استطلاع رأي

أي من هذه الدول تمارس الدور الأكثر إيجابية في حرب غزة؟

السعودية

مصر

قطر

إيران

تركيا

أهم الموضوعات

طبقات اليمين الإسرائيلي وبصيرة دا سيلفا

عن أوهام التفاؤل الأميركي

أزمة اقتصاد مصر وانتظار الفرج من الخارج

نحو وقف الحرب على غزة

سيناريو اليوم التالي للحرب

عن الطائفية.. مرة أخرى

الثلاثاء 23 ديسمبر 2014 04:12 ص

في مقالتين في صحيفة «الوطن»، كتب الدكتور والأستاذ العزيز عبدالرحمن الوابلي تعليقاً على مقالة لي، تحدثت فيها عن الطائفية، ومنتقداً للمقترحات الليبرالية في حلها بعد حادثة الأحساء في الشهر الماضي. كانت مقالتا الأستاذ الوابلي شيقتين وممتعتين ومثريتين في مناقشتها. ولأن هذه المقالة لن تكون كافية للتطرق إلى كل النقاط التي تناولها الأستاذ، فإني سأحاول أن أقصر نقاشي على جانب واحد فقط وهو تناوله «مفهوم الطائفية».

استند الوابلي في تعريفه الطائفية إلى معجم أوكسفورد، وعلى الموسوعة البريطانية، وعلى إحالة للقانون الدولي. وبعد استعراض هذا كله، وبحث مدى تطابقهما على ما يحدث في العالم العربي، استنتج استنتاجاً كبيراً قال فيه: «وعليه فالتعريف الليبرالي السعودي للطائفية والطائفي، أتى مطابقاً لما ورد في المراجع الأكاديمية والعلمية للقواميس والموسوعات العالمية، وما احتوته القوانين الدولية». في اعتقادي أن مقاربة الأستاذ الوابلي قامت على مغالطات عدة سأحاول تناولها بشكل مختصر في السطور الآتية.

فمن الناحية الأولى، المعنى اللغوي ليس هو المعنى الاصطلاحي، والمعنى الاصطلاحي ليس بالضرورة يمكن اشتقاقه من المعجم. سأضرب مثالاً أوضح فيه هذا المعنى. فكلمة «حركة» تعني في اللغة الإنكليزية كلمة movement، ومعجم أوكسفورد يعرفها، أولاً، «بأنها فعل التحرك»، وفي تعريف آخر يذكر «مجموعة من الأشخاص يعملون سوية لتحقيق أهدافهم السياسية والاجتماعية والفنية». هل يمكن عبر هذا التعريف فهم مصطلح «حركة اجتماعية» الموجود في العلوم الاجتماعية؟ أيمكن عبر هذا التعريف تحديد ما إذا كان تنظيماً غير مركزي وسري ومسلح، كالقاعدة حركة اجتماعية أم هي فقط تنطبق على الحالات التي تشبه حركة الحقوق المدنية المطالبة بحقوق السود في الخمسينات والستينات الميلادية؟ التعريف المعجمي لا يضيف أي شيء للبعد الأكاديمي والفكري للمصطلح، والخاضع لتداولات وخلافات كبيرة، ومن ثم لا يصح بحال الاستناد إليه في حسم النقاشات الفكرية.

من الناحية الأخرى، الطائفية في العالم العربي قد تعني معنى يختلف عن المعنى الذي تحمله ترجمة الكلمة الإنكليزية. فالمفاهيم ابنة واقعها، تتشكل لتعكسه وتحمل معه خصائصه التي لا تسافر إلى مناطق وأماكن أخرى. فلا يكفي في هذه الحال ترجمة الكلمة الإنكليزية ثم أخذ معانيها من المعاجم والموسوعات.

فعلى سبيل المثال، لو تفحصنا مفهوماً كمفهوم «القطرية» بالطريقة نفسها التي استخدمها الأستاذ الوابلي؛ فترجمة قطري ستكون terrotorial، وسنجد في المعجم معاني لها ارتباط بالمكان والاستحواذ على مساحة محددة، وهذه المعاني لن تكشف المعنى الذي نفهمه في سياقنا العربي من هذا المفهوم. فهذا المعنى، كما لخصه المفكر طه عبدالرحمن: «وقد نجد في مفهوم (القُطْرية) مثالاً على المفاهيم الفلسفية النادرة التي وضعها مفكرو العرب المعاصرون من عندهم؛ والفائدة الإجرائية لهذا المفهوم لا غبار عليها، إذ يضاد مفهوم (القومية): فالقومي هو ما شمل الأمة بأسرها، بينما (القُطْري) هو ما اقتصر على جزء من هذه الأمة الواحدة لاعتبارات ضيقة، كالاعتبار السياسي أو حتى الاعتبار الجغرافي».

أخيراً، لنعد إلى الطائفية الآن، ونسأل: كيف يفكر فيها الأكاديميون؟ لنبدأ بأحد أهم الباحثين الشباب في هذا المجال، وهو فنر حدّاد الذي ألف كتاب «الطائفية في العراق». فهو أكّد ضرورة التعامل مع الهوية الطائفية بالطريقة نفسها التي نتعامل فيها مع الهوية العرقية والقومية والوطنية. هذا يعني عزل كل الحمولات القيمية المرتبطة بها، والتعامل معها ضمن السياق الذي تعمل من داخلها وتقييمها عبره، أي أنها ليست بالضرورة شراً، أو خطراً، أو أنها مرتبطة بالعنف أو التعصب...إلخ، بل إنه في مقالة لاحقة ذكر أنها ليست بالضرورة هوية متدينة، فقد يمكن أن يوجد «طائفيون علمانيون».

هذا المعنى أكده أيضاً دونالد هورڤويتز في كتابه: «الجماعات الإثنية في الصراعات»، إذ أعطى مصطلح «إثنية» معنى واسعاً، تضمن كل الجماعات اللغوية والدينية والثقافية والعرقية والوطنية، وتعامل معها باعتبارها متماثلة. ووافقه أيضاً البروفيسور الهندي آشوتش ڤارشني المتخصص بالصراعات بين المسلمين والهندوس في الهند، إذ ذكر المعنى نفسه الذي ذكره هورڤويتز.

يمكن الاستمرار مطولاً في ذكر تعريفات الأكاديميين؛ للتأكيد على هذا المعنى للطائفية. لكن ما الذي يزعج الوابلي من هذا التعريف؟ هو يراه يميّع المسألة، يراه يشتت الانتباه نحو الأزمة الكبيرة، التي تنهش في العالم العربي. وهذا ليس صحيحاً بالضرورة، فإذا كانت الطائفية مشكلة، ففهمها بشكل أدق هو أولى خطوات مواجهتها. لكن الفهم الذي لا ينفذ إلى عمق المشكلة مهدد باستنتاج حلول غير عملية، وتضر أكثر من كونها تصلح.

التعريف الذي طرحتُه هنا لا يلغي البُعد الطائفي عن حوادث قتل زوار المساجد والحسينيات، لكنه يُلغي اعتبار مبعث هذا البعد هو خطاب الكراهية المذهبي، وتحميل هذه الأخير مسؤولية المشكلة أكثر من مسؤولية الجناة الفعليين، والذين هم- بالمناسبة- بشر من لحم ودم. هذا لا يعني أن خطاب الكراهية ليس مشكلة، بل يعني أن لا علاقة مباشرة وثيقة بينه وبين العنف الطائفي من جهة، ولا يمكن تحميل الخطابات مسؤوليات أفعال البشر المعينين.

* سلطان العامر كاتب سعودي

 

المصدر | الحياة

  كلمات مفتاحية

مفهوم الطائفية الليبرالية حادثة الأحساء الإثنية

المرجعيّة وحكم العراق

الطريق إلى جهنم الحرب الطائفية الشاملة