استطلاع رأي

أي من هذه الدول تمارس الدور الأكثر إيجابية في حرب غزة؟

السعودية

مصر

قطر

إيران

تركيا

أهم الموضوعات

طبقات اليمين الإسرائيلي وبصيرة دا سيلفا

عن أوهام التفاؤل الأميركي

أزمة اقتصاد مصر وانتظار الفرج من الخارج

نحو وقف الحرب على غزة

سيناريو اليوم التالي للحرب

الدراما الخليجية… مشتبهات فنية

السبت 27 ديسمبر 2014 07:12 ص

بمنظور نورثروب فراي، ترقى الدراما إلى مرتبة النظام الاجتماعي في تقلباته واضطراباته وإعادة تأسيسه، بمختلف الصيغ. وهي بهذا المفهوم تعادل الأدب، لأنها في الأساس تعتمد على نص تتم تأديته بواسطة مخلوقات بشرية، ضمن توليفة فنية لا تفارق النص، على اعتبار أنه قاعدتها المفهومية. 

وهي إذ تعكس الواقع الاجتماعي، لا يمكن التعامل معها كصورة مرآوية للواقع، لأنها تمثل روح الحياة وليس صورتها المستنسخة. وانطلاقاً من كون كل نص أدبي هو وثيقة إنسانية، يمكن مساءلة الدراما الخليجية من واقعها النصي، وما تقترحه من مشهدية حياتية، تترجم وقائع النص المكتوب ومنطلقاته.

من يتابع الدراما الخليجية بقصورها الفاخرة، وسياراتها الفارهة، وأزيائها الباهرة، وما يتداعى عن ذلك من مظاهر اجتماعية باذخة، يتصور أن المجتمعات الخليجية تعيش بالفعل هذه الرفاهية. خصوصاً أن معظم المسلسلات التلفزيونية تتعمد إظهار تلك المشاهد الفائضة بالشخصيات والمساكن والأدوات الاستعمالية الفخمة. وهي صور تنميطية لا تنفصل عن الواقع وحسب، بل تتعالى عليه. وكأن معظم القائمين على هذا النمط التعبيري من مخرجين ومنتجين وفنانين وكتاب نصوص قد قرروا توطين حالة النفي التي يعيشها الإنسان الخليجي، وحماية حالة التناقض، بل تقويتها من خلال الدراما.

إن معظم ما يُنتج ويُعرض من مسلسلات تحت عنوان الفن، وضمن بهرجة بصرية تحمل طابع العيد الإيهامي. وهي منظومة من الصور الخادعة، التي توحي ببعد آخر ينافي الواقع. وبالتالي هي أشارات مقصودة ومدّبرة لتعميق فكرة الاستلاب، وقتل التجربة اليومية مقابل تضخيم الأوهام. وعليه، يمكن إدراجها تحت مظلة (آداب وفنون الاغتراب)، إذ لا يمكن التسليم بأن كل ذلك الإسفاف والتضليل محكوم بقبضة المنتج، كما يشاع دائماً، لأن الأمر أكثر خطورة من اسطوانة التبرير المستهلكة، فتغريب الواقع، وما يتبع ذلك من تسطيح وتسذيج للوعي، يهمّش الفئات المحرومة ويحولها إلى كائنات هشّة وعاجزة، ليس عن الفعل فقط، بل حتى عن التفكير.

ومن المنظور الثقافي تعيش المجتمعات الخليجية كابوساً مفزعاً، لا علاقة له بالأحلام الوردية المعروضة على الشاشة، وذلك بعد انهيار النظام الثقافي المتمثل في الحياة البحرية وما يختزنه من القيم، أي على العكس مما كما تدعيه الدراما وتترجمه بشيء من الاستخفاف في استوديوهات التصوير وخارج نطاق المعاش. 

ذلك يعني أنها تؤسس لخديعة تحاول من خلالها الإيحاء بأنها تتصدى لمشاكل متراكمة من التفكك الاجتماعي بسبب التحوّل الاجتماعي وضرورات الإبدال الثقافي، إلا أنها في واقع الأمر تعمّق إحساس الإنسان الخليجي بتعاسته، وتوطّن فيه فكرة العجز قبالة مفاعيل السلطة السياسية والدينية والاجتماعية والاقتصادية.

الدراما سجل اجتماعي يؤرخ للظواهر ويرسم مسار التحولات.. إلا أن الدراما الخليجية لا تضطلع بهذا الدور بقدر ما تقدم إنسان هذه اللحظة ككائن امتثالي، خارج دائرة الصراع، لا ينتمي بأي شكل من الأشكال لحركة اجتماعية تاريخية حتى عندما تُطرح مسألة الوعي الحداثي مقابل الوعي التقليدي، لا تُعالج ضمن حالة صراعية بين قوى وتيارات، إنما من خلال استعراضات شكلانية في العادات والتقاليد والملبس، بحيث تبدو القضايا المجادلة خالية من المعنى، والشخصيات متخفّفة من حسّ البطولة، لأنها مستلبة، ومغتربة عن واقعها.

ولا شك أن تغييب الذات عن علاقتها بنفسها ومجتمعها وتاريخها وثقافتها وتراثها، يؤدي حتماً إلى إنتاج دراما باهتة، لأن الإحساس بالاغتراب يأتي في صلب القضايا المعاشة للإنسان الخليجي، وهو الأمر الذي يفسر الحسّ المأساوي الذي يطبع معظم الإنتاج الدرامي، باستثناء بعض الأعمال التي تتناول الماضي، التي تم إنتاجها قبل عقدين أو أكثر.. وهي قليلة جداً مقابل ركام هائل من الأعمال التي لا تقارب شيئاً من قضايا المجتمع انطلاقاً من النص، الذي يتحرك في الهوامش، ويتمسح بمظاهر الخلجنة الثقافية، خصوصاً على مستوى اللهجة التي أصبحت هي الأخرى عرضة للتحريف والعبث حد التدمير.

لا يوجد في الدراما الخليجية ما يشجع على الوعي بحالة الاغتراب، لأنها لا تختزن ما يُعرف بالنص التحتي الذي تتعبأ فيه مرادات التغيير الناعمة وبدل أن تمارس، كأداة فنية، دورها الثوري في مواجهة حالة الاغتراب المفروضة من مفاعيل السلطة، صارت تؤدي دور المسوّغ لها وتتغاضى عن تغوّل تلك المفاعيل، فهي تهاب من نقد المؤسسة الدينية، وتتحاشى الاصطدام بالنظم السياسية، وتخضع لما تمليه القوى الاقتصادية، كما تنازلت عن فكرة التجابه مع التيارات الاجتماعية، وبالتالي أصبحت تقدم مشتبهات فنية، خالية من أي جرعة إبداعية أو ثقافية.

الدراما بالدرجة الأولى هي أداة معرفة وهذا ما لا يستوعبه القائمون على الدراما الخليجية، إذ تُطرح المسلسلات كبيانات تقريرية مباشرة حول المجتمع وقضاياه، وليس كحالة تبصّر وتحليل. وهذا يتنافى مع كونها أداة إشارية لا وسيلة لطرح الدعاوى الاجتماعية وإثارة الغرائز الجمعية، على الرغم من كونها تجربة جمعية مضادة للمغامرات الفردية لأصحاب رؤوس الأموال أو أصحاب النزوات الفنية، بمعنى أنها حركة محاكية ومحايثة للواقع الاجتماعي.

ولأنها شكل من أشكال الفكر، وتقنية اتصال بين البشر، ينبغي التساؤل بقوة هنا، عما تؤديه الدراما الخليجية المغتربة في موضوعاتها وأداءاتها الفنية، لتترجم مجمل التصورات المجردة في حياة الإنسان الخليجي إلى علاقات إنسانية. وعما تسهم به كعملية إدراك في إعادة تشييد الذات، وتشكيل الهوية، والتعبير الأمين عن منظومة القيم المعاشة. 

والجواب من واقع ما يُعرض من مسلسلات مفرطة في الاغتراب، تبدو منفصلة عن أهم مبدأ للدراما وهو تمثيلها للحاجات الإنسانية الاجتماعية الكبرى، إذ لا تمثل سوى جشع المنتجين، وتوق الفنانين للشهرة والنجومية، وأوهام الكتاب والمخرجين، الذين يحتمون جميعاً بالمؤسسة الرسمية التي تدفعهم بدورها إلى مزيد من تغريب الإنسان ونفيه عن مصادر إنسانيته.

الاغتراب حالة مجتمعية موضوعية، يتبدى في حالة شعورية وسلوكية وتجربة نفسية على المستوى الفردي، وهو في الإطار العام حالة ثقافية على صلة وثيقة بمنظومة القيم والمعايير. وعندما تتصدى الدراما لحالات الاغتراب، باعتبارها النموذج الفني الأصلب والأصلح لتخليق الأوضاع الإنسانية بصيغة الحاضر، إنما تحاول تحقيق ذلك المستوى المتقدم من الوعي، وتبصير الإنسان بواقعه ومصيره وتاريخه وثقافته داخل الوجود الإنساني، إلا أن الدراما الخليجية تزيد الفرد نفياً، ولا تجدد فيه قواه الكامنة لمواجهة واقعه، حيث ينبني الصرح الدرامي بلغة استعراضية تزدحم بالاستعارات الباذخة التي تخفض منسوب القلق بتخليق وهم الواقع الذي يتلبس لبوس العيد الكاذب.

 

* محمد العباس كاتب سعودي

 

المصدر | القدس العربي

  كلمات مفتاحية

الدراما الخليجية التحول الاجتماعي الثقافة الاغتراب فنون

«مضاوي الرشيد» تستنكر سخرية الدراما السعودية من المجتمع وانحيازها للحكام