الخداع العظيم في «بريكست» .. كيف اختُرقت الديمقراطية البريطانية؟

الثلاثاء 6 يونيو 2017 10:06 ص

في يونيو/حزيران عام 2013، كانت خريجة أمريكية شابة تدعى «صوفي» تمر عبر لندن عندما تم استدعائها من قبل رئيس الشركة التي كانت تتدرب فيها سابقًا. والشركة هي «إس إل سي» للانتخابات، والتي تم شراؤها من قبل «روبرت ميرسر»، الملياردير صاحب صناديق التحوط السرية، والتي سميت «كامبريدج أناليتيكا»، وحققت شهرتها كشركة تحليل بيانات لعبت دورًا في كل من الحملة الانتخابية لـ«ترامب» وحملات «بريكسيت» (خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي). ولكن كل هذا لم يأت بعد. كانت لندن عام 2013 لا تزال في أجواء دورة الألعاب الأولمبية. ولم تكن بريطانيا قد اختارت الخروج من الاتحاد الأوروبي بعد. ولم يكن العالم قد تحول بعد.

أخبرني موظف سابق بكامبريدج أناليتيكا، سأسميه هنا «بول»: «في هذا الوقت كنا لا نزال شركة حرب نفسية». لكن لماذا يريد أحد التدرب في شركة حرب نفسية؟

في ذلك اليوم في يناير/كانون الثاني عام 2013، اجتمعت «صوفي» مع الرئيس التنفيذي للشركة، «ألكسندر نيكس»، وأعطته بذرة فكرة. حيث قالت:«أنت حقًا بحاجة للوصول إلى البيانات». وذكرت له شركة تنتمي إلى شخصٍ تعرفه عن طريق والدها.

فمن هو والدها؟

هو «إريك شميدت»، رئيس جوجل.

لقد كان ظهور «صوفي شميدت» في هذه القصة من أغرب الأحداث التي قابلتني في أبحاثي على الإطلاق. وتعمل «صوفي» الآن في عملاق آخر بوادي السيليكون، وهو أوبر. وهو ما يبين مدى تحكم وسيطرة حفنة صغيرة من عمالقة الشركات مثل جوجل وفيسبوك في أمور وراء التكنولوجيا تشتبك مع السياسة.

ويعد ما يحدث في أمريكا وما يحدث في بريطانيا متشابكًا. وترتبط بريكسيت و«ترامب». وترتبط روابط إدارة «ترامب» بروسيا وبريطانيا. و كامبريدج أناليتيكا هي نقطة التركيز التي من خلالها يمكننا أن نرى كل هذه العلاقات. وهو ما يكشف الكثير ونحن على مشارف انتخاباتٍ عامة ببريطانيا، التي شيئًا فشيئًا تربط مستقبلها بأمريكا التي يجري إعادة تشكيلها بطريقة جذرية ومثيرة للقلق من قبل «ترامب».

هناك ثلاثة فروع لهذه القصة. كيف يتم وضع أسس دولة المراقبة الاستبدادية في الولايات المتحدة. وكيف تم تخريب الديمقراطية البريطانية من خلال خطة سرية وبعيدة المدى للتنسيق مكّن لها ملياردير أمريكي. وكيف أننا في خضم الاستيلاء على أراضي ضخمة من قبل مليارديرات السلطة عن طريق بياناتنا التي يملكونها. البيانات التي يجري جمعها بصمت، يتم حصدها وتخزينها. ومن يملك هذه البيانات يملك المستقبل.

بدأت نقطة دخولي في هذه القصة مع جوجل في وقتٍ متأخر من الليل. وفي ديسمبر/كانون الأول الماضي، دخلت في دوامة اقتراحات مزعجة من جوجل للإكمال التلقائي التي انتهت بسؤال: «هل حدثت المحرقة؟». وصفحة كاملة من النتائج التي ادعت أنّها لم تحدث.

كانت خوارزمية جوجل ممتلئة بالمواقع المتطرفة، وكان «جوناثان أولبرايت»، أستاذ الاتصالات في جامعة إلون بولاية كارولينا الشمالية، هو من ساعدني في السيطرة على ما كنت أشاهده. وكان أول شخص يقوم بكشف «خطة اليمين» من الأخبار والمعلومات والنظام الإيكولوجي بأكمله، وكان هو أول من عرفني على كامبريدج أناليتيكا.

كامبريدج أناليتيكا

وظهرت كامبريدج أناليتيكا كنواة مركزية للتحكم في اتجاهات الرأي في حملة «ترامب» واستفتاء البريكست. ولقد وجدت أدلة تشير إلى أنّ «روبرت ميرسر» و«ستيف بانون» مساعدي ترامب السابقين كانوا في مهمة استراتيجية لسحق وسائل الإعلام الرئيسية واستبدالها بأخرى تنشر حقائق بديلة، وتاريخٍ وهمي، وقيادة الدعاية اليمينية.

ما اكتشفته بعد ذلك هو أن دور «ميرسر» في الاستفتاء ذهب إلى ما هو أبعد من ذلك. أبعد من اختصاص أي قانون في المملكة المتحدة. واعتمد على شركة بيانات ضخمة تسمى أجريجات آي كيو في كولومبيا البريطانية.

وأنفق في أجريجات آي كيو 3.9 مليون جنيه إسترليني، وهي نصف ما أنفقه على الحملة بشكلٍ كامل.

كيف جاءت شركة غامضة للقيام بدورٍ محوريٍ في خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي؟ إنّه سؤالٌ أثاره «مارتن مور»، مدير مركز دراسات الاتصالات والإعلام والسلطة في كلية كينغز في لندن.

وساهم «مور» في تقريرٍ نشر في أبريل/نيسان أفاد بأنّ القوانين الانتخابية في المملكة المتحدة كانت «ضعيفة وعاجزة» في مواجهة الأشكال الجديدة من الحملات الرقمية. واستطاعت الشركات في الخارج والمال الذي تم صبه في شكل قواعد البيانات من تغيير المعادلة. وبهذا لم تعد القوانين الانتخابية في بريطانيا ملائمة للغرض المنشود. وقال التقرير أنّ القوانين تحتاج إلى «مراجعة عاجلة من قبل البرلمان».

وقد تكشف لنا أجريجات آي كيو شبكةً أوسع من النفوذ الذي أسسه ميرسر، وقد تلقيت إشارة عبر البريد الإلكتروني تشير للعثور على عنوان لأجريجات آي كيو، وكان العنوان يشير إلى كامبريدج أناليتيكا كمكتب خارجي، ثم اختفت الإشارة بعد وقتٍ قصير.

بالتأكيد هناك علاقة بين الشركتين، وبين «ميرسر» والاستفتاء، لكنّ الجميع في الشركتين أنكر ذلك.

ثم التقيت «بول»، وهو واحد من اثنين من المصادر التي كانت تعمل سابقًا في كامبريدج أناليتيكا. وهو في أواخر العشرينات، ويحمل مشاكل نفسية منذ وقته الذي قضاه هناك. ويقول «بول»: «لقد كان الأمر صدمة. حدث الأمر سريعًا. استيقظت ذات يومٍ ووجدت أنّنا تحولنا إلى حزبٍ فاشي».

أخبرني «بول» أنّه لم يكن هناك علاقة بين كامبريدج أناليتيكا وأجريجات آي كيو فقط، بل كانت متشابكة بشكلٍ وثيق، وهما حبتين بالعقد الرئيسي لإمبراطورية «روبرت ميرسر» المنتشرة. وقال: «لقد كانوا بمثابة مكتبنا الخلفي، يقومون عنا بالبرمجيات وقواعد البيانات. وإذا شاركت كامبريدج أناليتيكا في أمر فإن أجريجات تشارك، والعكس، وإذا شاركا، فإنّ ميرسر وبانون يشاركان».

لعبة البيانات

ولفهم كيف تلاعبت شركة بقواعد البيانات، فيجب أن نعرف كيف وصلت إليها البيانات، وببعض التتبع، وجدنا أنّ الأمر يتعلق ببعض الشركات التي كانت تابعة لرجال متقاعدين من وزارة الدفاع الأمريكية ووزارة الدفاع البريطانية.

وهذه ليست مجرد قصة عن علم النفس الاجتماعي وتحليلات البيانات. ولا بد من فهم الأمر من ناحية متقاعد عسكري يستخدم استراتيجيات عسكرية على السكان المدنيين. ويقول «ديفيد ميلر»، أستاذ علم الاجتماع في جامعة باث: «إنّها فضيحة غير عادية، أن يوجد ذلك في بلدٍ من المفترض أن تحكمه الديمقراطية. يجب أن يكون واضحًا للناخبين من أين تأتي المعلومات، وإذا لم يكن ذلك شفافًا وواضحًا، فإنّه يثير مسألة ما إذا كنّا نعيش فعلًا في ديمقراطية أم لا».

وكان «بول» و«ديفيد»، وهو موظفٌ سابقٌ في كامبريدج أناليتيكا، يعملان في الشركة عندما أدخلت حصادا جماعيًا للبيانات على تقنيات الحرب النفسية. ويقول ديفيد: «تم جلب علم النفس والدعاية والتكنولوجيا معًا بهذه الطريقة الجديدة القوية».

ولم يكن هذا ممكنًا دون مساعدة من فيسبوك. وحصلت كامبريدج أناليتيكا على مجموعة البيانات الضخمة في المقام الأول عن طريق فيسبوك. وفي وقتٍ سابق، طلب علماء النفس في جامعة كامبردج مجموعة البيانات من فيسبوك (قانونيًا) لأغراض البحث حول استعراض تحديد السمات الشخصية، والحزبية السياسية، والحياة الجنسية وأكثر من ذلك بكثير من الناس الذين «يرتبطون» بموقع فيسبوك. وتعاقدت  كامبريدج أناليتيكا مع عالم في الجامعة، وهو الدكتور «ألكسندر كوغان»، للحصول على بيانات فيسبوك الجديدة. وقد فعل ذلك من خلال دفع الناس للدخول في مسابقة شخصية والتي جعلت الناس لا ينشرون بياناتهم الشخصية فقط، بل وبيانات أصدقائهم وأقربائهم من خلال مسح شامل لحساباتهم في فيسبوك.

وكان فيسبوك مصدر الدراسات التي مكنت كامبريدج أناليتيكا من استهداف الأفراد. وهي أيضًا الآلية التي تمكنهم من تنفيذ ذلك على نطاقٍ أوسع.

كما اشترت الشركة أيضًا (بشكلٍ قانونيٍ تمامًا) مجموعات بيانات المستهلكين، كل شيء من اشتراكات المجلات إلى حجوزات سفر شركات الطيران، وألحقت هذه البيانات مع البيانات النفسية لملفات الناخبين. وقامت بمطابقة كل هذه المعلومات بعناوين الناس، وأرقام هواتفهم، وغالبًا مع عناوين البريد الإلكتروني الخاصة بهم. وقال «ديفيد»: «كان الهدف هو التقاط كل جانب من جوانب بيئة المعلومات لكل ناخب. ومكنت البيانات الشخصية كامبريدج أناليتيكا من صياغة الرسائل الفردية الموجهة لكل ناخب».

وكانت الرسالة تعمل على مفتاح كل شخص، كأن تستهدف الناس المتعصبين بصور المهاجرين الذين يغرقون البلاد.

عملت «كامبريدج أناليتيكا» في العديد من حملات الولايات الرئيسية للجنة العمل السياسي الجمهوري. وكان هدفها الرئيسي، وفقًا لما ذكره المصدر، هو «فك الارتباط بين الناخبين» و«إقناع الناخبين الديمقراطيين بالبقاء في منازلهم»، وهو تكتيكٌ مثيرٌ للقلق العميق. وقد تم الادعاء سابقًا أن تكتيكات قمعية قد استخدمت في الحملة، لكنّ هذه الوثيقة توفر أول دليلٍ فعلي.

يقول «ديفيد»: «إنها ليست استشارة سياسية. عليك أن تفهم أنّ هذه ليست شركة عادية بأي شكلٍ من الأشكال. ميرسر هو واحدٌ من أذكى علماء الكمبيوتر في العالم. ولن ينفق 15 مليون دولار في الهواء».

وساعدني «تامسين شو»، وهو أستاذ مشارك في الفلسفة في جامعة نيويورك، على فهم السياق، حيث أكد لي أنّ تقنيات الحرب النفسية قد أثبتت نجاعتها في التلاعب بالمشاعر وتغيير القرار.

المقلق في الأمر هو تمكّن المليارديرات من شراء شركات الحرب النفسية ثم دفعها للعمل في الشأن السياسي.

دولة المراقبة.. والتلاعب

وحصلت شركة «كامبريدج أناليتيكا» مؤخرًا على عقد يمكنها من تحليل البيانات وسجلات هواتف المواطنين لتحليل مدى ميل كل مواطن للجريمة، وهو عقدٌ مبرم مع إدارة «ترامب».

وتلقي هذه الوثائق الضوء على جانب هام من إدارة «ترامب». وقد حصلت الشركة التي ساعدت «ترامب» على الوصول إلى السلطة في المقام الأول على عقود في البنتاغون ووزارة الخارجية الأمريكية.

وفي الولايات المتحدة، تلتزم الحكومة بقوانين صارمة بشأن البيانات التي يمكن جمعها عن الأفراد. ولكن، بالنسبة للشركات الخاصة، كل شيء ممكن. فهل هذه هي البدايات لدولة مراقبة استبدادية؟  

في بريطانيا، ما زلنا نثق بحكومتنا. ونحن نحترم سلطاتنا لدعم قوانيننا. ونحن على ثقة بسيادة القانون. ونحن نعتقد أننا نعيش في ديمقراطية حرة ونزيهة. وهو، على ما أعتقد، ما يجعل الجزء الأخير من هذه القصة مقلقة للغاية.

وعندما نشرت مقالتي التي ربطت ميرسر وموقع Leave.EU الإلكتروني في فبراير/شباط، لم يكن أحد أكثر استياءً حول ذلك من المستشار المحافظ السابق «دومينيك كامينغز»، الاستراتيجي في حملة التصويت بنعم. وأطلق علي نيران الغضب على تويتر. وكان مقاله «مليئًا بالأخطاء والتضليل»

وبعد أسبوع، كشف موقع أوبزيرفر (المراقب) رابطًا بين أجريجات آي كيو وكامبريدج أناليتيكا. والتزم «كامينغز» الصمت، ولم يرد على رسائل البريد الإلكتروني الخاصة بي.

وكانت الأسئلة تدور حول ما إذا كان هناك أي تنسيق بين حملات التصويت بنعم. وفي الأسبوع الذي سبق الاستفتاء، حصلت حملات التصويت بنعم على 650 ألف جنيه إسترليني من بيليف، التي يديرها مصمم الأزياء «دارين غريمس» والتي تم إنفاقها بعد ذلك مع أجريجات آي كيو.

وقد راسلت اللجنة الانتخابية أجريجات آي كيو للاستفسار، وردت بأنّها قد وقعت على عدم كشف المعلومات. وبما أنّها كانت خارج الولاية القضائية البريطانية، كان ذلك هو نهاية الأمر.

وأخيرًا، بعد أسابيع من الرسائل، أرسل لي «كامينغز» رسالة بالبريد الإلكتروني. واتفقنا على شيء واحد، أنّ الأمر قد انتهى.

وللإجابة أخيرًا على السؤال حول كيف وجدت حملات التصويت بنعم هذه الشركة الكندية الغامضة على الجانب الآخر من الكوكب، كتب لي: «عثر شخصٌ عثر على أجريجات آي كيو عبر شبكة الإنترنت، قام بمقابلتهم على الهاتف». ثم قال لي: «دعونا نكمل مع هؤلاء". وكانوا أكثر كفاءةً من أي شخص آخر كنا نتحدث إليه في لندن».

الجانب الأكثر سوءًا في الأمر، أنّه لم يكن هناك وجود لأجريجات آي كيو على الإنترنت في أواخر عام 2015 وأوائل عام 2016، لا تغطية صحفية، ولا موقع على الإنترنت. ويبدو أنّ ما تحدث عنه «كامينغز» كان واحدة من الحقائق البديلة.

ولكن ما هي حقيقة أنّ «جيتلسون» و«بورويك»، وهما الاستشاريان السابقين لشركة كامبريدج أناليتيكا، وكلاهما عضوين أساسيين في حملة التصويت بنعم؟

ولم يكن «بورويك» فقط عضوًا في الحملة، بل كان رئيس اللجنة التكنولوجية.

قد تنطوي هذه القصة على شبكة معقدة من الاتصالات، ولكن كل الطرق تؤدي إلى كامبريدج أناليتيكا. كل ذلك يعود إلى «ميرسر». وقال ديفيد: «قد لا تكون أجريجات آي كيو تنتمي إلى ميرسر، لكنّها موجودة في نطاق عالمه. وجاءت جميع عقودهم تقريبًا من كامبريدج أناليتيكا أو ميرسر. وما كانت لتكون موجودة بدونهما».

ونذكر هنا حقيقة حاسمة، خلال الانتخابات الأولية في الولايات المتحدة، وقعت أجريجات آي كيو» على عقود للملكية الفكرية. ولم تكن تملك الملكية الفكرية، لكن كان «روبرت ميرسر هو من يملكها. وبذلك ما كان لأجريجات آي كيو لتعمل في حملة بريطانيا دون إذن من ميرسر. وردًا على سؤالٍ حول ما إذا كان سيبدي أي تعليقٍ حول الارتباطات المالية أو التجارية بين «كامبريدج أناليتيكا وروبرت ميرسر وستيف بانون وأجريجات آي كيو و Leave.EU وحملات التصويت بنعم»، قال متحدثٌ باسم كامبريدج أناليتيكا: «لم تعمل كامبريدج أناليتيكا لصالح Leave.EU بشكلٍ مدفوع أو بدون أجر».

إنّها ليست قصة حول عثور «دومينيك كامنغز» على عددٍ قليلٍ من الثغرات في قواعد اللجنة الانتخابية. أو الكشف عن مسار إنفاق مبلغ مليون دولار. وليست حتى حول ما يبدو أنّه تنسيقٌ سريٌ بين حملة التصويت بنعم وموقع Leave.EU من جانب وأجريجات آي كيو وكامبريدج أناليتيكا من جانبٍ آخر. بل يتعلق الأمر بكيفية قيام الملياردير الأمريكي «روبرت ميرسر»، ومساعده الأيديولوجي «ستيف بانون»، بتحقيق أكبر تغييرٍ دستوريٍ في بريطانيا خلال قرنٍ من الزمن.

علاقة بريكسيت بـ«ترامب»

ولكي نفهم أين وكيف ارتبطت بريكسيت بـ«ترامب»، وهذه حقيقة، يتعين علينا معرفة أنّ هذه العلاقات هي نتيجة لشراكة امتدت لسنوات. وكان «نايجل فاراج» و«بانون» من المقربين منذ عام 2012. وافتتح بانون فرع لندن من موقعه الإخباري بريتبارت عام 2014، وقال لصحيفة نيويورك تايمز أنّها كانت الحلقة الأخيرة «في حربنا الثقافية والسياسية الحالية».

كانت بريطانيا دائمًا مفتاحًا لخطط «بانون»، كما قال لي موظف سابق في كامبريدج أناليتيكا بشرط عدم ذكر اسمه. وكان ذلك جزءًا حاسمًا من استراتيجيته لتغيير النظام العالمي بأسره.

وقال لي المصدر: «يُعتقد أنّه لتغيير السياسة، عليك أولًا تغيير الثقافة. وكانت بريطانيا مفتاح ذلك. وكانت فكرة خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي ذات أهمية رمزية كبيرة بالنسبة له»

وقد سألت «ديفيد بانكس»، رئيس الاتصالات بحملة نعم، لماذا أنفقوا المال مع أجريجات آي كيو.

ورد: «لم نجد أجريجات آي كيو. هم من وجدونا. ليس هناك مؤامرة هنا. كانت هذه الشركة الكندية التي افتتحت مكتبًا في لندن للعمل في السياسة البريطانية، وكانوا يفعلون الأشياء التي لا يمكن لأي من الشركات البريطانية تقديمها. واستند استهدافهم إلى مجموعة من التقنيات التي لم تصل إلى المملكة المتحدة بعد. وكان الكثير منها مملوكًا، حيث وجدوا طريقة لاستهداف الأشخاص استنادًا إلى رؤى سلوكية. لقد أفادونا».

يبدو واضحًا لي أنّ «ديفيد بانكس» لم يكن يعلم أنّه قد يكون هناك أي شيءٍ غير مرغوب فيه. إنّه رجلٌ وطنيٌ يؤمن بالسيادة البريطانية والقيم البريطانية والقوانين البريطانية. لا أعتقد أنّه كان على علم بأي تداخل مع الحملات الأخرى. ولا أستطيع أن أفكر إلا أنّه قد تم التلاعب به.

وأنّنا، الشعب البريطاني، قد تم التلاعب بنا أيضًا. ومع الارتباط الوثيق بين البريكست و«ترامب»، فلا نستبعد تداخل روسيا في هذه العلاقة الضيقة للغاية.

وأظهرت خريطة عرضت على موقع أوبزرفر العديد من الأماكن في العالم  التي عملت بها كامبريدج أناليتيكا، حيث عملت في روسيا وليتوانيا ولاتفيا وأوكرانيا وإيران ومولدوفا. وكشفت مصادر متعددة في كامبريدج أناليتيكا روابط أخرى لروسيا، بما في ذلك رحلات إليها، واجتماعات مع المديرين التنفيذيين من الشركات المملوكة للدولة الروسية. وقد أخبرني أحد المقربين من دائرة الاستخبارات أنّ هناك تحقيقٌ جارٍ في احتمال التدخل الروسي في الاستفتاء.

ووصف «جافن ميلر»، وهو خبير فى مراقبة الانتخابات وخبير فى القانون الانتخابي، الوضع بأنّه «مثيرٌ للقلق للغاية». ويعتقد أنّ الطريقة الوحيدة لإيجاد الحقيقة هي إجراء تحقيقٍ علني. وتحتاج الحكومة التي أعلنت للتو عن الانتخابات إلى تعزيز قاعدة قوتها. وهي الانتخابات التي تهدف إلى جعلنا في مواءمة دائمة مع «أمريكا ترامب».

وأشار «مارتن مور» من كلية كينغز في لندن إلى أنّ الانتخابات كانت أداة حديثة العهد للدول التي يمكن أن تكون استبدادية. ما تفعله «تيريزا ماي» معادٍ للديمقراطية تمامًا بطريقة ما. إنّها تعزز قوتها عن عمد.

هذه هي بريطانيا في عام 2017. بريطانيا التي تبدو على نحو متزايد دولة شبه ديمقراطية. بريطانيا التي دفعت من قبل الملياردير الأمريكي، واستخدام التكنولوجيا العسكرية، وبيانات فيسبوك، إلى مغادرة الاتحاد الأوروبي. وليس الأمر حول البقاء أو المغادرة.  بل يتجاوز السياسات الحزبية. إنّ القصة هنا خطوة أولى نحو عالمٍ شجاع وجديد متزايد الديمقراطية.

المصدر | الغارديان

  كلمات مفتاحية

بريطانيا بريكسيت الديمقراطية البريطانية