على مرسي، ووجهت دعوة للجيش للعودة إلى السلطة، والقضاء على جماعة الإخوان المسلمين. وهنا نلاحظ أن المصريين، وليس الغرباء، هم من حددوا مصير الديمقراطية في مصر. وكانت إدارة «أوباما» مستعدة لقبول حكومة «مرسي». وكانت أيضا في نهاية المطاف مستعدة لقبول الحكم العسكري للسيسي.

والنتيجة المترتبة على تلك القاعدة هي أنه مع حظر جماعة الإخوان وسجن قادتها، لا توجد أي قوة في مصر قادرة على الوقوف أمام «السيسي». وكان من المنطقي والحتمي أن يفرض «السيسي» قيودا أكبر وأكبر على أي معارضة سياسية. كما كان متوقعا بنسبة 100 في المائة.

ومن غير المرجح أن يكون لدى المصريين أي شكل من أشكال الديمقراطية لجيل واحد على الأقل. هذا أمر مأساوي، ولكن هذا ليس خطأ الغرباء، بما في ذلك الولايات المتحدة. إنه نتاج القرارات السياسية التي اتخذها المصريون الذين كانوا ولا يزالون محددين لمصيرهم.

لذلك علينا أن ننتقد سعي «السيسي» للسيطرة على المجتمع المدني المصري. ولكن لا ينبغي أن نلوم «ترامب» أو الولايات المتحدة على النتيجة التي لا يمكن تجنبها لرفض مصر للحكم الديمقراطي، مع كل عيوبه وحدوده، لصالح الدكتاتورية العسكرية.

  كلمات مفتاحية

السيسي انقلاب مصر القمع قانون الجمعيات

«نيويورك تايمز»: قانون الجمعيات الجديد.. ضوء «ترامب» الأخضر يشعل وتيرة القمع في مصر

«ذا نيويوركر»: ثورة مصر الفاشلة.. كيف حول «السيسي» مصر إلى «أشباه دولة»؟