استطلاع رأي

أي من هذه الدول تمارس الدور الأكثر إيجابية في حرب غزة؟

السعودية

مصر

قطر

إيران

تركيا

أهم الموضوعات

طبقات اليمين الإسرائيلي وبصيرة دا سيلفا

عن أوهام التفاؤل الأميركي

أزمة اقتصاد مصر وانتظار الفرج من الخارج

نحو وقف الحرب على غزة

سيناريو اليوم التالي للحرب

طغاة الشّرق الأوسط يغذّون الطّائفيّة

الأحد 21 ديسمبر 2014 01:12 ص

تفشل الطّائفيّة في شرح الاضطراب الحالي في العالم العربي. في الواقع، إنّ العدسة الطّائفيّة التي يُنظَر عبرها إلى الانقسام السّني الشّيعي تزيد من غموض الوقائع المعقّدة على الأرض بدلاً من توضيحها، وهي تخفي التّغيرات السّياسيّة والاقتصاديّة الصّعبة التي انتشرت في هذه المنطقة، ناهيك عن التّدخّلات الأجنبيّة المستمرّة وتأثيراتها. صحيح أنّ الهويات الدّينيّة تبقى بارزة، لكنّ الطّائفيّة أمر مختلف تمامًا: هي التّسييس المميت لهذه الهويّات الدّينيّة.

وإذا أردنا تقدير سبب تحوّل الجزء الأكبر من العالم العربي بشكل متزايد إلى أرض قاحلة يمزّقها العنف المرتكب باسم الهويّة الطّائفيّة والتّضامن الطّائفي، علينا التوجّه إلى الوقائع المخفيّة التي يرفض معظم المراقبين رؤيتها.

إحدى هذه الوقائع هي السّيطرة المستمرّة من قبل الرؤساء والملوك المكروهين والظّالمين الذين يكوّنون ما يشبه العشائر. على الرّغم من انتخاب الرّؤساء وتتويج الملوك والأمراء، تمكّن جميع القادة من تفادي أيّ دمج فعلي، واستمرّوا بممارسة السّياسة سواء بالقوّة أو الرّشوة؛ وأدركوا جميعهم في نهاية المطاف أنّ تعزيز شرعيّتهم المحدودة لن يأتي إلّا عن طريق تحويل أجزاء من الشّعب إلى عملاء يستفيدون من الفرص الاقتصاديّة الوفيرة مقابل ولائهم الكامل.

أرسل صدام حسين السّنّي مسيحيّين ليمثّلوه في الخارج، في حين سيطر عدد من الشّيعة على حزب البعث الخاصّ به، تاركًا الشّؤون الأمنيّة والاستخباراتيّة في يد أقربائه الأكثر ولاء.

أمّا الرئيس السّوري العلوي بشار الأسد فيبقي المناصب العليا في القوى الجوية وجهاز المخابرات لعشيرته المخلصة، ويسمح للتّجار الجدد من الأسر السّنيّة بالاستفادة من الفرص الاقتصادية النيوليبراليّة. ومن جهته، فكّر الرّئيس المصري حسني مبارك بالتكلّم باسم السّنّة قبل الإطاحة به، لكن في الحقيقة، تركّزت اهتماماته على تحويل أسرته الصغيرة إلى عشيرة تتبع نمط مبارك على غرار معاصريه من الرّؤساء والملوك العرب.

لا يمكن اعتبار مثل هذه القيادة الشّبيهة بالعشائر طائفيّة بكلّ بساطة، فالحكّام ليس لهم هويّة ولا انتماء طائفيّان، لكنّ كلّاً من خصومهم – غالبًا الجماهير المبعدة – والعالم الخارجي يرغبون في رؤيتهم من خلال عدسة طائفيّة. عمل هؤلاء الرّؤساء مفترضين أنّ الحفاظ على السّلطة يحتّم عليهم تصنيف الشّعب في وحدات مختلفة أزليّة أبديّة، وتحريض مجموعة على أخرى في إطار لعبة سياسيّة طويلة وعنيفة.

هم لم يكونوا دومًا محسنين تجاه الأشخاص من دينهم، ولا يمكن اعتبارهم تلقائيًا أولياء لطوائفهم الخاصّة. في الحقيقة، هم مخلصون لعشيرتهم الخاصّة ويكافئون العملاء بغضّ النّظر عن هويّتهم الطّائفيّة.

وكذلك من يسمَّوْن بالملوك والأمراء السّنّة ملتزمون أكثر أيضًا بعشائرهم منها بطوائفهم.

فلننظر مثلاً إلى ملوك السّعوديّة المختلفين الذين طمحوا إلى أن يقودوا العالم السنّي، من الملك فيصل (الذي توفّي في العام 1975) إلى الملك الحالي عبد الله بن عبد العزيز، والذين اتُّهِموا غالبًا بالسّماح للخطاب الطّائفي المناهض للشيعة بالنموّ.

منذ ثمانينيّات القرن الماضي، أشار ناشطون شيعة إلى أنّ النّظام السعودي لم يبذل جهدًا كبيرًا للسّيطرة على الخطاب المناهض للشيعة الذي يعتمده علماء دين سعوديّون. فعلى سبيل المثال، اشتهرت الفتاوى التي تحرّم الزّواج بين السّنّة والشّيعة، بالإضافة إلى تلك التي تحظّر على السّنّة تناول اللحم الذي ذبحه اللّحامون الشّيعة. يتّهم النّاشطون الشّيعة النّظام بتهميش المجتمع في المنطقة الشّرقيّة، وبترك بلداتهم وقراهم غير متطوّرة، وبحرمانهم من التّوظيف الكامل والحرية الدينيّة.

لكنّ ملوك السّعوديّة الأفراد هم فاعلون سياسيّون يسعون إلى مصلحتهم الشخصيّة وتدفعهم غريزة البقاء بدلاً من التّضامن الطّائفي. فلنأخذ مثلاً الملك فيصل الذي دعم في ستّينيّات القرن الماضي الزيديّة الشّيعيّة في اليمن ضدّ الجمهوريّين، ودعمهم جمال عبد الناصر في مصر.

وأيضًا داخليًا، يقوم الملك السعودي الحالي عبد الله والحاكم التّابع له في المنطقة الشرقيّة الغنيّة بالنّفط بالتّلاعب بعدّة أعيان وعلماء دين شيعة، ويجري استدعاء هؤلاء من وقت إلى آخر ليتعهّدوا بولائهم للملك بعد التّظاهرات وأعمال العنف التي تحدث أحيانًا. يستعمل الملك الشّيعة والعنف في المنطقة لإخافة الأكثريّة وثنيها عن المطالبة بأيّ تغييرات سياسيّة، فكلّ مرّة يتظاهر فيها الشّيعة، تلقَّن الأكثريّة خطاب استهدافها من قوى خارجيّة وعملائها المحليّين.

في الوقت عينه، يرى النّظام فائدة الهجمات التي تشنّها الجماعات السّنيّة المتطرّفة على المصلّين الشّيعة والتي تُرعِب هذه الأقليّة، فيأتي النّظام بعدها ليقدّم نفسه على أنه الحامي الأفضل للشيعة، لأنّ البديل سيكون الجهاديّين المتطرّفين. بعد سنوات من تحذير الصّحافة السّعوديّة من المحرّضين الشّيعة الذين يُقال إنّهم مدعومون من إيران، هيمن الحديث عن الوحدة الوطنيّة على الحياة العامّة عندما جرى الاعتداء على مصلّين شيعة خارج مسجدهم.

يملك النّظام تحت تصرّفه أصواتًا مختلفة تتنكّر في زيّ مثقّفين وكاتبين قادرين على التأرجح بين الخطاب الطّائفي الشّرس وشعارات الوحدة الوطنيّة، وفق ما تحتاج إليه العشيرة الحاكمة المهيمنة في فترة معيّنة، وتستلزم المناورة السّياسيّة أن يلعب النّظام على مخاوف كلّ من الأقليّة الشيعيّة والأكثرية السنية بدلاً من ادّعاء هويّة طائفية محدّدة. وإنّ بقاء عشيرة آل سعود تبقى المشروع الأكثر قدسيّة بدلاً من حماية عالم سنّي جبار.

إذا ليست الأنظمة الملكيّة المُفترض أنها سنّيّة، كالسّعودية وعملائها، ولا الرّئاسات العربية الأخرى غارقة فعلاً في الخنادق الطّائفيّة الأبديّة، على الرّغم من الخطاب العالي المصمَّم للاستهلاك الجماهيري والتعبئة الجماهيريّة. وينطبق الأمر عينه على المجتمعات التي يُعتقَد أنّ الطّائفيّة متفشّية فيها – كلبنان، وسوريا، والعراق والبحرين. وإنّ اعتبار هذه المجتمعات منغمسة بالكامل في الهويّات الطّائفيّة والعنف يُخفي الانقسامات السّياسيّة والاقتصاديّة الأخرى، بشكل خاصّ الفوارق الطّبقيّة، داخل كلّ مجتمع.

تتحوّل الطائفيّة إلى مظلّة تختبئ تحتها هذه الانقسامات لتعزيز أواصر التّضامن الوهميّة. نعم، قد تبدو المنطقة العربية بمنظر طائفي قبيح، لكن يجب ألّا يشكّل ذلك عذرًا يمنعنا من الكشف عن الحقائق المرّة للفقر، والإبعاد، والتّهميش وطغيان كلّ من الغرباء والمجتمع الطّائفي الذي ينتمي إليه الفرد.

إذا فشلت الطّائفيّة في شرح السّلوك السّياسي للأنظمة والتنوّع الدّاخلي ضمن المجموعات الطّائفيّة، لم لا يتوقّف العالم الخارجي عن رؤية المنطقة وسياساتها من منظار طائفي؟ حسنًا، إنّ القوى الغربيّة الخارجيّة التي سيطرت على العالم العربي عبر التاريخ وجدت أنّ الهويّات الأزليّة المشحونة بالعواطف كالطّوائف مفيدة للغاية كأدوات لتقسيم الشعب وتنظيمه.

هم تخيّلوا المجتمعات ركائز متينة ومتوازية، وتعاملوا مع ذلك كأنّه حقيقة تاريخية تأبى الزّوال. وكان الفصل الأخير لهذه الرؤية تخيّل الولايات المتّحدة للعراق كدولة للشيعة، والسّنّة والأكراد، وأتت نتائج هذه الرّؤية كارثيّة على جميع المواطنين، فمع تقدّس هذه الرّؤية وإعطائها الطّابع المؤسّسي، لم يبق خيار للمجتمعات المهمّشة إلّا بالمشاركة في رؤية طائفيّة معاكسة.

النّظر إلى العالم العربي كمحيط واسع تكون فيه الحيتان الطّائفيّة في مراكز السّلطة يؤكّد أيضًا الاستثنائيّة المزعومة التي يُعتقَد أنّها السّمة الأبرز في المنطقة، أي كمكان حيث مقاومة العلمنة، والمواطنة والدّيمقراطيّة أمر لا يمكن تخطّيه. لا يزال الكثير من المراقبين في الغرب يفضّلون مثل هذه الكليشيهات المستشرقة القديمة التي تروّج لها العقول الخاملة والرجعيّة.

في العالم العربي وحول العالم، ستبقى الهويّات الدينيّة بارزة، ومجسَّدة بشكل علني، ومغذّاة ثقافيًا، لكنّ الطّائفيّة هي حفرة مظلمة يحفرها الكثير من الفاعلين المحليّين والخارجيّين. قد يلهب القادة العرب المخيّلات الطّائفيّة، لكنّ ولاءهم يأتي في المرحلة الأولى لعشائرهم وعملائهم بغضّ النظر عن انتماءاتهم. على حدّ سواء، تشعر المجتمعات العربيّة بالقلق من محنتها الاقتصاديّة وممّا تتعرّض له من تهميش، وقد تعلّمت مؤخّرًا كيف تعبّر عن عزلتها بعبارات طائفيّة.

ليست الطائفية صفة تاريخيّة متأصّلة في الجماهير العربيّة، وفي أصحاب المشاريع الطّائفيّة وعلماء الدين الذين لا يكفّون عن النموّ في الوقت الحاضر، بل هي ظاهرة سياسيّة حديثة يغذّيها الطّغاة المثابرون الذين يعتمد حكمهم على إثارة تلك الهويّات الدّينيّة القديمة التي تصبح مسيّسة بشكل مميت.

نظرتنا إلى العالم العربي والحروب المستعرة داخل الطوائف وفي ما بينها يجب أن تبتعد عن الانقسام السّنّي الشّيعي التّاريخي وأن تركّز على الاستراتيجيات العميقة للطّغاة الذين يتبعون مبدأ الزّبائنيّة وعلى انعدام العدالة الاقتصاديّة بين المجموعات المختلفة وداخلها. إذًا نحن الآن بأمسّ الحاجة إلى إعادة تقييم ما يسمّى النموذج الطّائفي الأبدي للعالم العربي.

المصدر | المونيتور

  كلمات مفتاحية

طغاة الشّرق الأوسط يغذّون الطّائفيّة اضطراب العالم العربي العدسة الطّائفيّة الانقسام السني الشيعي الوقائع المعقّدة التّغيرات السّياسيّة والاقتصاديّة التدخلات الأجنبية الهويات الدينيّة تسييس الهويات الدّينيّة