استطلاع رأي

أي من هذه الدول تمارس الدور الأكثر إيجابية في حرب غزة؟

السعودية

مصر

قطر

إيران

تركيا

أهم الموضوعات

طبقات اليمين الإسرائيلي وبصيرة دا سيلفا

عن أوهام التفاؤل الأميركي

أزمة اقتصاد مصر وانتظار الفرج من الخارج

نحو وقف الحرب على غزة

سيناريو اليوم التالي للحرب

مـصر في غياهب السلطوية.. وعزاء ليس بكاف على الإطلاق!

الثلاثاء 4 يوليو 2017 06:07 ص

مصر: ليس بكاف على الإطلاق!

كتبت كثيرا قبل 30 حزيران/يونيو 2013 مسجلا أن المطالبة بانتخابات رئاسية مبكرة في مصر يتعين فصلها التام عن دعوة المؤسسة العسكرية إلى التدخل في السياسة أو إعادتها ومعها الأجهزة الأمنية والاستخباراتية إلى حكم البلاد وتمكينها من القضاء على مسار التحول الديمقراطي. 

كتبت كثيرا مؤكدا أن سبب المطالبة بانتخابات رئاسية مبكرة هو وصول شؤون السياسة والحكم في مصر إلى لحظة انسداد شامل طرفاه إدارة الرئيس المنتخب محمد مرسي وجبهة الإنقاذ الوطني التي ضمت معارضيه. آنذاك لم يكن الرئيس الأسبق يتصرف كرئيس لكل المصريين (دعونا نتذكر الخوف المتصاعد للمواطنات والمواطنين الأقباط وامتناع رئيس الجمهورية عن طمأنتهم رمزيا وسياسيا، دعونا نتذكر خطاب الكراهية والتطرف والتحريض الطائفي الذي خرج من منصة مؤتمر رسمي حدث في صالة من صالات استاد القاهرة وشارك به رئيس الجمهورية قبل 30 حزيران/يونيو 2013 بأيام). 

آنذاك كانت أغلبية السياسيين والحزبيين الحاضرين بجبهة الإنقاذ قد قررت خيانة المبادئ والإجراءات الديمقراطية والتعويل على تدخل محتمل للمؤسسة العسكرية يعزل الرئيس المنتخب المنتمي لجماعة الإخوان2013 وحسمتها لصالح تفضيلاتها ومرشحيها حركات الإسلام السياسي إخوانا وسلفيين (كنت في جبهة الإنقاذ الوطني وعارضت علنا توجهاتها ومواقفها).

حينها كان رأيي أن السبيل الوحيد لمنع انزلاق مصر إلى أزمة سياسية طويلة المدى يتمثل في تنظيم انتخابات رئاسية مبكرة مع الالتزام بالإبقاء على الإطار الدستوري للحكم الذي حدده دستور ( 2012على معارضتي له قبل أن توافق عليه الأغلبية الشعبية في استفتاء 2012)، والحفاظ على المتبقي من السلطة التشريعية المنتخبة أي مجلس الشورى (بعد أن حل مجلس الشعب في حزيران/يونيو 2012) والامتناع عن حله لكي لا تقع البلاد في فراغ تنفيذي وتشريعي يسهل على المؤسسة العسكرية ومعها الأجهزة الأمنية والاستخباراتية استغلاله للانقلاب على التجربة الديمقراطية. 

بهذه القناعات، وقعت على استمارة «تمرد» التي كان مطلبها الوحيد هو الانتخابات الرئاسية المبكرة، وشاركت في المظاهرات الشعبية في 30 يونيو / حزيران 2013 والتي انطلقت بمطلب وحيد أيضا هو الانتخابات المبكرة وليس تدخل الجيش في السياسة ولا عزل رئيس منتخب دون انتخابات ولا إلغاء كافة الإجراءات الديمقراطية.

كانت هذه قناعاتي قبيل انقلاب 3 تموز/يوليو 2013. فما هي مجموعة العناصر التي رأيتها بدقة وما هي مجموعة العناصر الأخرى التي لم أرها على الإطلاق؟ 

رأيت بوضوح خطر تدخل المؤسسة العسكرية في السياسة والعصف المحتمل بالإجراءات الديمقراطية والذي صار واقعنا اليومي منذ الانقلاب. غير إنني لم أر أن المطالبة بانتخابات رئاسية مبكرة في ظروف الاستقطاب الرهيب بين جماعة الإخوان من جهة والأحزاب العلمانية من جهة أخرى، فضلا عن الوهن البالغ للعلمانيين وفقدان عموم الناس لثقتهم في ممارسي السياسة من المدنيين (إخوانا وعلمانيين) بفعل تدهور الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية والأمنية، لم تكن لترتب سوى تمكين المؤسسة العسكرية وحلفائها الأمنيين والاستخباراتيين من قلب الطاولة على الجميع والعودة المنفردة إلى حكم البلاد. وذلك تحديدا هو ما قام به الجنرالات، وزج بنا مجددا إلى استبداد حقائقه الكبرى هى انتهاك الحريات وإغلاق الفضاء العام وتسفيه السياسة وقمع المعارضين.

رأيت جيدا أن المطالبة بالانتخابات الرئاسية المبكرة، ولكي لا تتحول إلى هدم للمعبد على رؤوس الجميع، تحتاج إلى خطوط حمراء مثل رفض إلغاء الدستور والحفاظ على مجلس الشورى المنتخب. 

غير إنني لم أدرك أن أوراق قوة من يريدون هدم المعبد وإعادة عقارب الساعة إلى الوراء في المؤسسة العسكرية والأجهزة الأمنية والاستخباراتية وفي جبهة الإنقاذ وفي وسائل الإعلام العامة والخاصة التي كان الأمن قد أحكم سيطرته عليها تجاوزت بكثير الأوراق المحدودة التي توفرت للرأي الذي عبرت عنه.

رأيت جيدا أن الرئيس المنتخب محمد مرسي عجز عن أن يمارس مهام منصبه كرئيس لكل المصريين ورفض أن يدين العنف الذي تورطت به عناصر من جماعة الإخوان (كما في أحداث الاتحادية)، وأن جبهة الإنقاذ تورطت في رفض غير مسؤول للحوار مع إدارة الرئيس المنتخب وتملصت من إدانة العنف الذي تورط به منتمون لها (كما في أحداث مكتب إرشاد جماعة الإخوان). 

ولذلك، وفي حدود دوري الصغير آنذاك، سعيت إلى كسر الرفض المتبادل للحوار والدائرة اللعينة من العنف والعنف المضاد وشاركت في اجتماع مع الرئيس المنتخب بشأن قضية أمن قومي، اجتماع سد النهضة الشهير. 

بالقطع، لم أتوقع أن تأتي إدارة الاجتماع على النحو الكارثي الذي حدث وتابعه الناس على شاشات التليفزيون. ولم أتوقع أيضا أن تغرق كلمتي في حضور محمد مرسي بشأن تأييدي للانتخابات الرئاسية المبكرة وضرورة تنحية الخلافات السياسية جانبا حين تكون المصالح الوطنية (كالمياه) محل تهديد (ويمكن العثور على تسجيل للكلمة باستخدام محرك بحث يوتيوب)، لم أتوقع أن تغرق كلمتي في فيضان حديث مجنون عن عمليات عسكرية سرية ضد إثيوبيا (عمليات سرية والاجتماع منقول على الهواء مباشرة!) وأن يسيطر على الاجتماع مجموعة من السياسيين والحزبيين تقمصت دور «جيمس بوند» وتجاهلت التداعيات الخطيرة لتهديداتها العلنية لإثيوبيا على الأمن القومي المصري.

رأيت جيدا أن استمارة «تمرد» كانت وسيلة لحشد وتنظيم الضغط الشعبي باتجاه الانتخابات الرئاسية المبكرة. إلا إنني لم أتوقف أمام التفاصيل الكثيرة غير المطمئنة التي أحاطت بتمرد، التمويل الكبير والدعم الصريح من قبل الأجهزة الأمنية والاستخباراتية والتغطية الإعلامية الواسعة. 

رأيت جيدا أن التظاهر السلمي في 30 حزيران/يونيو 2013 للمطالبة بالانتخابات المبكرة لم يتناقض مع الإجراءات الديمقراطية. 

إلا إنني لم أدرك أن المشاركين في المظاهرات كانوا قد وجهوا سياسيا وإعلاميا لطلب تدخل الجيش في السياسة، وعزل الرئيس المنتخب دون انتخابات مبكرة، وصناعة بطل منقذ من وزير الدفاع السابق ورئيس الجمهورية الحالي. 

لم أعلم أن الأغلبية المسيطرة على جبهة الإنقاذ الوطني كانت تنسق بالفعل مع المؤسسة العسكرية والأجهزة الأمنية والاستخباراتية لإلغاء كافة الإجراءات الديمقراطية متوهمة رغبة الجنرالات في تمكين العلمانيين من حكم البلاد. 

لم أتوقع أن يشارك سياسيون ليبراليون ويساريون في انقلاب 3 تموز/يوليو 2013 ويمنحوه بمشاركتهم شرعية محلية ودولية، وأن يواصلوا في أعقابه مسيرة العار بالصمت على الجرائم والانتهاكات المفزعة لحقوق الإنسان والحريات التي بدأت وتراكمت بعد الانقلاب مباشرة.

أخطأت في التقدير والتحليل، وأتحمل في حدود دوري الصغير بين 2011 و2013 شقا من مسؤولية انهيار تجربة التحول الديمقراطي في مصر. 

عزائي الشخصي الوحيد هو إنني سميت الانقلاب انقلابا منذ لحظاته الأولى، ونفيت عن حكم الجنرالات الذي ترتب عليه الشرعية الأخلاقية، وأكدت أنه ليس إلا سلطة أمر واقع جاءت بالقوة وبعد إلغاء كافة الإجراءات الديمقراطية. 

عزائي الآخر هو إنني عارضت ومن اليوم الأول حكم الجنرالات وأعوانهم من طيور الظلام، ومازلت أكتب لفضح الأدوات السلطوية التي يديرون بها شأن المصريين قمعا وصناعة لقوانين استبدادية واستخفافا بالسياسة وإغلاقا للفضاء العام وتخوينا لأصوات الحرية. 

ذلك هو عزائي الوحيد، غير أنه وبالنظر إلى مدارك السلطوية التي زج بمصر إليها ليس بكاف على الإطلاق.

٭ د. عمرو حمزاوي أستاذ العلوم السياسية المساعد بجامعة القاهرة عضو مجلس الشعب السابق. 

المصدر | القدس العربي

  كلمات مفتاحية

مصر إجهاض التحول الديمقراطي مظاهرات 30 يونيو انقلاب 3 يوليو انتخابات رئاسية مبكرة الأجهزة الأمنية والعسكرية الإجراءات الديمقراطية