أمريكا والسعودية شنتا حرب البترول

الاثنين 22 ديسمبر 2014 08:12 ص

المستهلكون كأفراد، خاصة ذوي الدخل المحدود، في شتى أنحاء العالم جذلون بانخفاض أسعار البنزين أكثر من خمسين في المئة عما كانت عليه قبل أقل من سبعة أشهر. 

تقدر الأسعار الآن بأدنى مستوياتها منذ أكثر من خمسة أعوام. المستهلك الآن أصبح لديه وفرة من المال لشراء احتياجات أخرى، خاصة في موسم أعياد الميلاد ورأس السنة في أمريكا وأوروبا. فما السر وراء انخفاض الأسعار، ومن المستفيد؟ وهل هي حرب من نوع جديد، حرب اقتصادية لم نشهدها من قبل، كما الغارة الإلكترونية المباغتة التي شنتها كوريا الشمالية على مواقع سوني.

الأسباب الظاهرة أن الولايات المتحدة انتجت كميات كبيرة من النفط، أغرقت الأسواق العالمية بكميات فائضة عن المستويات المطلوبة، وربما لم يعد لديها متسع لشراء النفط وخزنه احتياطيا للمستقبل. السعودية وباقي دول الخليج رفضت تقليص إنتاجها للمساعدة في رفع الأسعار بحجة المحافظة على حصصها، وأن خفض الانتاج سيقلل من دخلها وسيؤدي الى انكماش اقتصادها. المنطق الاقتصادي يفند هذه الحجة، بل على العكس، إذ أن انخفاض الدخل من تدهور الأسعار سيضر الاقتصاد أكثر. 

المعروف أن دول الخليج، خاصة السعودية غنية، ولن تتأثر كثيرا بانخفاض الدخل الناتج عن انحدار الأسعار بهذه الصورة المذهلة. السعودية لم تخفض الاسعار رأفة بالفقراء في شتى أصقاع المعمورة، وبالتأكيد لم تفعلها أمريكا رحمة بالشريحة نفسها، ولا بالدول الفقيرة التي تدعم النفط من ميزانياتها المتهالكة أصلا. أمريكا والسعودية لا تعرفان نظام التكية لعابري السبيل، فهل هي إذن حرب غير معلنة منهما لغايات في نفس يعقوب؟ لا شك أن امريكا والسعودية اتفقتا على خطة خفض الاسعار.

في مقال بصفحة المال من صحيفة « يو أس أيه توداي» الأمريكية في 17 ديسمبر/كانون الأول الحالي، بقلم كيم جيلمغارد، يصنف الدول الرابحة والخاسرة من هبوط أسعار النفط، بدون أن يتطرق المقال بعمق الى أسباب الانخفاض، لأنه مقال اقتصادي وليس سياسيا، وسأستعمل بعض الأرقام الواردة في المقال فقط للتدليل على الجانب السياسي من هذه الحرب غير المعلنة. الكاتب الأمريكي توماس فريدمان كتب مقالا قبل نحو شهرين عن أن إيران وروسيا هما المتضرران الرئيسيان من انخفاض الأسعار. نظرية المؤامرة تؤكد أن هناك اتفاقا سريا بين امريكا ودول الخليج، خاصة السعودية لشن هذه الحرب.

يفيد المقال بأن الخاسر الأكبر بين الدول هي ايران.. لأنها تعاني من العقوبات المفروضة عليها. ايران تصدر أصلا كميات من النفط أقل من قدراتها بنحو اكثر من مليون برميل يوميا، والمعروف انها تخسر البلايين جراء دعمها عسكريا للنظام السوري والحوثيين في اليمن والمليشيات الشيعية في العراق وحزب الله اللبناني. الخاسران الآخران من الدول المنتجة للنفط هما نيجيريا وفنزويلا، وهما ربما غير مقصودين بالخطة الأمريكية الخليجية. أما الخاسر المقصود من قبل الادارة الامريكية فهو بلا شك، روسيا، المتضررة اصلا من العقوبات المفروضة عليها بسبب الأزمة الأوكرانية. 

الروبل الروسي انخفض رغم محاولة البنك الروسي دعمه، في محاولة يائسة. الرئيس الروسي بوتين يدرك حجم الحرب النفطية على بلاده ويحاول اقناع العالم أن اقتصاد بلاده ما زال متماسكا، على الأقل حتى الآن.

الرابحان الأبرز هما اليابان والصين. اليابان ستجد الفرصة مواتية للنهوض باقتصادها الذي عانى مصاعب كبيرة في السنين السابقة، وانخفاض اسعار النفط الذي تستورده سينهض بطموحاتها المجمدة. أما الصين، وما ادراك ما الصين، فإنها تستهلك عشرة ملايين برميل نفط يوميا، الثانية بعد الولايات المتحدة، تستورد ستين في المئة منه، وسيرتفع معدل نمو اقتصادها بشكل ملحوظ. لا يبدو أن الأمريكان يريدون للصين أن تنهض اقتصاديا بهذا الشكل، ولكنها على الأغلب نتيجة غير مقصودة لحرب البترول هذه، مثل الآثار الجانبية لأي دواء.

الولايات المتحدة، طبعا من الرابحين، وإلا ما شنت هذه الحرب. امريكا مجتمع استهلاكي بامتياز، فما سيوفره المواطن الامريكي من انخفاض اسعار البنزين، سيصرفه (أو سينفق أكثر منه) على امور اخرى، وهذا من شأنه تحفيز نمو الأقتصاد الامريكي. اما السعودية فهي تطفوعلى بحر من البترول (اللهم لا حسد) إذ يقدر احتياطي النفط لديها بـ 260 بليون برميل! أي سدس احتياطي النفط في العالم كله، لذا فإن انخفاض الاسعار لن يؤثر عليها ولديها من المال الكثير. 

لم يذكر المقال العراق، الذي يعتمد على النفط كأهم موارده، خاصة الآن، والعراق ينفق البلايين في حربه على «داعش» على أنه من ضمن الخاسرين.

تنتشر في العالم العربي أقاويل عن ان أمريكا وايران في قارب واحد، ضد السنة، ويدلون على ذلك بالتحالف الامريكي الايراني في العراق، وسكوت امريكا عن نظام الأسد وإيران الداعمة له (عدا ما نلاحظ اعلاميا) وسكوتها أيضا عن اجتياح الحوثيين لليمن. لكن الواقع يقول ان كلا من امريكا وايران لهما مصالح مشتركة مؤقتة في العراق، اما استراتيجيتهما بعيدة المدى فلا شك مختلفة. 

انظروا الى اليمن، الحوثيون لا ينعمون هناك بالسكينة، وامريكا تراقب بارتياح الحرب الدائرة بين الحوثيين و«القاعدة» والقبائل، وكذلك الحرب الدائرة في سوريا بين النظام مع ايران وحزب الله والمليشيات العراقية من جهة، والمعارضة السورية من جهة اخرى (التي يدعي النظام انها مدعومة من امريكا)، على رأي المثل (الامريكي) بطيخ يكسر بعضه، وحرب مجنونة لا خاسر فيها ولا رابح، فأمريكا يا سادة ليست مع هذا ولا ذاك، ولكن مع الدمار الذي لا يبقي ولا يذر، في منطقتنا، طبعا لصالح عيون اسرائيل.

حرب البترول التي شنتها السعودية على ايران وروسيا ما تزال مستمرة. الخسائر في الجانب الروسي والايراني كبيرة، فإلى متى ستستمر هذه الحرب؟ وهل ستستطيع ايران او روسيا ان تردا.. وكيف؟

كلمة أخيرة: الحروب الان ليست بالضرورة عسكرية، فهناك حروب بالوكالة ، وحروب اعلامية ونفسية واستخباراتية وإلكترونية واقتصادية، والان بالتحديد حرب جديدة، بترولية.

 

٭ د. خليل قطاطو كاتب فلسطيني. 

 

المصدر | القدس العربي

  كلمات مفتاحية

«مجتهد»: السعودية وأمريكا تتبادلان المعلومات واللوم حول سوريا والعراق واليمن

مرشح رئاسي أمريكي: على السعودية اقتسام ثرواتها معنا إذا أردات البقاء