«جيوبوليتيكال فيوتشرز»: الأزمة مع قطر.. شهادة على الضعف السعودي

الثلاثاء 6 يونيو 2017 09:06 ص

في عالم الدبلوماسية، هناك فارق بين حل نزاع ما، وحل القضايا الأعمق التي أدت إلى النزاع في المقام الأول. هذا بالضبط ما يحدث الآن في الخليج، حيث قادت السعودية بعض دول مجلس التعاون الخليجي وعدة دول أخرى نحو قطع العلاقات مع قطر. وقامت جميع الدول المعنية - السعودية والإمارات العربية المتحدة والبحرين ومصر واليمن والمالديف- بحظر جميع الرحلات من وإلى قطر، كما أمرت مواطنيها الذين يعيشون في قطر بمغارة البلاد باستثناء مصر. وسوف تستعيد قطر والمملكة العربية السعودية يوما ما علاقاتهما، ولكن هذه ليست القضية حقا لأن ما يحدث هو مجرد عرض لمرض أكبر بكثير يصيب المنطقة.

ولم تكن علاقات المملكة العربية السعودية وقطر دوما على ما يرام. وخاض البلدان نزاعات حدودية منذ أن حصلت قطر على استقلالها من بريطانيا عام 1971. وأدت الاشتباكات على الحدود إلى مقتل شخصين في عام 1992، وعلى الرغم من التوصل إلى اتفاق في عام 2001، إلا أن العلاقات استمرت في التدهور. في الواقع، سحبت المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة والبحرين سفراءها من قطر في عام 2014 لمدة عام تقريبا.

إذا كان للسعوديين والقطريين تاريخ من النزاع، فلماذا حدث مثل هذا التحرك الدبلوماسي غير المسبوق الآن؟ يبدو أن قطر لم تفعل أي شيء استثنائي بشكل خاص خلال الفترة الماضية. وخلافا لمعظم حكومات الخليج، تمكنت الحكومة في الدوحة التي أثرتها احتياطيات قطر الضخمة من الغاز الطبيعي، من انتهاج سياسة خارجية مستقلة عن السعودية، وهي الزعيم السني العربي الذي تختلف معه قطر على مجموعة متنوعة من القضايا، بما في ذلك إدارة المنطقة.

وتدرك الدوحة حاجتها إلى أن تكون جزءا من نظام التحالف الذي تقوده السعودية، ولكنها على جانب آخر لا تريد أن تكون مقيدة به، فحريتها تمكنها من أن تكون عملية في تعاملها مع البلدان الأخرى، وهو ما يفسر استعداد قطر للتعامل مع قوى المعارضة بما في ذلك جماعة الإخوان المسلمين وحتى السلفية الجهادية في سوريا. يمكن أن تتحمل قطر مغازلة الإسلاميين لأنهم لا يمثلون خطرا عليها، غير أن الإسلاميين يشكلون تهديدا مباشرا للحكومات في المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة ومصر. كما يفسر ذلك أيضا عدم ممانعة قطر في التعامل مع إيران وحلفائها الشيعة حيث تريد الدوحة موازنة بين السعودية وإيران،  في حين أن المملكة العربية السعودية تريد عزل إيران تماما.

وتزيد علاقات قطر مع الولايات المتحدة من تعقيد هذه الديناميات. يقع المقر الإقليمي للقيادة المركزية الأمريكية في قطر، والقطريون ساعدوا الولايات المتحدة ليس فقط في الشرق الأوسط ولكن أيضا في جنوب آسيا، حيث يساعدون في مفاوضات السلام مع طالبان الأفغانية.

لا يعد أيا من هذه السلوكيات أمرا جديدا. كانت الدوحة ودية مع القوة العظمى الوحيدة في العالم لسنوات، ولعب الجانبان دورا مشتركا في النزاعات الإقليمية لفترة من الوقت. ولا يمكن اعتبار ثروتها جديدة أيضا بالطبع. من المحتمل بالتأكيد أن يكون القطريون ذهبوا بعيدا جدا في تعاملاتهم لدرج أنهم فعلوا شيئا أغضب السعودية، ولكن ليس من عادة الرياض أن تعبر عن استيائها بشكل علني.

يبقى التفسير الأكثر ترجيحا هو أن السعوديين وصلوا ببساطة إلى نقطة لم يعد بإمكانهم فيها تحمل السلوك القطري. تتعرض الرياض لضغوط مالية هائلة حيث تواجه أسعار النفط المنخفضة في وقت تتعثر فيه لتنويع اقتصادها، كما أن لديها عدد متزايد من المشاكل الداخلية والخارجية جب التعامل معها، بما في ذلك عدم الاستقرار المتزايد في الشرق الأوسط. قد فشلت محاولات الرياض السابقة للضغط على الدوحة، ولذلك ربما اعتقدت أنه ليس أمامها خيار سوى تصعيد الأمور.

وفيما يتعلق بدور الولايات المتحدة في هذا الجهد السعودي لكبح جماح قطر، فإن واشنطن أعطت موافقتها الضمنية أو على الأقل أبقت نفسها خارج الدائرة. ولكن من غير المرجح أن المملكة العربية السعودية تصرفت دون علم واشنطن. ومن شأن هذا النوع من التحرك أن يمثل انقطاعا كبيرا في العلاقات الأميركية السعودية إذا كان الأمر كذلك. ونظرا للنجاح النسبي الذي حققته الزيارة التي قام بها الرئيس الأمريكي «دونالد ترامب» مؤخرا، يبدو من غير المحتمل أن تخاطر الرياض بإفساد علاقاتها مع واشنطن. يبدو التفسير الأكثر معقولية هو أن واشنطن وافقت ضمنا على خطة الرياض لمعاقبة قطر.

ولكن أيا كان السبب الدقيق للتحركات، فمن الواضح أن الصراع يختمر اليوم في الجزء الذي طالما ظل مستقرا من العالم العربي، ولا يبدو أنه سينتهي بسرعة. ويرجع ذلك لأمر واحد هو أن ردود فعل السعودية صارت بشكل عام أكثر صرامة وحدة. وربما من الدلالة أن أمير قطر كان ي الكويت الأسبوع الماضي في محاولة لتجنب الأزمة قبل قطع العلاقات، ومن الواضح أيضا أنه لم يقدم أيضا أي تنازلات.

ويظهر التوتر الأخير أن المملكة العربية السعودية تعاني للحفاظ على تحالفها العربي. ونتائج هذا التعثر سيكون لها تأثير على الجانب العربي من الخليج وسوف تقوض الكفاح ضد الدولة الإسلامية والجهود الرامية إلى احتواء طموحات إيران الإقليمية.

المصدر | كمران بوخاري - جيويوليتيكال فيوتشرز

  كلمات مفتاحية

قطر الولايات المتحدة السعودية معاقبة قطر