استطلاع رأي

أي من هذه الدول تمارس الدور الأكثر إيجابية في حرب غزة؟

السعودية

مصر

قطر

إيران

تركيا

أهم الموضوعات

طبقات اليمين الإسرائيلي وبصيرة دا سيلفا

عن أوهام التفاؤل الأميركي

أزمة اقتصاد مصر وانتظار الفرج من الخارج

نحو وقف الحرب على غزة

سيناريو اليوم التالي للحرب

سـلفيات وإخـوانيات.. كيف ولماذا؟

الثلاثاء 11 يوليو 2017 10:07 ص

يكتب أحدهم مدعيا تمثيل التيار السلفي، فيقول إن السلفية الجهادية ليست سلفية، وإنما “إخوانية قطبية”، وهي ليست كذلك بالطبع، وإن تبدى في خلفية أفكارها بعض حضور لسيد قطب. ثم يضيف إن السلفية التي تنادي بتحريم المظاهرات والأحزاب وترفع شعار “من السياسة ترك السياسة” وطاعة ولاة الأمر ما أذنوا بإقامة الصلاة، هي أيضا ليست سلفية، ثم يطلق عليها أسماء متعددة من بينها “الجامية” وأحيانا “المرجئة”.

في المقابل يرى رموز جماعة الطاعة أو “من السياسة ترك السياسة”، ومن يسميهم خصومهم الجامية؛ أنهم وحدهم ممثلو السلفية الحقيقية، وأن الجهادية لا تمت إلى السلفية بصلة، وكذلك حال السلفية الإصلاحية إن جازت التسمية، والتي تنخرط في العمل السياسي الإصلاحي.

خلال الألفية الجديدة بات التيار السلفي واحدا من أهم مكونات الحياة الدينية والسياسية في العالم العربي، وأصبح الأمر أكثر وضوحا خلال مرحلة الربيع العربي، من خلال الثورات وبعد انتصار بعضها، ورأينا حالة سيلان كبيرة في المواقف بين أعضاء هذا التيار ومكوناته. وفي حين يمكن القول إن بالإمكان تقسيم التيار إلى ثلاثة مكونات أساسية (التقليدي، الإصلاحي، الجهادي)، إلا أن ذلك لا ينفي وجود تباينات داخل هذه الفروع ذات صلة بالرموز والمرجعيات والخلافات، وربما الاجتهادات السياسية بشكل خاص، كما هو حال القطيعة في التيار الجهادي بين “القاعدة”، وبين تنظيم الدولة.

خلال الثورات وقعت هزة كبيرة للتيار، إذ رأينا أناسا من التيار (التقليدي) المنادي بطاعة ولاة الأمر ونبذ الفتن ورفض المظاهرات والأحزاب.. رأيناهم يتحولون إلى مساندين للثورات، ثم رأينا بعضهم ينخرط في العمل السياسي بعد انتصارها، كما رأينا قبل ذلك جهاديين يتركون مسارهم القديم نحو انخراط في العمل السياسي (ليبيا مثالا). مع العلم أن شيئا من ذلك قد حدث قبل الثورات من خلال المراجعات الشهيرة في ليبيا وقبلها مصر، وربما في دول أخرى بهذا القدر أو ذاك، دون أدبيات منشورة بالضرورة.

وفي حين تقل (ولا تنعدم) معالم الخلاف في مسائل الاعتقاد، وبدرجة أقل قضايا الفقه العادية، بين هذه المجموعات التي تنهل من ذات المرجعية، فإن التباين في قضايا العمل السياسي أو العام يبدو جليا، ما يدفع إلى القول إن الأخيرة ليست محسومة، وهي أقرب إلى تقدير المواقف والموازنة بين المصالح والمفاسد منها إلى الأحكام المحسومة.

والظاهر أن هذا الأمر ليس وليد اللحظة الراهنة، بل هو كذلك منذ القرون الأولى، ومثال ذلك مسألة الطاعة لولاة الأمر، والتي لم تكن في جوهرها سوى موازنة بين المصالح والمفاسد في عرف العلماء، وبالطبع حين أنتجت محاولات الخروج على الحكام الكثير من الفتن والدماء. دليل ذلك أن الجدل بشأنها لم يُحسم في يوم من الأيام. وحين انحاز الإمامان مالك وأبو حنفية مثلا لمحمد بن النفس الزكية وأخيه إبراهيم في محاولة الخروج على أبي جعفر المنصور، فقد فعلا ذلك لأن فرص النجاح كانت كبيرة.

بعد الربيع العربي تراجع إلى حد كبير فقه الطاعة شبه المطلقة للحاكم، فيما تقدم فقه الإنكار السلمي، وتبعا له فقه العمل السياسي الإصلاحي (التعددي). أما الفقه الجهادي فظل حاضرا (تراجع إثر الثورة التونسية والمصرية واليمنية  السلمية)، قبل أن يعود من جديد إثر الثورة الليبية، ومن ثم بقوة إثر الثورة السورية، وما جرى في العراق واليمن.

يشمل هذا الجميع، وليس التيار السلفي وحده، ففي مصر على سبيل المثال برزت بعد الثورة عدة أحزاب ذات مرجعية إسلامية، وبعضها من ذات المرجعية (سلفية كانت أم إخوانية)، لكنها تباينت في تقديرها للمواقف السياسية، والخلاف مع أحدها لا يعني بالضرورة خلافا مع عموم التيار الذي تنتمي إليه، وهي في العموم خلافات في تقدير الموقف، وبعضها له صلة بالأبعاد الشخصية، وليس بالجوانب الفكرية.

الحالة الإخوانية هي ذاتها السلفية، فتباين الفروع في المواقف يبدو جليا، ولو كتبنا عنها لطال المقال، وقد تباينوا طوال العقود، فمنهم من حمل السلاح، ومنهم من تبنى فقه الإصلاح والتغيير السلمي، ومنهم بين ذلك، فضلا عن تناقضهم اللافت في الموقف من بعض الأنظمة، وهذا كله نتاج التقدير من جهة، وقبل ذلك نتاج الدولة القُطرية، أو دولة التجزئة واستحقاقاتها.

لذلك كله، يبدو أن على الجميع الإقرار بمرجعية الأمة التي لا تتعارض بالضرورة مع المرجعية الإسلامية، وعلى كل طرف أن يقنع الناس برؤاه وبرامجه من خلال الوسائل السلمية. والرؤى التي نعنيها هنا لا تخص السياسة فحسب، بل تشمل القضايا الدينية أيضا بعيدا عن لغة التكفير والإقصاء، مع حق كل طرف في القول إن رأيه هو الأكثر صوابا والأكثر تعبيرا عن جوهر الدين. 

التدافع السياسي والفكري هو قدر هذا العالم العربي في زمن الإعلام المفتوح، ومن حق كل أحد أن يتقدم للناس بما لديه. هذا هو مسار المستقبل الذي لا مناص من التعامل معه. 

«أما الزبد فيذهب جفاءً، وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض».

* ياسر الزعاترة كاتب صحفي أردني/ فلسطيني

المصدر | الدستور الأردنية

  كلمات مفتاحية

الإخوان التيار السلفي الإصلاحي الجهادي التقليدي دولة التجزئة الدولة القطرية الأنظمة الحاكمة تنظيم التدافع السياسي والفكري