استطلاع رأي

أي من هذه الدول تمارس الدور الأكثر إيجابية في حرب غزة؟

السعودية

مصر

قطر

إيران

تركيا

أهم الموضوعات

طبقات اليمين الإسرائيلي وبصيرة دا سيلفا

عن أوهام التفاؤل الأميركي

أزمة اقتصاد مصر وانتظار الفرج من الخارج

نحو وقف الحرب على غزة

سيناريو اليوم التالي للحرب

مجلس التعاون الخليجي ومسيرة طويلة من التخبط

الخميس 18 ديسمبر 2014 06:12 ص

المسألة الأمنية أصبحت تمثل كابوسا في واقع دول مجلس التعاون، ولم يصل الأمر إلى المستوى التراجيدي المعقد الحالي لو أن الفكر أو المنظور أو التخطيط السياسي الاستراتيجي لم يكن مشوشا طيلة مسيرة المجلـــس. ولو أن الإرادة السياسية المشتركة لاتخاذ القرارات قد توفرت في مختلف مستويات قيادة المجلس.

الموضوع بالفعل وصل إلى التمظهرات الكارثية، ولذا فالحديث عنه يجب أن يكون صريحا ومباشرا، المسألة تبرز في وجهين لعملة واحدة: الوجه الأمني الداخلي والوجه الأمني الخارجي، في الأسبوع الماضي أبرزنا جانبا مفصليا واحدا من جوانب الأمن الداخلي، الذي يتطور شيئا فشيئا ليوصل مجتمعات دول مجلس التعاون إلى فقدان هويتها العربية من خلال طريقين: الأول هو الازدياد المتسارع الخطر في أعداد العمالة الوافدة غير العربية في كل دول المجلس. والثاني هو التراجع المفجع لمكانة اللغة العربية، وبالتالي للثقافة العربية، عند الجيل الجديد من مواطني مجلس التعاون.

اليوم دعنا نحاول النظر إلى الوجه الآخر للعملة، وجه الأمن الخارجي، ولكن بصورة مقابلة بين الظروف التي أحاطت بدول المجلس عبر الخمس والثلاثين سنة الماضية وبين مسيرة المجلس لمواجهة تلك الظروف.

الواقع أن دول المجلس عاشت عبر تلك الفترة الصاخبة حالات قلق وخوف وذعر، لقد بدأت تلك المخاوف بعد نجاح الثورة الإسلامية الإيرانية مباشرة، عندما طرحت بعض الأوساط الإيرانية فكرة تصدير الثورة الإيرانية إلى مجتمعات الدول المحيطة بها، لقد أوجد ذلك توجسا عند أنظمة تلك المجتمعات بعد أن اعتقدت بأن مجيئ الحكم الإيراني المسلم الجديد سينهي التوترات الكثيرة مع الحكم الشاهنشاهي السابق،

لم يمر عام واحد حتى انفجرت الحرب العراقية الإيرانية فتضاعف الخوف مَما قد تفعله الجهة المنتصرة في تلك الحرب، فكان أن ولد مجلس التعاون كرد فعل لذلك الخوف. وما أن انتهت تلك الحرب الجنونية التي أنهكت إيران والعراق ودول الخليج العربية، حتى فوجئت المنطقة بغزو الكويت العبثي الذي نقل الخوف إلى مستوى الذعر والهلع الشديدين. وهكذا وجدت دول المجلس نفسها شيئا فشيئا تدخل في دوامة التآمر الإمبريالي على العراق، من خلال محاصرته ومن ثم احتلاله، ومن ثمُ دخول المنطقة برمتها في صراعات مذهبية طائفية لم تنته بعد.

لكأن ذلك لم يكن كافيا كوقود لهستيريا الشكوك والمخاوف، حتى أضيف عاملان آخران: الأول تمثل في حراكات «الربيع العربي» التاريخية منذ أربع سنوات، وهو حراك لايزال يتفاعل ولم يستقر على حال بعد، وبالتالي مرشح لمفاجآت مستقبلية. أما الثاني فهو الصعود المذهل لتنظيم «داعش» وأخواته في أجزاء كبيرة من العراق وسوريا، وما يحمله ذلك من تداعيات على مستقبل بعض أو كل دول المجلس.

كان لا بد من ذكر كل ذلك لإظهار الترابط الشديد بين مكونات المشهد الأمني الماثل أمامنا والحجم الهائل لذلك المشهد، وبالتالي التعقيدات المتشابكة التي سيأتي بها المستقبل والتي أصبحت مواد صالحة لتجهيز طبخات سامة مميته في مطابخ استخبارات الكيان الصهيوني وعواصم الدول الإمبريالية المتكالبة على المنطقة.

من المؤكد أن تلك الأحداث المتسارعة المعقدة المتراكمة عبر ثلث قرن تبرر الاهتمام الشديد الأخير بالقضية الأمنية، لكن نوع ذلك الاهتمام ونتائجه المستقبلية سيعتمد على إجابات دول المجلس على السؤال المفصلي التالي: هل تعامل مجلس التعاون عبر العقود الثلاثة الماضية، مع تلك الأحداث المتسارعة بفكر سياسي حصيف وبمنهجية عملية كفوءة؟

الجواب الصريح الموضوعي هو، مع الأسف الشديد (كلا) المفروض، بعد خمس وثلاثين سنة من الخوف والهلع، أن توجد قوة عسكرية ذاتية مشتركة لحماية دول المجلس ولإبعاده عن ارتماء دوله بصور منفردة في أحضان دول أجنبية تحميها، لكن ذلك لم يحدث. المفروض أن تكون دول المجلس قد دخلت عبر السنين الماضية في حوارات كثيرة، وعلى كل المستويات، مع إيران لوضع ضوابط سياسية في علاقات الجهتين، ولبناء مصالح اقتصادية مشتركة تبني اعتمادا متبادلا بين مؤسسات الجهتين، ولاجراء حوارات فقهية جادة تقلل التطرف عند الجهتين، ولمحاولة الاتفاق على مواقف مشتركة في الساحتين الإقليمية والدولية، لكن أيا من ذلك لم يحدث، بل ولم يحاوله أحد بجدية واستمرارية، لقد ترك الأمر للبلادة في الساحتين لتهيمنا على الخطاب الإعلامي والسياسي والاقتصادي، وبالتالي الأمني. كان المفروض أن يكون للعراق ولليمن مكانة خاصة في ساحات دول المجلس لإيجاد التوازنات والندية في هذه المنطقة المضطربة، لكن ذلك لم يحدث.

لقد كان المفروض أن نكون قد انتهينا من إتمام الكثير من الخطوات الوحدوية بين دول المجلس، لكن ذلك لم يحدث أو أنه سمح له أن يتعثَر.

لقد كان المفروض أن تفهم دول المجلس أن الزمن العربي الجديد يقتضي الاتفاق على خطوات تقدمية ديمقراطية مشتركة لتجنب نفسها الاحتقانات السياسية الداخلية، ولتتناغم مع تطلعات شعوب الأمة العربية على الأقل في مستواها الأدنى، ولكنها لم تفعل وعاشت كل دولة في عالمها الخاص، فتكونت صورة سريالية للمجلس.

إذن، فالمجلس يحتاج إلى إعادة نظر في فكره السياسي، في طرائق عمله، في أولوياته، في اعتماده على نفسه إلى أبعد الحدود، في حل أي توترات تاريخية بين أنظمة الحكم والشعوب، في علاقاته القومية مع وطنه العربي الكبير.

إنه طريق طويل، وبغير ولوجه ستبقى القضيتان الأمنيتان، الداخلية والخارجية، تراوحان مكانهما.

٭ د.علي محمد فخرو وزير سابق ومفكر بحريني 

المصدر | الشروق الجديد

  كلمات مفتاحية

مجلس التعاون الخليجي دول الخليج

«مجلس التعاون الخليجي» في 2015: الأمن الداخلي يتفوق على التكامل الإقليمي