«القدس العربي»: مفارقات عربية في معركة الأقصى

الأحد 30 يوليو 2017 04:07 ص

اندفع عشرات الآلاف من الفلسطينيين يومي الخميس والجمعة للتعبير عن التحامهم مجددا برمزهم المقدس، المسجد الأقصى، في تظاهرة اجتماعية ـ سياسية هائلة تعكس إحساسا بانتصار حراكهم السلمي الكبير على آلة الموت الإسرائيلية وهو ما دفع تل أبيب للإحساس بالغضب والمهانة فتصرفت بالوحشية المفترضة فيها وهاجمت جموع المصلين داخل باحات المسجد وخاصة في منطقتي قبة الصخرة والمسجد القبلي فجرحت الخميس أكثر من 113 شخصا واعتقلت عددا من الشبان وعرقلت وصول آلاف أخرى إلى محيط الأقصى، بينما قتلت شخصا وأصابت 52 يوم الجمعة.

يبدو سلوك إسرائيل الهمجي، لمراقب من الخارج، منفصلا عن المنطق، فما الذي يدفع دولة وافقت على عودة المصلين إلى المسجد لمطاردتهم من جديد في باحاته والاعتداء عليهم بالرصاص المطاطي والضرب وقنابل الغاز؟

وهل يمكن لدولة تتفاخر بديمقراطيتها أن تنفعل فجأة وتدفع بجنودها كالثيران الهائجة نحو مدنيين عزل؟

الحقيقة أن للاحتلال منطقا خاصا به فهو لا يطيق فكرة أنه قابل للتراجع عن قراراته، واعتداءاته على المصلين تريد أن تقول لهم إنهم لا يمكن أن يعتقدوا أنهم انتصروا لأن الاحتلال ما زال موجودا.

مع جدارة هذا التحليل لا يجب أن نغض الطرف عن حقيقتين مهمتين:

الأولى أن الانفعال الطائش لقوات الاحتلال ناتج عن خوف عميق من هذه الحركة العبقرية للجماهير الفلسطينية التي عبرت عن نفسها بعفوية وذكاء بالامتناع عن الصلاة داخل المسجد حتى تزول البوابات الالكترونية ثم باندفاع الجموع الكبيرة للصلاة داخله حين أزيحت البوابات الالكترونية.

في هذه الأثناء وإثر الغليان الشعبي في الأردن بعد مقتل مواطنين برصاص حارس أمن في السفارة الإسرائيلية كان لافتا إصدار الديوان الملكي الأردني بيانا على لسان الملك عبد الله الثاني يطالب فيه رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بمحاكمة رجل الأمن القاتل.

لقد خلق الاستفزاز الإسرائيلي المتقصد للأردن (نتيجة استقبال الأبطال الذي قدمه نتنياهو لحارس السفارة بعد قتله الأردنيين) وضعا محرجا لعمان حيث أنه أعاد إلى أذهان الأردنيين مسلسلا طويلا من الاستهانة بكرامتهم والإهانات المؤلمة للحكومة والشعب، كما حصل عندما قتل القاضي رائد زعيتر عام 2014 على يد جندي إسرائيلي.

وهو ما دفع الملك الأردني للقول إن ما حصل «تصرف مستفز على كل الصعد يفجر غضبنا جميعا ويؤدي لزعزعة الأمن ويغذي التطرف في المنطقة»، وللطلب من نتنياهو اتخاذ الاجراءات القانونية التي تضمن محاكمة القاتل وتحقيق العدالة «بدلا من التعامل مع هذه الجريمة بأسلوب الاستعراض السياسي بغية تحقيق مكاسب سياسية شخصيةّ»، وتبعت مظاهرات شعبية قرب السفارة أمس، وطلب عمان من تل أبيب عدم عودة سفيرتها إلى أن يتم التحقيق في الحادث.

في حادثة قتل الأردنيين، كما في قرار الاعتداء على المصلين، لا تترك إسرائيل، عمليا، خيارا سوى مجابهتها، وهو ما يعيد إلى الأذهان مقولة نسبت للقائد الفلسطيني الشهيد كمال ناصر عن كونه يراهن على عدوانية إسرائيل التي لا تترك مجالا للتوسط أو المساومة معها.

وهذا يذكرنا أيضاً بالمشاريع العربية التي لا تنفك تحاول الوصول إلى اتفاق مع تل أبيب، وكان آخرها، حسب مصادر عديدة، مشروع بادرت إليه السعودية التي قدمت «حوافز» متنوعة لإسرائيل، بل وتفهمت، كما أشارت مصادر عربية وإسرائيلية، تركيب إسرائيل «بوابات الكترونية»، ولكن طبع إسرائيل الإجرامي الذي يغلب تطبعها، لا يني يطيح بكل مشاريع التسوية معها، رغم التنازلات الجسيمة، ووعود التحالف ضد إيران إلى آخر منتجات هذه البضاعة الخاسرة.

ومن هنا نفهم ما أذاعته وسائل إعلام سعودية عن أن إسرائيل قامت بفتح الأقصى أمام المصلين بعد تدخل الملك سلمان بن عبد العزيز، وهذا خبر جلل لأنه يعتبر، من جهة، تقهقرا محمودا عن أخبار «التفهم» و«التفاهم»، لكنه، من جهة أخرى، يزيح من المشهد، مرة أخرى، نضال الفلسطينيين الذي كان السبب في تراجع إسرائيل، كما أزاحهم عندما «تفهم» حاجات إسرائيل الأمنية واعتبرهم مثل «الإرهابيين» الذين يهددون أمن المملكة.

  كلمات مفتاحية

معركة الأقصى الجماهير الفلسطينية المسجد الأقصى انتصار الحراك السلمي آلة الموت الإسرائيلية بوابات إسرائيل الإلكترونية