«ذا نيويوركر»: حصار قطر.. تحالف الثورة المضادة يخلط بين «البلطجة» والحكم

الجمعة 7 يوليو 2017 03:07 ص

في وقت سابق، فرضت السعودية ومصر والإمارات العربية المتحدة والبحرين حصارا على إمارة الخليج الصغيرة والثرية قطر، وقامت هذه الدول بتجميع قائمة طموحة بشكل لا يصدق من ثلاثة عشر مطلبا، وهي قائمة تتطلب فعليا من قطر أن تتنازل عن سيادتها. وأصر التحالف على أن تقوم قطر بإغلاق قناة الجزيرة وغيرها من المؤسسات الإخبارية التي تمولها، وطرد الوجود العسكري التركي، والحد من العلاقات مع إيران، واتباع سياسات مكافحة الإرهاب التي يمليها الائتلاف، مع وعد بمزيد من الضغوط في الوقت المناسب بعد أن رفضت قطر هذه المطالب.

يوجد وسط هذا الصراع المتصاعد، أكثر من عشرة آلاف من العسكريين الأمريكيين المتمركزين في قاعدة العديد في قطر. ومن يوم لآخر، يواصل الطيران والجنود الأمريكيون شن القتال وإرسال مهمات ضد تنظيم الدولة الإسلامية وحركة طالبان وغيرها من الأهداف في سوريا والعراق وأفغانستان. بمعنى أن التحالف يهاجم حليفا أساسيا للولايات المتحدة، وكل ذلك بموافقة واضحة من الرئيس «ترامب»، الذي شجع على حصار قطر على تويتر.

ويؤدي الصراع إلى التنافر الذي أصبح مألوفا في عصر «ترامب» على نحو متزايد، في جميع أنحاء العالم، بما في ذلك في واشنطن. فهؤلاء الرجال الأقوياء يخلطون البلطجة بالحكم، ومن خلال الإفراط في ذلك، تتكشف نقاط الضعف الخاصة بهم، مما يؤدي لخلق الفوضى والمخاطر.

وتعد أزمة الخليج قادمة من أنقاض الربيع العربي. ويمثل تحالف الحصار الثورة المضادة المخربة ضد جماعة الإخوان المسلمين وغيرها من الحركات الإسلامية الشعبية التي حشدت الناس، لفترة وجيزة، جنبا إلى جنب مع غيرها من النشطاء العرب، بداية من أوائل عام 2011. وفي الآونة الأخيرة، بعد زوال معظم تلك الثورات، فإن قطر وقناة الجزيرة، وتركيا، وفروا مساحة نادرة للتنفس للإخوان وغيرهم من الإسلاميين الذين يواصلون السعي إلى السلطة من خلال تنظيم القاعدة الشعبية والانتخابات. (في مصر، فاز الإخوان المسلمون في انتخابات حرة في عام 2012، ولكن تم الإطاحة بهم في انقلاب عسكري بعد عام). وحول إن كان الإخوان ديمقراطيون حقا أم أنهم متحمسون لاستخدام الانتخابات لإقامة ديكتاتورية دينية، فإن ذلك كان موضوع نقاش دائم.

الحصار من وجهة نظر أمريكا

وبالنسبة للولايات المتحدة، فإن الحصار المفروض على قطر ليس سوى آخر انقطاع في ثلاثة عقود من الجهد لتأمين قواعد عسكرية في إمارات الخليج الاستبدادية التي تتجنب الانتخابات وتقمع حرية التعبير والتجمع.

وعلى فترات، اضطرت أمريكا للانتقال من إحدى الإمارات إلى الأخرى، مثل عم غني اضطر إلى التنقل بين أقاربه المتنازعين دون أي فهم تماما للسبب.و قد تضطر أمريكا الآن إلى التحرك مرة أخرى.

في أوائل التسعينات من القرن التاسع عشر، بعد حرب الخليج، التي طرد خلالها التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة القوات العراقية من الكويت، كانت القوات الجوية الأمريكية متمركزة في السعودية، في البداية في قاعدة الملك عبد العزيز الجوية بالقرب من الظهران . (قامت الطائرات الأمريكية بفرض منطقة حظر جوي فوق جنوب العراق، في إطار مواجهات مع الرئيس العراقي صدام حسين). وفي 25 يونيو / حزيران 1996، قام إرهابيون من فرع من حزب الله بتفجير شاحنة محملة بالمتفجرات بجوار مجمع سكني كانت موطنا لنحو ألفي من الأفراد العسكريين الأمريكيين، مما أسفر عن مقتل تسعة عشر شخصا وإصابة نحو خمسمائة شخص آخرين.

ثم شجعت السعودية الولايات المتحدة على نقل طائراتها إلى قاعدة نائية، جنوب شرق العاصمة الرياض. ويبدو أن السعوديين كانوا قلقين بشكل متزايد من وجود القوات الأمريكية الذي من شأنه أن يثير المتاعب المحلية. وقد غرق الأمريكيين في ظل قيود جديدة فرضها السعوديون بعد الهجوم الإرهابي. ثم جاءت سلسلة هجمات 11 سبتمبر/أيلول، تلاها غزو إدارة «بوش» للعراق، الذي ألحق عدم الاستقرار بالشرق الأوسط وجعل الأسرة المالكة السعودية أكثر قلقا.

وفي الوقت نفسه، شاهدت قطر المجاورة، التي تتمتع بثروة جديدة من إنتاج الغاز الطبيعي، العلاقات المتداخلة بين الرياض وواشنطن، والفرص المتصورة. وبدأ أمير قطر ببناء قاعدة جوية تسمى «العديد» على امتداد واسع من الرمال خارج العاصمة الدوحة. وقد اقتربت العائلة المالكة من واشنطن وعرضت «العديد» كقاعدة جديدة للطائرات الأمريكية ووظائف القيادة، مع فرض قيود أقل بكثير من القيود المفروضة على الرياض. وفي أبريل/نيسان 2003، أعلنت الولايات المتحدة أنها تقوم بتحريك عملياتها الجوية إلى قطر. وقال «ستيفن سيمون»، الذي عمل على قضايا الشرق الأوسط في مجلس الأمن القومي خلال إدارتي كلينتون وأوباما: «كان لدى القطريين مجرد فرصة لينتهزوها مثل أي شخص آخر. وهم قدموا عرضا لا يمكننا رفضه».

ويوفر وجود القاعدة الأمريكية أمنا حيويا لقطر، وهي دولة صغيرة تضم مئات الآلاف فقط من المواطنين الأصليين. ومن الناحية الجيوسياسية، تعتبر قطر واحدة من الدول الصغيرة الغنية بالنفط التي تبدو وكأنها بنك ينتظر أن يسرقه الغزاة أو صناع الانقلابات. إن عشرة آلاف أميركي كانوا متمركزين في العديد يعملون كقوة بحكم الأمر الواقع للعائلة المالكة. كما قال «سيمون».ومع ذلك لم تكن المصلحة الذاتية الوحيدة هي التي دفعت القطريين إلى تقديم العديد.

العلاقات مع السعودية

تعثرت علاقات قطر مع السعودية، والعكس بالعكس، لفترة طويلة. وتكمن ثروة قطر تكمن أساسا في الغاز الطبيعي، وهو مورد لم يخلق سوى ثروات تحويلية بعد الثمانينيات. وعندما قام القطريون بتصنيعها بشكل كبير، بدؤوا بإنشاء قناة الجزيرة، شبكة الأخبار الفضائية المشاغبة، واتبعوا سياسة خارجية مستقلة غالبا ما تبدو متأثرة بغريزة تهيج الرياض.

إن أعضاء الائتلاف المحاصرين لقطر لديهم خوف عميق وغير عقلاني في بعض الأحيان من الإخوان المسلمين وإيران، وكلاهما استوعبتهم قطر إلى حد ما. إن البارانويا الموجودة لديهم حول الإخوان حادة بشكل خاص في السعودية والإمارات. وللطرفين أي إيران والإخوان مصداقية في الشوارع ومهارات تنظيمية، وهم يروجون للديمقراطية والمشاركة السياسية؛ في حين أن دكتاتوريي الائتلاف ليس لديهم أي من هذه الخصائص.

وفيما يتعلق بإيران الشيعية، ترى الدول السنية الطائفية في الخليج نزاعا متأصلا في العقيدة، وبالإضافة إلى ذلك، فإن لدى إيران سكانا موهوبين واقتصادا يمكن أن يرتفع، وإذا تحوبت حكومتها الثورية، إلى حكومة حديثة. وقلت في محادثة هذا الأسبوع: «إيران تعرف أنها ستكون قوة في حوالي مائة عام. وتركيا ستكون قوة في حوالي مائة سنة، أما دول الخليج فليسوا متأكدين من ذلك». وذلك لسبب وجيه. أن ناطحات السحاب في دبي، الدوحة، الرياض، والمنامة كلها مبنية على أسس هشة.

لماذا قطر؟

ثم لماذا اختاروا قطر، ولماذا الآن؟ ألم يكن لدى جميع دول الخليج الغنية العديد من النقاط المشتركة أكثر مما لديها خلافات؟ وإذا كانت الرياض قلقة حقا من جيرانها الذين يصلون إلى إيران، فلماذا قطر؟ ألا تقيم سلطنة عمان علاقات مع طهران أكثر من دولة قطر، كما أن علاقات قطر تستدعي ذلك كونها تشترك في حقل غاز كبير مع إيران.

أما إقامة الإخوان المسلمين قطر فهي ليست فريدة من نوعها؛ فالإخوان لهم بمقاعد في البرلمان الكويتي ويشاركون بسلام في النظام السياسي الأردني. أما بالنسبة لقناة الجزيرة، وهي غرفة إخبارية متعددة الجنسيات ومنتدى نادر للمناقشة والدعوة للتنوع في العالم العربي، فإن الائتلاف المحاصر لا يكلف نفسه عناء إخفاء نواياه. وفى حديثه إلى الغارديان، قال سفير الإمارات لدى روسيا: «إننا لا ندعي أن لدينا حرية الصحافة. نحن لا نعزز حرية الصحافة».

هذا يؤكد أن المطالب التي لا يمكن الوفاء بها بشكل معقول لن تتحقق. كيف، إذن، هل يحل الائتلاف الصراع الذي خلقه؟ هناك طريق واحد هو العودة إلى أسفل بهدوء، وقبول أقل مما طولب به علنا، والعمل لاحقا على تقليم أشرعة قطر بهدوء، على الأقل لفترة من الوقت. وهناك احتمال آخر يتمثل في التصعيد إلى أبعد من نقطة عدم العودة.

يمكن للمملكة العربية السعودية وحلفاؤها أن يغزوا قطر ويحاولون الإطاحة بالأسرة المالكة. أو ربما الأكثر معقولية، دفع قطر إلى تحالف أكبر مع تركيا وإيران، وتشويه سمعة الدوحة في التصور الساذج للرئيس «ترامب». ذكر أن الإمارات على استعداد لاستضافة طائرات «العديد» والقيادة العسكرية الإقليمية الأمريكية. ولكن بالنسبة للولايات المتحدة، في الخليج، فقد ثبت أن الروابط التي تربطها بها فضفاضة. ومع ذلك، فإن التخلي عن قطر الآن هو استسلام للعدوان والغضب.

  كلمات مفتاحية

قطر حصار قطر قاعدة العديد الإمارات السعودية