استطلاع رأي

أي من هذه الدول تمارس الدور الأكثر إيجابية في حرب غزة؟

السعودية

مصر

قطر

إيران

تركيا

أهم الموضوعات

طبقات اليمين الإسرائيلي وبصيرة دا سيلفا

عن أوهام التفاؤل الأميركي

أزمة اقتصاد مصر وانتظار الفرج من الخارج

نحو وقف الحرب على غزة

سيناريو اليوم التالي للحرب

الثقة والدم في الشرق الأوسط

الخميس 27 يوليو 2017 12:07 م

في مرأب (كراج) للسيارات في مستشفى في إحدى ضواحي القاهرة الكبرى، أمسك طبيب بمشرط جراحة ووجه ضربة قاتلة لعامل الكراج بسبب مطالبته بتحصيل رسوم غير قانونية هي مبلغ يساوي أقل من نصف دولار (5 جنيهات مصرية)!

مساحة اهتمام ضئيلة على موقع إخباري مصري (موقع مصراوي الإخباري) كانت كل ما نالته الجريمة من اهتمام على رغم دلالاتها الكبيرة. فالطبيب صاحب مهنة مرموقة اجتماعياً وكان من المتوقع ممن يمتهنها أن يكون سلوكه مختلفاً تماماً عن ذلك. والعدوانية الشديدة التي وسمت تصرفه جعلت الضحية يموت في الحال.

الواقعة قد تشير إلى غياب دولة القانون، لكنها أيضاً تشير إلى غرائزية مفرطة تجعل كثيرين يتصرفون – تلقائياً – وفق العبارة التي اختارها يعقوب بيري مدير الشاباك الإسرائيلي السابق عنواناً لمذكراته: «القادم لقتلك... استبق واقتله»، (تبريرا لجرائم الكيان الاستيطاني)، فالخوف مثل القدرة على القتل، كلاهما دافع لسفك الدم.

بل ربما تمثل الظاهرة قطاعاً عرضياً ممتداً في بيئة المكان تكشف عن مركب عقلي/ وجداني تمتد نتائج انتشاره من الحياة اليومية إلى الثقافة وبالتالي السياسة، وصولاً إلى الحالة المتجاوزة لحدود الدولة التي يشهد فيها الشرق الأوسط البائس موجة عنف لا يفسرها عامل واحد: العنف الديني!

وعندما يتحول طبيب إلى قاتل بهذا الشكل الذي لا يخلو من مفارقة صادمة، لا يعود هذا وحسب إلى طبيعة شخصية فردية، بل يشف عن عوامل يتشربها البشر على نحو متفاوت في هذه البقعة بالتدريج، حتى يصبح العنف خياراً مرجحاً في سلوك شريحة من أحاد الناس، فضلاً عن التكوينات السياسية (دون الدولة)، وصولاً إلى الدول. وغياب «العقد الاجتماعي» كأساس لعلاقة الأطراف المختلفة، وشحوب دولة القانون، كلاهما يفسح المجال لقانون القوة.

وإذا كانت السمات المشتركة مما يجب الحذر في أخذه على إطلاقه فإن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين كشف أخيراً عن حكم من هذا النوع أطلقه رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق آرييل شارون. بوتين روى أن شارون قال له أثناء زيارة لإسرائيل: «لا يمكن الوثوق في أحد وفي أي شيء» في الشرق الأوسط. (موقع روسيا اليوم – 15/6/2017).

والثقة التي تبدو لكثيرين ترفاً لا تأثير له في فهم السياسة وإدارتها، تمثل مكوناً ثميناً لا يكاد يكون للشرق الأوسط منه نصيب. فمعظم الأقليات خائف على مصيره، وكثير من الشعوب خائف إما على الهوية أو من المستقبل، أو قلق عليهما معاً.

في الحالة المصرية، مثلاً، يستشري خوف متصاعد لا يحظى باهتمام منتجي الخطاب التحليلي، من زحف واسع للريف (العشوائيات) على ما بقي من المدن الكبرى التي تكاد تصبح «قرى كبيرة»، ويزحف هؤلاء على حياة المدينة ليهددوا سكينتها ونظامها وتقاليدها، ونسبة كبيرة منهم يشكلون حزاماً بشرياً يحتل معظم الفضاء العام (باعة متجولون – متسولون – بلطجية – مهن هامشية).

والنسبة الأكبر من أهل المدن يدركون أن ما يحميهم «دولة القانون»، فيما أدرك العشوائيون بعد حين أن عدوهم الأول هو «دولة القانون».

ولأن هذا الزحف تزامن مع غياب دولة القانون، وانتشار سلوك عدواني «ريفي المنبع» بالعدوى، حلت الريبة والخوف محل قدر لا مفر منه من «الثقة» بين غرباء في مدينة كبيرة.

وكان المفكر المصري عباس العقاد يرى أن تبادل المنافع بين غرباء يقتضي بالضروة «ثقة البديهة» التي لا تحتاج إلى برهنة، وفي غيابها عن علاقات الأفراد، وغياب «الدولة الكفء» التي تنظم «المشترك العام»، وفي نهاية الهرم، غيابهما (الثقة والمشترك العام) بين الوحدات الأكبر، يجد العنف تربة خصبة هنا.

وقد أصبح «العنف الاستباقي» مكوناً راسخاً في «العقل الجمعي»، ومنه انتقل الوباء إلى سلوك الفاعلين السياسيين، وحدث جزئياً تأثير في المسار العكسي أيضاً.

فالكردي مثلاً يقاتل لخوفه من القوميات الأخرى، والشيعي أو السنّي يقاتل خوفاً من نظيره المذهبي، والمسلم يقاتل خوفاً على هوية مجتمعه من الأقليات العلمانية المتنفذة، أو الأقلية المسيحية التي يراها خطراً على هويته... إلى آخر قائمة الخائفين القاتلين /المقتولين. وجميعهم (بمعنى أو آخر) صورة جمعية لطبيب جعله الخوف قاتلاً بسبب غياب دولة القانون والثقة بين الأطراف كافة، (وضمنها الدولة والجماعات السياسية).

والقاتل الحقيقي، في المقام الأول، هو «الوهم الذهني».

* ممدوح الشيخ كاتب وإعلامي مصري

المصدر | الحياة

  كلمات مفتاحية

الثقة والدم الشرق الأوسط العدوانية الشديدة غياب دولة القانون غرائزية عنف مفرطة الخوف القدرة على القتل دوافع سفك الدم الخطاب التحليلي العنف الاستباقي