ثورة غيّرت مصر.. ولم تكتمل بعد!

الاثنين 22 ديسمبر 2014 06:12 ص

مصطفى بسيوني | أسابيع قليلة فصلت بين انطلاق شرارة «الربيع العربي» في تونس، وبين انتفاضة الشعب المصري التي تحوّلت سريعاً إلى ثورة.

دارت عجلة الأحداث مرات عدّة منذ انطلاق «ثورة 25 يناير»، حتى أصبح الكثيرون ممن انطلقوا معها، وعقدوا الآمال عليها، لا يعرفون أين يقفون اليوم، بل وأين تقف ثورتهم، وماذا تبقَّى منها.

الوجوه التي قفزت إلى مقدمة المشهد قبل أربع سنوات لا تظهر اليوم كثيراً. والذين اصطفوا في الخندق الواحد لإسقاط نظام مبارك، تفرقوا اليوم واختصموا.

الجدل لم يعد ينقطع حول ما إذا كانت الثورة قد تمكنت من تغيير النظام، أم أن نظام مبارك لا يزال قائماً ليصدر حكم البراءة بحقه، ويعتقل المتظاهرين، ويطبق السياسات التي طبقها «المخلوع» في السياسة والاقتصاد والأمن.

وبرغم الاختلاف حول ما إذا كانت الثورة قد غيّرت النظام أم لا، فإن المتفق عليه أن الثورة غيّرت الجميع، فالذين اندفعوا يوم الثلاثاء 25 كانون الثاني العام 2011 ليسقطوا رئيس الجمهورية للمرة الأولى في تاريخ مصر الحديث، لم يعودوا هم أنفسهم كما كانوا من قبل.

الثورة.. والثورة المضادة

هيثم محمدين، المحامي الشاب، كان أحد الذين تصدروا التظاهرات المعارضة للنظام قبل الثورة وبعدها. ينتمي محمدين إلى حركة «الاشتراكيين الثوريين»، وقد ألقي القبض عليه يوم 25 كانون الثاني 2011 خلال مشاركته في تظاهرة انطلقت من حي شبرا، وأطلق سراحه مساء يوم 27 كانون الثاني، ليشارك في «جمعة الغضب» ويستأنف الهتاف بسقوط النظام.

لا يزال محمدين يرى أن النظام لم يسقط بعد، وأن الثورة، في المقابل ما زال لها امتداد. يقول الناشط اليساري: «كنت منتمياً إلى حركة الاشتراكيين الثوريين منذ سنوات قبل الثورة. وكنت مؤمناً بضرورة حدوث انتفاضة ثورية لإطاحة نظام مبارك، وأن لا طريق آخر سوى ذلك. تعرفت إلى الثورات من الكتب، وآمنت بها، ولكن أن تعيش ثورة فهذا شيء لا يشبه أبداً ما تقرأه».

ويضيف «بدا الأمر مختلفاً بعد انطلاق الثورة التونسية، فقد أصبح الحلم ممكناً، واندفعنا بإلهام الثورة التونسية. أكثر ما أصبحتُ أؤمن به بعد الثورة هو قدرة الجماهير على التغيير. أؤمن أكثر من أي وقت مضى أنه لا سبيل حقيقياً للتغيير إلا بإرادة الجماهير وفعلها المباشر وليس عبر وكلاء».

يرى محمدين أن ما يحدث اليوم «ثورة مضادة» تحاول إعادة عقارب الساعة للوراء، وأن تلك «الثورة المضادة» حققت انتصارات بالفعل، ودفعت الثورة إلى الخلف. ويعتقد الشاب اليساري ان النظام عاد أسوأ مما كان، ولكنه لا يرى أن كلمة النهاية كتبت بعد: «الوضع الحالي غير قابل للاستمرار. الثورة المضادة عمرها سنة ونصف السنة تقريباً. وهذه هي ليست أول محنة تمر بها الثورة. كان حكم المجلس العسكري محنة للثورة، وكان حكم الإخوان محنة أخرى، واليوم الثورة في محنة ربما أكبر لأن الثورة المضادة باتت أكثر تماسكا، ولكنها لم تستطع أن تمحو الثورة من الأذهان».

ويتابع «يمكن القول إن الثورة لم تستطع أن تغير النظام حتى اليوم. ولكنها بالتأكيد غيرت الكثير في وعي الناس. نرى ان النظام صار يخاف من الثورة لأنها حقيقية، ولذلك تراه يحسب ألف حساب لخطواته»، لافتاً إلى انه «برغم سياسة القمع والاستبداد، إلا أن النظام يدرك بأن الملايين انتفضت قبل أربع سنوات وأطاحت مبارك ويمكنها أن تنتفض مجدداً».

بين الثورة والإحباط!

محمد أبو الغيط كاتب شاب لمع اسمه بعد الثورة وبسببها، وهو أحد الأسماء التي ارتبط اسمها بالثورة أيضاُ. نشأ أبو الغيط في أسرة «إخوانية» وانتمى إلى الجماعة منذ صغره. كان قد ترك «الإخوان» في العام 2008، ولكنه استمر في معارضته لنظام مبارك. ألقي القبض عليه في أسيوط في صعيد مصر، في تظاهرة يوم 26 كانون الثاني، أي في ثاني أيام الثورة، وأطلق سراحه عقب جمعة الغضب التي انهارت فيها أجهزة الأمن أمام الانتفاضة الشعبية.

يرى أبو الغيط أن النظام لم يسقط بعد، وأن الأوضاع اليوم لا تختلف عن الأوضاع في ظل مبارك، وربما كانت أسوأ، لكنه يرى أن ثمة ما تغير في المجتمع.

يقول أبو الغيط لـ»السفير»: «كنت أكتب قبل الثورة في بعض المواقع الالكترونية، ولكن الثورة خلقت مناخاً جديداً. فجرت طاقات غير محدودة. الثورة بالتعريف حالة تسييس واسعة وسريعة».

ويضيف «كنت طالباً في كلية الطب وقت انفجرت الثورة، وكنت أتجه للكتابة الأدبية، ولكن الثورة دفعتني للكتابة السياسية».

وبالرغم من أن أبو الغيط يرى أن النظام عاد أسوأ مما كان عليه ايام حسني مبارك، ألا أنه يرى أن الثورة غيرت بطريقة مختلفة.

«كمعارض أرى النظام اليوم أسوأ. ولكن الثورة ليست قراراً يمكن الرجوع فيه. الثورة نتيجة تفاعل مجموعة من العوامل، وليست نتيجة إرادة أي طرف»، يقول أبو الغيط، مضيفاً «النظام اليوم أسوأ نعم، ولكن الشعب اليوم يعرف ويدرك أنه قادر على التغيير».

ويتابع «لا يمكن الجزم اليوم بما سيحدث في المستقبل. الثورات قد تستغرق سنوات طويلة من التفاعل والتقدم والتراجع حتى تنجز أهدافها، والخيارات كلها مطروحة. وأسباب الثورة ما زالت موجودة، ولكن حتى اللحظة لا يوجد بديل متبلور أمام الجماهير».

ولكن تفاؤل أبو الغيط لا يمنعه من أن يكون واقعياً بعض الشيء، فيقول «لا يمكننا أيضاً أن نغفل أن ثورات أخرى انفجرت وهزت أنظمة وفتحت الطريق للأمل في التغيير للأفضل، ولكنها هزمت تماماً. كل الخيارات مطروحة نعم بما فيها هزيمة الثورة بالكامل، والأمر ليس قدراً».

ويستطرد «إذا استمرت الثنائية المطروحة كما هي (إسلامية ـ علمانية)، فالنظام هو من سيتسفيد».

ويختم «لقد ألهمتنا ثورة تونس في البداية، وأعطتنا دفعة قوية، ولكن طموحات الناس التي تفجرت مع الثورة تحولت إلى إحباط، وإذا لم يظهر بديل حقيقي، فهذا الإحباط سيتحول إلى يأس».

الثورة المفاجئة!

كانت الثورة مفاجأة للجميع، ولكن عندما نرى تسلسل الأحداث اليوم، يرى البعض كم كانت متوقعة، وحتى حتمية.

منى سليم، العضو المؤسس في حركة «تمرد» في نيسان 2013، والتي انتمت إلى تيار القومية العربية واعتبرت أن الناصرية هي الأقرب إليها فكرياً وسياسياً، كانت قد بدأت وقتها اعتصاماً مع زملائها في جريدة «الدستور» المعارضة أمام نقابة الصحافيين. كان ذلك قبل الثورة بثلاثة أشهر. وكان السبب إقالة رئيس التحرير وتغيير سياسة الجريدة.

تقول سليم لـ «السفير»: «خلال الاعتصام، أحسست أننا وصلنا إلى أعلى مراحل الاستبداد، والتي ستؤدي بدروها إما إلى انفجار أو انهيار. كان الأمل قائماً بفضل النضال الذي امتد من العام 2004، وبدأ الأمل يتزايد بقوة في 14 كانون الثاني العام 2011 عند هروب (الرئيس التونسي زين العابدين) بن علي. وقتها أدركنا أن 25 يناير لن يكون يوماً عادياً».

الآمال العريضة لم تستمر، وبدأت الأوضاع تتراجع الى الأسوأ، بحسب منى سليم، التي تقول: «لم تنجز أي من أهداف الثورة. روح الثورة موجودة في الشارع، ولكننا الآن في أسوأ اللحظات. القوى الثورية مفككة، وبعضها تخلّى عن الثورة والتحق بالنظام».

سليم التي شاركت في تأسيس «حركة تمرد» التي مهدت لـ «ثورة 30 يونيو» تراجع تجربتها اليوم قائلة: «كنت متسامحة مع الثالث من يوليو (يوم عزل الرئيس «الإخواني» محمد مرسي في أعقاب تظاهرات شعبية مليونية) لأنني اعتبرت أن الشعب اتخذ قراره. وأن الشعب لن يسمح بسرقة الثورة. ولكني سأفكر أكثر من مرة، لو عاد التاريخ الى الوراء، وسأضع خطر الدولة البوليسية والدولة الدينية في الكفة ذاتها، وسأعمل على بناء تنظيم ثوري قوي وقادر على قيادة الثورة».

وتتوقع سليم «موجة جديدة للثورة لأن الأسباب التي فجرت ثورة 25 يناير ما زالت كما هي».

منى سليم التي اندفعت في الثورة متبنية الأفكار القومية القريبة من التيار الناصري لم تعد كما كانت قبل الثورة: «بعد الثلاثين من يونيو تأكدت أن الرؤية الناصرية لا تقدم الحل للأوضاع التي نعيشها وأصبحت أبعد عن ذلك التيار».

بين الخط الثوري والنهج الإصلاحي

في المقابل، ثمة من يرى مبالغة في القول إن النظام السابق قد عاد كما كانت الحال ايام حسني مبارك. وهناك من يؤمن بأن الثورة وضعت مصر على الطريق الذي ينبغي أن تسير فيه، وأن المستقبل مرهون بأن تسير مصر في الطريق الذي فتحته الثورة.

أحمد عيد، عضو لجنة الخمسين لتعديل الدستور بدأ عمله السياسي بالمشاركة في تظاهرات حركة «كفاية» في العام 2005، والتحق بعد ذلك بـ «حزب الجبهة الديموقراطية». وبعد الثورة انضم إلى «حزب الدستور» الذي كان يترأسه المعارض البارز محمد البرادعي، وأخيراً أصبح عضواً في «حزب الأحرار».

يقول عيد لـ «السفير»: «لم نتوقع الثورة في البداية، ولكن بعد أحداث تونس بدأنا نشعر بأن يوم 25 كانون الثاني سيكون يوماً غير عادياً. يومها شعرنا بالفعل أننا في بداية ثورة. في 28 كانون الثاني، صار مؤكداً أن مبارك في طريقه إلى السقوط».

ويضيف «الثورة حدث استثنائي ومفاجئ. عقب الثورة فكرت في المسارات الإصلاحية، لأنني أعتقد أن أهداف الثورة لا تتحقق دفعة واحدة. ولكن المجال العام ينفتح مع الثورة، وتصبح الفرصة سانحة لانتخابات نزيهة وتداول للسلطة وبناء أحزاب حقيقية. وهو ما اهتممت به».

لا يرى عيد الأوضاع اليوم بالسوء الذي يراه غيره، «الوضع اليوم ليس كما كنا نتمناه. ولكني لا أرى ثورة مضادة أو عودة للنظام القديم. هناك أخطاء، وبعضها كارثي، ولكنها مجرد أخطاء. وما زلنا في انتظار البرلمان والذي سيحدد الكثير من الأمور».

ويؤكد عيد ان لا علاقة للرئيس عبد الفتاح السيسي بنظام مبارك.

وبالرغم من أن عيد لم يكن في الحملة الانتخابية للسيسي، ولم يعلن تأييده له، لكنه يرى انه كان من حق السيسي الترشح للرئاسة والاحتكام إلى صندوق الاقتراع.

ويستبعد عيد أن تكون هناك موجة ثورية جديدة، ويؤكد أنها لن تكون في مصلحة مصر، لأنه لا يوجد بديل سياسي حقيقي، علاوة على ان القوى الثورية عاجزة عن تقديم بديل، موضحاً: «علينا اتخاذ خطوات إصلاحية. نعارض النظام وندفع بمطالب. ولا بديل عن المسار الإصلاحي لأن المجال السياسي قد انفتح بعد انسداده في عهد مبارك».

أربع سنوات جرت فيها الكثير من المياه في نهر «ثورة 25 يناير». ومهما طرحت آراء وتحليلات حول ما حققه الشعب المصري، يبقى ان مصر التي كانت قبل الثورة لم تعد هي نفسها مصر بعدها.

 

المصدر | السفير | مصطفى بسيوني

  كلمات مفتاحية

مصر «ثورة 25 يناير» تونس الربيع العربي المعارض حسني مبارك الدستور السياسة عبد الفتاح السيسي ثورة 30 يونيو محمد مرسي