استطلاع رأي

أي من هذه الدول تمارس الدور الأكثر إيجابية في حرب غزة؟

السعودية

مصر

قطر

إيران

تركيا

أهم الموضوعات

طبقات اليمين الإسرائيلي وبصيرة دا سيلفا

عن أوهام التفاؤل الأميركي

أزمة اقتصاد مصر وانتظار الفرج من الخارج

نحو وقف الحرب على غزة

سيناريو اليوم التالي للحرب

من «المسألة الشرقية» إلى «المسألة العربية»

الخميس 6 يوليو 2017 01:07 ص

يشير مصطلح «المسألة الشرقية» إلى النهج الذي استخدمته القوى الأوروبية في إدارتها للعلاقة مع الإمبراطورية العثمانية، إلى أن تمكنت من إلحاق الهزيمة بها وتفكيكها. وقد برز هذا المصطلح إلى حيز الوجود خلال النصف الثاني من القرن الثامن عشر، وراح يشيع وينتشر مع تصاعد الصراع بين الطرفين، خصوصاً بعد أن راحت موازين القوى بينهما تميل لمصلحة أوروبا في شكل حاسم.

وتزخر المكتبة العربية بمؤلفات متنوعة حول هذا الموضوع، من بينها كتاب حمل عنوان «المسألة الشرقية»، ألّفه الزعيم المصري الكبير مصطفى كامل، وصدرت طبعته الأولى عام 1898 عن «دار الآداب» المصرية، ثم أُعيد نشره عام 1909، وقامت مكتبة الإسكندرية أخيراً بإصدار طبعة جديدة منه.

إذا استعرضنا تطور «المسألة الشرقية» فسوف نلاحظ أن القوى الأوروبية سلكت في مواجهة الإمبراطورية العثمانية نهجاً اعتمد على:

1 - تشجيع ومساندة الثورات التي اندلعت في البلدان الأوروبية ضد الحكم العثماني الذي خضعت لسيطرته. النموذج الأوضح في هذا السياق عكسه توحد القوى الأوروبية لدعم الثورة اليونانية عام 1822 إلى أن تمكنت اليونان من تحقيق استقلالها الكامل.

2 - اتخاذ كل ما يلزم للحيلولة دون قيام دولة كبرى بديلة في المنطقة على أنقاض الإمبراطورية المتهالكة. النموذج الأوضح في هذا السياق عكسه توحد القوى الأوروبية ضد محمد علي الذي وصلت جيوشه إلى أسوار الآستانة وراودته أحلام لتحقيق وحدة الشعوب الناطقة بالعربية، وهو النهج ذاته الذي تكرر في مراحل لاحقة، وإن في سياقات مختلفة، حين حنثت بريطانيا بوعودها للمساعدة في إقامة دولة موحدة في المشرق العربي تحت قيادة الأسرة الهاشمية (مفاوضات حسين-مكماهون)

3 - التغلغل المباشر في أحشاء الولايات العربية التابعة للإمبراطورية العثمانية، باحتلالها بعض أجزائها عسكرياً، كما حدث لدول المغرب العربي، أو ببسط هيمنتها المالية والتجارية أو فرض الحماية على البعض الآخر، كما حدث لمنطقة الخليج العربي ومصر، أو بالاتفاق على تقسيم النفوذ على أجزاء ثالثة، كما حدث للمشرق العربي مع ابرام اتفاقية سايكس-بيكو بين بريطانيا وفرنسا عام 1916.

4 - دعم الحركة الصهيونية الطامحة لإقامة دولة يهودية في فلسطين، لتكريس فصل المشرق العربي عن مغربه، ولضمان استمرار استنزاف قدرات وطاقات الدول العربية المرشحة للحصول على استقلالها، ولإثارة الفتن والضغائن والصراعات في ما بينها على نحو دائم.

جدير بالملاحظة هنا أن القوى الأوروبية الطامحة لإرث «رجل أوروبا المريض» واصلت طريقها، وفق النهج المشار إليه سلفاً، إلى أن لاحت أمامها فرصة لتوجيه ضربتها القاضية للإمبراطورية العثمانية المتداعية، وهو ما حدث حين أقدمت تركيا على الاصطفاف إلى جانب ألمانيا في الحرب العالمية الأولى، وهو القرار الذي تسبب في إلحاق الهزيمة بها وسقوط «الخلافة الإسلامية» وأفسح الطريق أمام القوى الأوروبية المنتصرة لوضع مخططاتها للمنطقة موضع التنفيذ.

ولولا اندلاع حرب عالمية ثانية بعد عقدين من الزمان لظلت المنطقة العربية برمتها قابعة تحت الاستعمار الأوروبي المباشر سنوات طويلة.

لذا يمكن القول إن اندلاع الحرب العالمية الثانية ساهم في شكل حاسم في تراجع ثقل ومكانة القوى الأوروبية الكبرى ومهّد الطريق لظهور نظام عالمي جديد تقوده الولايات المتحدة والاتحاد السوفياتي، وهو عامل ساعد على تهيئة الأجواء لتحرير الشعوب الواقعة تحت نير الاستعمار الأوروبي، ومنها الشعوب العربية، وتمكينها من التخلص من الاحتلال وإقامة دولها المستقلة تباعاً. وبحصول الدول العربية على استقلالها راحت «المسألة الشرقية» تتوارى تدريجاً إلى أن اختفت تماماً لمصلحة «المسألة العربية» التي راحت تحل محلها.

مصطلح «المسألة العربية»، الأقل حظاً من حيث الذيوع والانتشار، يشير إذن إلى النهج الذي استخدمته القوى الدولية والإقليمية الطامحة للسيطرة على المنطقة في التعامل مع التيار العروبي البازغ.

ولأنه تيار نشأ قبل انهيار الإمبراطورية العثمانية فقد كان من الطبيعي أن يسعى لتأسيس دولة موحدة تجمع تحت مظلتها كل الشعوب الناطقة بالعربية، استناداً إلى أسس قومية هذه المرة والصدام بالتالي مع امبراطوية عثمانية قامت على أساس سلطاني.

يشير تطور»المسألة العربية» منذ نشأتها حتى الآن إلى أن النهج المستخدم في التعامل معها لم يختلف كثيراً من حيث المضمون عن النهج الذي سبق استخدامه في التعامل مع «المسألة الشرقية»، حتى وإن اختلف معه أحياناً من حيث الشكل. فبعد فترة قصيرة من تحالف ظرفي مع بريطانيا، فرضته مصلحة مشتركة في التعجيل بتفكيك الإمبراطورية العثمانية، سرعان ما افترقت الطرق وتصادمت آمال وطموحات التيار العروبي الوليد في مواجهة قوى دولية وإقليمية جديدة طامحة للهيمنة على المنطقة بعد التراجع التدريجي للدور الذي كانت تقوم به قوى الاستعمار التقليدي.

وقد أتيحت أمام النخب السياسية التي قادت الدول العربية الحديثة إلى الاستقلال فرص عديدة، على المستويين الجماعي والفردي، لدفع المشروع العروبي إلى الأمام، لكنها لم تتمكن من استثمارها، وواجهتها عقبات وتحديات لم تتمكن من التغلب عليها أو تخطيها.

على صعيد الفرص الجماعية والفردية الضائعة يمكن الإشارة إلى:

أولاً: الفرصة التي لاحت إبان المشاورات التمهيدية التي سبقت تأسيس جامعة الدول العربية لخلق آليات مبتكرة لتطوير العمل العربي المشترك، عبر عملية تكاملية متدرجة تضمن تحقيق الوحدة المنشودة في نهاية المطاف. غير أن حرص بعض الدول العربية، خصوصاً لبنان في ذلك الوقت، على الاحتفاظ بسيادته كاملة غير منقوصة، أدى إلى استبعاد كل الصيغ الفيديرالية أو الكونفيديرالية المقترحة لينتهي الأمر بقيام منظمة إقليمية تقليدية منزوعة الصلاحية لم تنجح سوى في إفراغ فكرة الوحدة العربية من مضمونها. واليوم، وبعد أكثر من سبعين عاماً على إنشاء جامعة الدول العربية، أصبح واضحاً تماماً أن الشلل أصاب الجميع، فلا الدول التي تعللت بالسيادة للحيلولة دون انطلاقة قوية لمؤسسات العمل العربي المشترك نجحت في صيانة استقلالها وحماية نسيجها الوطني، ولا جامعة الدول العربية التي قامت على صيغة الحد الأدنى نجحت في حماية المصالح العليا للشعوب العربية أو الحيلولة دون انفراط العقد العربي.

ثانياً: الفرصة التي لاحت أمام عبدالناصر، خصوصاً بعد خروجه منتصراً من أزمة السويس عام 1956، لإرساء دعائم قوية لنظام حكم مؤسسي يقوده شخصياً ويصلح لتقديمه كنموذج يحتذى عربياً، مستغلاً زعامته الجماهيرية الهائلة على الصعيدين المحلي والعربي. غير أن الفرصة أفلتت، وتسبب حكم الفرد المعتمد على تضخيم دور الأجهزة الأمنية في كوارث عديدة، بدأت بفشل صيغة الوحدة الاندماجية بين مصر وسورية مروراً بالصدام مع السعودية على الساحة اليمنية، وانتهاءً بهزيمة عسكرية وسياسية كبرى أمام إسرائيل عام 1967.

ثالثاً: الفرصة التي لاحت أمام السادات لإعادة بناء النظام العربي على أسس جديدة تستلهم «روح أكتوبر»، خصوصاً بعد الإنجاز الذي تحقق في حرب 1973 التي جسدت التضامن العربي في أرقى معانيه. غير أن «عقدة عبدالناصر» جرفت السادات لقيادة ثورة مضادة لثورة 23 تموز (يوليو).

رابعاً: الفرصة التي لاحت أمام صدام حسين، خصوصاً بعد خروج مصر من المعادلة العسكرية للصراع العربي- الإسرائيلي، لإقامة نظام عربي بديل قادر على الصمود في وجه إسرائيل وعلى استعادة مصر إلى حضنها العربي من دون تفريط في الحقوق الفلسطينية والعربية. غير أن نزعة الاستبداد المتأصلة في نفوس القيادات العربية مهدت الطريق أمام القوى المتربصة بالعالم العربي لاستدراج صدام إلى مواجهة مسلحة مع إيران بعد اندلاع ثورتها الإسلامية، ثم إلى غزو الكويت، لينتهي الأمر بتدمير الدولة العراقية وتمزيق نسيجها الاجتماعي.

قائمة الفرص العربية الضائعة طويلة، لكن محصلتها واحدة، وهي تمكين القوى الخارجية من استغلال التناقضات الداخلية في بنية النظام العربي لتفجيره من داخله. وكان البعض ما زال يعتقد، حتى أسابيع قليلة مضت، بوجود قلاع حصينة في النظام العربي، أهمها مجلس التعاون الخليجي، تبدو عصية على الهدم. غير أن قابلية هذه الرؤية للصمود بات مشكوكاً فيها أمام إعصار الأزمة التي تعصف حالياً بتلك «القلعة الصغيرة الباقية».

إذا كانت «المسألة الشرقية» قد انتهت بتفكك وانهيار الإمبراطورية العثمانية، وكان يمكن أن تنتهي بتفكك وانهيار تركيا نفسها لولا ظهور مصطفى كمال أتاتورك في ذلك الوقت، فهل تلقى «المسألة العربية» المصير نفسه؟

* د. حسن نافعة أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة

المصدر | الحياة

  كلمات مفتاحية

«المسألة الشرقية» «المسألة العربية» نهج القوى الأوروبية العلاقات الأوروبية العثمانية الزعيم مصطفى كامل الدولة العثمانية الحركة الصهيونية فلسطين